المقاومة الشعبية كخيار إستراتيجى للأمة

 


 

 

د. صبرى محمد خليل / أستاذ فلسفة القيم الإسلامية فى جامعة الخرطوم

مشروع الشرق الأوسط الجديد " الصهيونى- الإمبريالى " : هو مشروع يتم تطبيقه فى المنطقة العربية، منذ العقد السابع من القرن الماضى ، ويهدف الى الإرتداد بالنظام الرسمى العربى ، من مرحلة التجزئة على أساس شعوبى " إتفاقية سيكس - بيكو ١٩١٦"، إلى مرحلة التفتيت على أساس طائفى - قبلى " محاولة إقامة دويلات طائفية - قبلية، على انقاض الدولة الوطنية العربية، مع ضمان بقاء الكيان الصهيونى كحارس لهذا التفتيت، كما كان فى المرحلة السابقة حارس للتجزئة ". بما يضمن نهب ثروات الأمة الإقتصادية والطبيعية.

مؤشر على بداية الحرب العالمية الثالثة : وتطبيق هذا المشروع مؤشر على بداية الحرب العالمية الثالثة - على الأقل فى منطقتنا العربية - منذ بداية تطبيق هذا المشروع . ذلك ان طبيعة مفهوم الحرب العالمية ، إختلفت فى عصرنا عن العصور السابقه ، من ناحية التحديد المكانى والزمانى والموضوعى " المجالات "،وبالتالى اصبحت اى حرب فى عصرنا حرب عالمية، من نواحي تجاوز تأثيرها مكان حدوثها ، وتداخل بدايتها - وكذا نهايتها - وتعدد مجالاتها، بمعنى عدم إقتصارها على المجال العسكرى فقط.

مؤشر على بداية المرحلة الأولى من المعركة الفاصلة بين الإستخلاف الثانى والإستكبار العالمى الخامس " الإمبريالى - الصهيونى " : كما أن تطبيق هذا المشروع هو مؤشر على بداية المرحلة الأولى من هذه المعركة الفاصلة، والتى هى إمتداد لمعارك فاصلة سابقة "اليرموك،حطين،عين جالوت،رد العدوان الثلاثى بالسويس ٥٦"، بين أشكال متعددة من إستخلاف الأمة ، وأشكال متعددة للإستكبار العالمى "الفا سى ، الرومانى ، المغولى ، الصليبي، الأستعمار القديم والجديد ".

السودان : "مخطط للتفتيت والسيطرة على النيل وليس حرب" : وطبقا لهذه القراءة فإننا نفهم أن الصراع المسلح الحالى فى السودان، ليس مجرد حرب بالمفهوم العسكرى البحت ، بل مرحلة جديدة من مراحل تطبيق هذا المشروع ، تهدف الى تفتيت السودان،إلى دويلات قبلية - طائفية ، على انقاض الدولة الوطنية السودانية . ويشمل ذلك تفكيك عمودها الفقرى - المؤسسة العسكرية السودانية - و تطبيق مرحله جديدة من مراحل السيطره على النيل ، بدأت بفصل جنوب السودان، وإنشاء سدود مائية فى اثيوبيا، دون إتفاق مع دولتى المصب' السودان ومصر' ... ويشمل هذا المخطط التهجير القسرى للسكان، واحداث تغيير فى التركيبة السكانية' الديموغرافيه' - خاصة فى المناطق النيلية-

غزة : تصفية القضية الفلسطينية بالابادة الجماعية والتهجير القسرى وليست حرب: كما أنه طبقا لهذه القراءه فاننا نفهم ان ما يحدث فى غزه ليست حرب،بل مرحلة جديده من مراحل تنفيذ ذات المشروع، تهدف الى التصفية النهائية للقضية الفلسطينية( القضية المركزية للأمة)، بإبادة الشعب الفلسطينى ، أو تهجيرة قسريا ، تنفيذا للمقولة الصهيونية " ارض بلا شعب ، لشعب بلا أرض "، والقضاء النهائي على المقاومة الشعبية الفلسطينية ، مستغلة دعم القوى العالمية " الغربية / الراسمالية / الإستعمارية "، وتخاذل النظام الرسمى العربى.

النجاح :

تعطيل إرادة الأمة - على المستوى الرسمى - " : وقد نجح هذا المشروع فى تعطيل إرادة الأمة على المستوى الرسمى .

