وقعت المفاصلة - كما سُميت فى أوساط الإسلاميين السودانيين - عندما ابتدر الرئيس عمر البشير فى اليوم الثاني عشر من شهر ديسمبر عام 1999، الموافق 4 رمضان 1240هـ جملة قرارات تقضى بحل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، وإعفاء د. حسن الترابي من كل مناصبه الدستورية وكرئيس للبرلمان، وايضآ عزله من الحزب الحاكم، وابقي علي الترابي بالحجز المؤقت في بيته تحت حراسة أمنية شديدة. اجواء المفاصلة بين الإسلاميين لم تكن وليدة اللحظة اذ بدأت تفوح رائحتها قبل وقوع المفاصلة العلنية. ويقول المحبوب عبد السلام المحبوب في كتابة: (دائرة الضوء .. خيوط الظلام) في صفحة (387). : اختار رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني ورئيس هيئة الشورى العامة للمؤتمر الوطني زياً عسكريا مكتملاً جلس به على منصة رئاسة الشورى صباح العاشر من ديسمبر 1998م، لأول مرة، إذ أن الشورى مؤسسة شعبية بعد المؤتمر العام وقد ظل يرأس جلساتها منذ 1994 بالزى القومي السوداني. ويضيف المحبوب بالقول: لكنه تهيأ يومئذ لإبلاغ رسالته التي أفصحت عنها مناسبات كثيرة في مستقبل مسار المؤتمر الوطني، ولإبلاغ الرسالة الخاصة التي تأمر نفر مهم في المؤتمر الوطني بعلمه لاختطاف اجتماع الشورى ومحضة لها، ولتتأكد أخبار المساء التي حملها نفر إلى الأمين العام – الشيخ حسن الترابي-. انتهى وتطورت الأحداث بصورة درامية وانتهت بالترابى حبيس السجن حقيقة وليس تمويها هذه المرة . واستعان البشير حينذاك بصلاح عبد الله المعروف بصلاح قوش رئيس جهاز الأمن والمخابرات العامة فى تلجيم وقصقصة جناحى مجموعة الترابى او جماعة المنشية كما اطلق عليها او الموءتمر الشعبى باخر الامر. فالرجل منذ كان فى مكتب الأمن والمعلومات او المكتب الخاص يعلم خبايا وادق اسرار التنظيم وتخرج وتعود من بين أصابع يديه كل الخيوط التى ترسم حركة التنظيم فى سكنه وحركته . واستدار الزمان كهيبته الاولى واجواء كالمفاصلة هذه المرة بين البشير والبازار - (بازار” مفردة فارسية تعني السوق، أو بالأحرى السوق الكبير، وهو مكان للبيع والشراء، غير أن البازار في إيران تحوّل عبر القرون إلى مؤسسة اقتصادية تقوم بدور توزيع السلع والمنتوجات على نطاق واسع، وتمثل الرأسمالية التقليدية في إيران. تعود نشأة البازار إلى ما قبل الإسلام، وبالتحديد إلى عهد السلالة الساسانية، غير أنها استقرت وتطوّرت بعد الإسلام، من حيث الطراز المعماري وأسلوب التجارة، وقد تضاعف وتوسّع هذا الدور بعد احتكاك إيران بالغرب، ودخول الصناعات الحديثة إلى البلاد، وأصبح للبازار تأثير سياسي بارز في العصر الحديث، ويتكوّن البازار في المدن الإيرانية العريقة من عدة دهاليز مسقوفة، تحتوي على عدة دكاكين، يسمون كلّ واحد منها بالفارسية ” حجرة”، وهي مأخوذة من (الحجرة) العربية. إذاً يمكننا الحديث هنا عن مثلث يتوسط الدائرة للمدن الكبرى في إيران، ويشكّل مركزها وقلبها الاقتصادي والسياسي والديني النابض عبر التاريخ، وهو يتألف من ثلاثة أضلاع: البازار، والمسجد، والقلعة ، يرمز الأول إلى الشعب ونشاطه الاقتصادي، والثاني إلى السلطة الروحية ونشاطها الديني، والثالث إلى السلطة الزمنية ونشاطها السياسي ). انتهى - انظر للمزيد دراسة بعنوان: البازار والنظام الإيراني. : جدلية الاقتصاد والسياسة. نشرت فى ٣٠ ابريل عن مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية . وإذن فهى مفاصلة ثانية بين أضلاع مثلث النظام الذى كما يقول د. التجانى عبد القادر هو تحالف بين السوق والقبيلة والمؤسسة الأمنية . اصحاب السوق فى التنظيم والذين مكن لهم فى كل مفاصل الدولة ابتلعوا كل شىء وبالنتيجة تناسل سرطان الفساد و كما قالها ابن رشد قبل تسعة قرون كاملة: «السلطة المطلقة مفسدة مطلقة»، وقالها المؤرخ الإنجليزي المشهور اللورد آكتون: «السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة».