المعضلة الوطنية ومبعوث العناية الإلهية

 


 

 

تعقيدات الحالة السودانية بحاجة لمبعوث سماوي قاهر، يرمي بعصاه أمام السحرة من العسكر والداعمين والحركيين والمدنيين، فتتحول الحبال التي لفوها حول أعناق الناس إلى سلاسل من الذهب الأصفر المُزيّن لجيد النساء، (ولك أن تتخيل) وهنا حقوق الملكية محفوظة للمفكك الأكبر، أن الميدان العام بعد أفول نجم الدكتاتور قد شغلته المجموعات العشوائية المتناحرة والمتشاكسة، قحت الأولى (المخصيّة)، وقحت الثانية (المتحوّلة) والمتحالفة مع العسكريين بشقيهم جيشاً ودعماً، والحرس القديم البائد (الباعث) المنسل من أجداث كوبر المُربك والمرعب لحركة الميدان العام مثل البعّاثي (البعّاتي)، وأصناف من الوجوه الجديدة الوالجة للمسرح القديم المتجدد الباديء بعروض جهابذة الفعل السياسي من أمثال المحجوب ورفاقه، والمنتهى إلى حضيض الإسفاف بالقول والعمل في عهد البرهان ورهطه. إنّ ملف المعضلة الوطنية مازال مؤجلاً ومدرجاً تحت طاولات المبعوثين الأمميين والإقليميين، ولا صوت للمُسهلين المحليين ولا دَور لدُور (مراكز الدراسات الاستراتيجية) المتفيئة لظلال العمارات السامقة بالقاهرة والخرطوم، فشلت منظمات المجتمع المدني المكتظة مكاتبها بحملة الإجازات العلمية العالية من الحائزين على درجة الأستاذية، أين مركز الخاتم عدلان؟، أين الدكتور حيدر إبراهيم ومؤسسته العتيقة؟، أين وأين؟، يبدو أن الإجابة كامنة في مقولة صديقي: أن القصائد الوطنية والكتب والدراسات والبحوث والمقالات التحليلية المدبّجة والهادفة لحلحلة المعضلة السودانية، لو أنها عرضت على وسطاء السلام بين روسيا وأوكرانيا لأنهت نُذر الحرب العالمية الثالثة.
السودانيون، أفراد وجماعات، سياسيون ورموز مدنيون واقتصاديون ينبهرون بالبضاعة المستوردة، يفتقرون إلى الاعتداد بالنفس وتنقصهم الثقة في منتجهم الفكري والاقتصادي المحلي، يتندرون في خصائصهم الاجتماعية والنفسية أمام الأجنبي والجار، الذي يشاركهم التهكم أحياناً والزجر والتوبيخ أحيان كثيرة، هنالك غربة عن النفس معشعشة بين جوانح الفرد والجماعة، وتكاد تكون بلادنا الوحيدة في المحيط الإقليمي التي كتب عنها شاعرها (الوطني) والدبلوماسي الفذ القصيدة الشهيرة التي كان عنوانها (ملعون ابوكي بلد)، ولسبر غور الأسباب المؤدية لتراكم جرائم الاحباط والتثبيط الوطني، لابد من طرح الدراسات والبحوث الجادة الحافرة في أعماق جذور بنية المنطلقات السلوكية المُنشئة لهذه الشخصية الغريبة الأطوار، لماذ انفض سامر الناس من حول مبادرة رئيس الوزراء المستقيل على الرغم من أنه الأجدر من فولكر والأذكى من ولدلبات؟، كيف فرّط المدنيون والعسكريون في هذه الثروة القومية؟. المبادرة المقدمة من الدكتور عبدالله آدم حمدوك قبل الانقلاب، كانت هي الأفضل من كل المبادرات بما فيها اطروحة السيد فولكر، لكن الهرولة نحو الخواجة كانت فاضحة، والجلوس المُهين خلف صف صلاة الجماعة التي أمّها ولدلبات، كانت مخزية وواصمة للعار على جبين المهرولين، التنازل المستمر عن الكرامة الشخصية والعزة الوطنية لا يصنع أبطالاً وطنيين، وفقدان التوازن النفسي أمام بريق الأعين الزرق لن يقدم قائداً شجاعاً. الذي يدور في أضابير المجالس الحكومية بين الموفدين الأجانب والمتسربلين بجلابيب الوطنية، لن يأتي بخير، فالاحتقان الأمني في طول البلاد وعرضها والتخندق السياسي لن يقدر على تجاوزه السيدان فولكر ولبات.
الإحاطة المقدمة من السيد فولكر لصفوة المنظمة الأممية جاءت عمومية وعاديّة، مثلها مثل أي تقرير صحفي يمكن أن يقدمه مبتديء يتعلم أبجديات الحبو على بلاط صاحبة الجلالة، فالسودانيون هم الأدرى بأحوالهم، لكن ضربتهم الذلة والمسكنة وأصبحوا ككرة البولو مركولة على الدوام ومقذوفة بين عصي الفرسان وأقدام الأحصنة، سوف يتوالى الكثير من شاكلة هذه المبادرات والإحاطات الفاترة والخطابات السياسية التافهة، مادام الميدان يعُجُ بـفوضى هؤلاء العشوائيين، ففي سابق عهد الصومال الدولة التي انتقم منها الغربيون ففككوها، كانت العزّة والكرامة الوطنية ماثلة رغم الاختلاف وسيل الدماء والأشلاء، وكذلك كان الأمر بالنسبة لدولة رواندا التي حسمت أمر تدخل الأنوف الفرنسية في شأنها الداخلي، فعقدت الجبهة الوطنية الرواندية سلسلة من المحاكمات القضائية والمصالحات الاجتماعية، فخرجت إلى برها الآمن الذي رفل عليه السكان بالنعيم والرفاه المستدام، أما في الحالة السودانية وبحسب بؤس اللاعبين العشوائيين الحاليين فإنّ الوضع سيوالي تفاقمه السالب، وأن المبعوث الأممي الآدمي المخلوق من التراب لن يصلح ما أفسده المهرولون، وأن البلاد والعباد بحاجة إلى مبعوث من لدن العناية الإلهية يخرج السودان من هذا الحضيض.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmil.com
27 مايو 2022

 

آراء