التعطيل الإرتدادى لإرادة الأمة على المستوى الرسمى : فقد تزامن تطبيق هذا المشروع ،مع مرحلة التعطيل الإرتدادى لإرادة الأمة على المستوى الرسمى ، التى إرتدت فيها بالنظام الرسمى العربى ، عن الخطوات التى إتخذتها مرحلة التحرر الوطنى والقومى من الإستعمار، بأشكال المتعددة " القديم والإستيطانى ' الصهيونى ' والجديد ' الإمبريالى ' " ، التى استمرت طوال العقدين الخامس والسادس من القرن الماضى ، تجاه اهداف الإرادة الشعبية للأمة، فى الحريه والعداله الإجتماعيه والوحده - رغم ما شابتها من سلبيات - فإنتقلت من الدفاع عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى وحقوقه ، إلى التخلى عن الواجب " الوطنى والقومى والدينى والانسانى تجاه القضيه والشعب الفلسطينى" ، والتطبيع مع الكيان الصهيونى .وإنتقلت من مقاومة الاستعمار، الى التبعية للغرب " الاستعمارى"، والخضوع للسياسات الإمبريالية فى المنطقه . ومن محاوله تحقيق العداله الاجتماعيه وإقامة تنمية مستقلة، إلى محاوله تطبيق النظام الرأسمالى تحت شعارات مثل : الإنفتاح / الأصلاح/ التحرير : الاقتصادى ، الخصخصه ، رفع - او ترشيد - الدعم .... .

شعار " السلام كخيار إستراتيجى " :
وقد رفعت هذه المرحلة شعار " السلام كخيار استراتيجى " ، متجاهلة انه لا سلام مع حقوق مغتصبة ، وهو حينها يكون إستسلام وليس سلام. كما دعمته بشعار فرعى " آخر الحروب " تعنى حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣ او حرب العبور "، وما حدث أنها كانت آخر حرب خارجية للأمة ، اى ضد قوى الإستعمار الخارجى. لكنها كانت فاتحه سلسلة من الحروب والصراعات الداخلية ، التى أدت إلى التفتيت الطائفى- القبلى للأمة.

الفشل:

الفشل فى التحكم فى التعطيل الإرتدادى وإفرازاته السالبة : ورغم أن المشروع نجح فى الإرتداد بالنظام الرسمى العربى، تجاه مزيد من التفتيت ، الإ انه فشل فى التحكم فى هذا الإرتداد وافرازاته السالبة ، والتى تشمل:

أولا : مشكله الإرهاب : فقدساهمت القوى التى تقف خلف المشروع فى إنشاء تنظيمات الإرهاب- وعلى أقل تقدير تغاضت عن نشوءها، ودعمتها سرا، بهدف إستخدامها فى تحقيق أهداف المشروع فى التفتيت الطائفى - القبلى للأمة - سواء كانت هذه التنظيمات واعية بذلك ام غير واعية - لكن تأثيرها على هذه التنظيمات بدأ فى الاضمحلال عندما قويت شوكة هذه التنظيمات ، بل وضرب هذه القوى فى العمق، واصبحت تشكل تهديدا لمصالحها ، مما اضطرها إلى ضربها عسكريا - وهو ما كلفها اقتصاديا - بهدف تحجيمها - وليس القضاء النهائى لها ، لضمان إمكانية اعاده استخدامها لاحقا لتحقيق أهداف أخرى.

ثانيا : اللاجئين : تدفق اللاجئين على الدول الغربية ، وتكلفته الاقتصاديه ، مما ادى الى تنامىالأحزاب العنصرية و المناهضه للأجانب.

ثالثا : الفوضى السياسية :عدم الإستقرار السياسى الذى أدى إلى فشل القوى التى تقف خلف المشروع على فرض ارادتها السياسية، على أجزاء كتيره من النظام الرسمى العربى .

التفعيل الشعبى : فالقوى التى تقف خلف المشروع نحجت فى تعطيل إراده الامة - على المستوى الرسمى - الا انها فشلت إلغائها، لأن تعطيلها على مستوى الرسمى، أتاح المجال أمام تفعيلها ، على المستوى الشعبي.

نشوء المقاومة الشعبية العربية " السلمية والمسلحة " : وقد أخذ هذا التفعيل الشعبى شكل المقاومة الشعبية - السلمية فى ميادين والمسلحة فى ميادين أخرى- ضد مظاهر و ادوات و مراحل تطبيق هذا المشروع التخريبى . وقد نجحت - فى هذا الإطار- فى تحقيق العديد من الانتصارات ، بدون أن يمثلها نظام رسمى عربى معين ، ومنها :