وقد بلغت الحاال الاقتصادية الدرك الأسفل ووصل سعر الدولار الأمريكى الى مايقارب ال٤٠ جنيها سودانيا. وسيصل الى ٥٠ جنيها سودانيا كما حذّر وزير المالية السابق عبد الرحيم حمدى. وتتوقع الحكومة عجزا في الموازنة نسبته 2.4%، من الناتج المحلي الإجمالي وذلك حسبما قال عبد الرحمن ضرار وزير الدولة بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي السودانية لرويترر فى تصريح صحفي بث فى الاول يناير المنقضي . وحسب ارقام موازنة 2018 ينتظر أن يبلغ إجمالي حجم الإيرادات 116.9 مليار جنيه سوداني (16.70 مليار دولار) وإجمالي النفقات 127.2 مليار جنيه (18.18 مليار دولارا أمريكيا ). وهى بالمناسبة ارقام تقديرية وهو أفضل توصيف لها اذ لا توجد أدنى درجة من المصداقية فى الإحصاءات او البيانات المالية او النقدية وغيرها التى تقدمها الحكومة بسبب انعدام الشفافية و غياب الكفاءة . ومن المنتظر أن يصل حجم الدين الخارجي إلى 54.1 مليار دولار امريكى في نهاية عام 2017 و56.5 مليار دولارامريكيا في نهاية عام 2018 وفق ما ورد في تقرير لصندوق النقد الدولي في ديسمبر المنصرم . جاءت الانتقادات للميزانية حتى مِن داخل مكونات النظام . فقد نقلت السودان الْيَوْمَ : ( انتقدت الغرفة القومية للمستوردين باتحاد الغرف التجاريةمشروع موازنة العام 2018) وأشارت إلى أن المعالجات التي وضعت بالموازنة (أشبه بالماكياج). وكشف رئيس الغرفة “مالك جعفر سر الختم” خلال مخاطبته “منبر سونا” (قطاع الاستيراد ومآلات موازنة 2018)، عن أن وزارة المالية لم تشرك قطاع المستوردين في إعداد الموازنة، وقال إن الشراكة بينهم والوزارة اقتصرت على تنويرهم فقط، وأضاف: (لسنا طرفاً في الميزانية)، وقال: (نساهم بنسبة 75% من حجم الإيرادات وينبغي مشاورتنا في إعداد الموازنة)، وأضاف: (واجبنا نحو قواعدنا يحتم علينا توضيح أننا لسنا جزءاً من الميزانية)، وقال إن الميزانية في نسختها الجديدة تضخمية انكماشية قد تؤدي لمزيد من التردي الاقتصادي. من جانبه، توقع عضو القطاعات السياسية بالغرفة “الصادق جلال الدين صالح” ارتفاع أسعار السلع المستوردة كافة الخاضعة للجمارك بنسبة (36%) نسبة لزيادة الدولار الجمركي، فيما توقع زيادة في السلع المعفاة من الرسم الإضافي للرسوم الجمركية زيادات عالية، مثلاً الفول المصري ستكون الزيادة بنسبة (174%) للكيلو، لبن البودرة (75%) للكيلو فقط، ورق الصحف بالطن (173%)، وزيادة على كيلو العدس بنسبة (225%)، كيلو الأرز (169%) وبالتالي الزيادة بالأسواق ستكون بنسبة (18%). وقال: (أول من سيتأثر بالميزانية المواطن، والمستورد آخر من سيتأثر). ورسم “الصادق” صورة قاتمة لمآلات الأوضاع وقال: (أتوقع أن ترتفع أسعار الخدمات، التكاليف، وهذا بدوره سيؤدي لقلة الطلب والندرة ويزيد البطالة، وسيؤدي لمزيد من تدهور الجنيه، ويقل الصادر). وتوقع أن يرتفع الدولار إلى (50) جنيهاً في ظل هذه السياسات، وانتقد نظام الاستثمار بالبلاد وقال إن تحويلات المستثمرين الأجانب تساهم في رفع الطلب على العملة الأجنبية) انتهى حينما أزاحه البشير من قمة الموءسسة الامنية عام 2009 تردد ان السبب الخفى كان تذمر وشكوى صلاح عبد الله من تمدد الفساد . وفى شهر فبراير من هدا العام قال البشير خلال لقاء جماهيري بمدينة بورتسودان إنه سيسخر كل موارد الدولة من أجل محاربة المفسدين وإنه سيلجأ لخطة بديلة في حال لم تنجح خطته الرامية للقضاء على المفسدين! ترى أيهما سيقضى على الاخر البازار أم البشير؟