* مقاومة الاحتلال الصهيونى للبنان ، والتى إنتهت بدحر الجيش الصهيونى بداية القرن .
* مقاومة الاحتلال الامريكى للعراق، التى احدثت خسائر فادحة فى جيش الاحتلال الأمريكى ، قبل أن تعمل أمريكا وحلفائها، على القضاء على المقاومة الوطنية العراقيهة، من خلال خلق صراع طائفى " شيعى - سنى ." بين التنظيمات السنية كداعش ، والمليشيات الشعبية ".
* إستمرار المقاومة الشعبية المسلحة الفلسطينية . رغم المحاولات المستمرة للقضاء عليها.
* النصرة الشعبية للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى ، رغم تخلى النظام الرسمى العربى عن واجبه " الوطنى والقومى والدينى والانسانى " تجاههما.
* المناهضه الشعبية للكيان الصهيونى ، الذى أحال التطبيع الرسمى معه قرار معزول مجتمعيا.
* استمرار تمسك الشعب الفلسطينى بأرضه وحقوقه، رغم الاباده الجماعيه والتهجير القسرى الممارس ضده ،على مدى سبعه عقود .
* المقاطعة الشعبية للمنتجات والبضائع والسلع الأمريكية.
* تمسك الأمة - على المستوى الجماهيرى - بثوابتها الوطنية والقومية والدينية والحضارية ، رغم انتشار التغريب بين النخب المتعلمة والحضرية.
* استمرار تحقق الوحدة العربية والإسلامية الشعبية ، ممثلة فى إستمرار الروابط الموضوعية ' اللغويه ، الدينية ، الجغرافية ، التاريخيه ، الحضارية ...' فى الربط بين شعوب الأمة ، رغم التفتيت الرسمى.

ثورة الشباب العربى بين المسارين الأصلى' السلمى' والمصطنع' الفوضوى' : وقد نجحت المقاومة الشعبية فى الإسقاط السلمى، للعديد من الانظمة التابعة أو الفاسدة أو الفاشله... قبل أن تنجح القوى التى تقف خلف هذا المشروع ، فى تحويلها من مسارها الأصلى "الطبيعى " الجماهير ى - السلمى " ، إلى مسار آخر مصطنع " عنيف أو فوضوى ، أو تابع للخارج ..."، وذلك باستخدام عده أساليب " أهمها الإسقاط العنيف - خاصة فى الموجه الأولى منها - والهبوط الناعم - خاصة فى الموجة الثانية منها - مستغلة أنها إندلعت بصوره تلقائية غير منظمة.

ضروره إرتقاء المقاومة الشعبية من التفعيل التلقائي إلى التفعيل القصدى :
ونجاح المقاومة الشعبية العربية - السلمية منها والمسلحة - فى إفشال كل أهداف هذا المشروع التخريبى - وبالتالى الإنتصار فى معركة بداية الحرب العالمية الثالثة ، والتى هى ذات بداية المرحلة الاولى من المعركة الفاصلة ، بين الإستخلاف الثانى للأمة و الإستكبار العالمى الخامس " الإمبريالى. - الصهيونى " - يتوقف على إرتقاء الإرادة الشعبية للأمة، من مرحلة التفعيل التلقائي" اى رد الفعل العفوى ، العاطفى، المؤقت " ،إلى مرحلة التفعيل القصدى " أى الفعل المخطط، العقلانى ، المستمر ' المؤسسى'.

الآليات : وهو ما يتحقق من خلال الآليات الآتية:
. إعتبار أن المقاومة الشعبية خيار استراتيجى للأمة. وما يلزم من تقديم الدعم المادى والمعنى لها.
.عدم ربط المقاومة الشعبية باى فصيل أو مذهب أو حزب معين ، لضمان تعبيرها عن إراده الامة ككل .
.إنشاء أو تفعيل مبادرات شعبية منظمة ' مؤسسية '، تعبر عن إراده الأمة فى كافه المجالات.
. تفعيل تيار فكرى شامل،يؤسس ' نظريا ' للتوافق على ثوابت الأمة
.التأكيد على أن هدف المقاومه الشعبية المسلحة هو الدفاع عن النفس كحق مشروع قررته كل المواثيق القانونيه والدولية والاخلاقية والدينية.
. وبالتالى العمل على عدم احداث اى تناقض أو تعارض بين المقاومة الشعبية المسلحة لاى عدوان خارجى ، والمؤسسات العسكرية الوطنية ، بما يضمن عدم تحولها إلى مليشيا طائفية او قبلية.
..........
للإطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبرى محمد خليل:

*الموقع الرسمى للدكتور صبرى محمد خليل : دراسات ومقالات (google)
*صفحه دكتور صبرى محمد خليل فى الفيسبوك (sabri khalil khairi).
*القناه الرسميه للدكتور صبرى محمد خليل فى اليوتيوب.

sabri.m.khalil@gmail.com

 

 

آراء