الملحّن والمُغني “معبد” في العصر الأموي
alshiglini@gmail.com
قم يا طرير الشباب ... غنِ لـنا غنِ
يا حلو يا مستطاب ... أنشودة الجنِّ
وأقطف لي الأعناب ... وأملأ بها دنّي
من عبقري الرباب ... أو حرمِ الفنِ
...
وأمسح على زرياب ... واطمس على معبد
وأمش ِ على الأحقاب ... وطُف على المربد
وأغشى كنار الغاب ... في هدأة المرقد
وحدث الأعراب ... عن روعة المشهد
التجاني يوسف بشير. من أنشودة الجنِّ
(2)
في بطن مراجعات مبدعينا والمثقفين، وعلى صفحة الشِعر، هناك نجد اسم الفنان المغني معبد. ينير طريقك إلى الأرواح البهيّة، المبدعة في تاريخ الزمان. طِرب الوجدُ ونحن نعتّصر كأسا من رحيق أزهاره. إننا اليوم نبحث عن تُراث مُبدعينا، ومستودعاتهم التي طمروا فيها أمثال أحد المُغنين الذين ذاع صيت إبداعهم في العصور الغابرة. علاقة بالغناء وثيقة، وبالتراث أوثق.
*
يسهُل نسيان الملحنين والمغنين، لأن المجتمع قديماً لا يعرف الفضل إلا للشعراء. وكان أمر الغناء في الزمان القديم مُحدثاً وطارفاً، لا يعتدّون به كثيراً. فكان الانشاد والحداء والرجز، هي محاولات لقولبة الموسيقى الشعرية، لتكون أيسر للأذان. وأن تكون لها عند الأرواح شجي. تطوّرت الآلات المصاحبة للغناء، تُفتّش عن مسامات تدخل من خلالها عبر رخاوة الموسيقى الشعرية وسحر الكلمات. وتجد أنها أمام كشف جديد، وتم أبداع الموسيقى الغنائية. هكذا وُلد الملحّنون والمغنّون الأوائل، وجدوا الأرض في تلك البقاع أول أمرها مُجدبة، وصنعوا لها مكيدة من حبائل العشق، فاستجابت ودنت وطرِبت.
(3)
أنشأ خلفاء بنو أمية القصور بفاخر التسيس و الرياش، كما تعلموه من الحضارة التي سبقت في دمشق منذ أيام معاوية بن أبي سفيان والياً. وعشق الخلفاء من بعده فن الغناء، وألحقوا المغنّين بقصورهم. وقد شجّع الخليفة عبد الملك الموسيقى، ولكنها ازدهرت أيام خلافة الوليد.
في أول الحكم الأموي أسبغ " سائب خاثر " الروح العربية على الغناء الفارسي. واستخدم "العود" بدلاً عن القضيب في الغناء. وتتلمذ على يديه ابن سريج ومعبد.
كان "العود" العربي في ذلك الزمان ذا وجه من الجلد، واستمر على ذلك حتى ظهور "العود" الفارسي المسمى بالبربط، وكان بوجه خشبي. تعلم ابن مسجح كثيراً من قواعد الموسيقى خلال رحلاته لبلاد فارس وسورية، وخلَّص الروح الأجنبية عن الطابع والذوق الموسيقي العربي، حتى نهضت الموسيقى العربية مُكتملة البُنيان. وظهرت حينذاك الزخارف اللحنية.
(4)
قال إسحاق: كان معبد من أحسن الناس غناء وأجودهم صنعة وأحسنهم حلقاً. وهو فحل المغنين وإمام أهل المدينة في الغناء. وأخذ عن سائب خاثر ونشيط، مولى عبدالله بن جعفر، وعن جميلة مولاة بهزّ بطن من سليم. وكان زوجها مولى لبني الحارث بن الخزرج. فقيل لها مولاة الأنصار لذلك.
*
قال ابن الكليبي عن أبيه: كان ابن أبي عتيق خرج إلى مكة، فجاء معه ابن سريج إلى المدينة، فأسمعوه غناء معبد وهو غلام وذلك أيام مسلم بن عقبة المري. وقالوا: ما تقول فيه؟. فقال: إن عاش كان مغني بلاده. ولمعبد صنعة لم يسبقه إليها منْ تقدم ولا زاد عليه فيها منْ تأخر. وكانت صناعته التجارة، في أكثر أيام رقّه. وربما رعى الغنم لمواليه وهو مع ذلك يختلف إلى نشيط الفارسي وسائب حاثر، حتى اُشتهر بالحذق وحُسن الغناء وطيب الصوت وصُنع الألحان، فأجاد واُعترف له بالتقدم على أهل عصره.
صنعته في الألحان:
قال الجمحي: بلغني أن معبداً قال: والله لقد صنعت ألحاناً لا يقدر شبعان ممتلئ ولاسقّاء يحمل قربّة، على الترنُم بها. وقد وضعت ألحاناً لا يقدر المُتكئ أن يترنم بها حتى يقعد مستوفزاً، ولا القاعد حتى يقوم.
*
قال إسحاق: بلغني أن معبداً أتى ابن سريج وابن سريج لا يعرفه ، فسمع منه ما شاء ثم عرض نفسه عليه وغنّاه وقال له: كيف تسمع جُعلت فداك؟. فقال له: لو شئت كنت قد كفيت بنفسك الطلب من غيرك. قال: وسمعت منْ لا أحصي من أهل العلم بالغناء يقولون: لم يكن فيمنْ غنّى أحد أعلم بالغناء من معبد.
(5)
قال جرير: قال معبد: قدمت مكة فقيل لي أن صفوان قد سبق بين المغنين جائزة، فأتيت بابه فطلبت الدخول، فقيل لي: لقد تقدم الجميع و لا أؤذن أحد. قال: قلت: دعني أدنو من الباب فأغني صوتاً. قال: أما هذا فنعم. فدنوت من الباب فغنيت صوتاً. فقالوا: هو معبد. وفتحوا لي فأخذت الجائزة يومئذ.
*
ذكر عورك وهو الحسن بن عتبة اللّهبي أن الوليد بن يزيد كان يقول: ما أقدر على الحج. فقيل له وكيف ذاك؟. قال: يستقبلني أهل المدينة بصوتي معبد:
( ... القصر فالنخل فالجمّاء بينهما )
يوم تبدي لنا قُتيلة عن جيد ... تَليع تزيّنه الأطواف
*
قال إسحاق: قيل لمعبد: كيف تصنع أذا أردت أن تصوغ الغناء؟. قال: أرتحل قعودي وأوقّع بالقضيب على رحلي وأترنّم عليه بالشعر، حتى يستوي لي الصوت. فقيل له: ما أبين ذلك في غنائك.
*
قال معبد: كنتُ غلاماً مملوكاً لآل قطن مولى بني مخزوم. وكنتُ أتلقى الغنم بظهر الحرّة . وكانوا تجار، أعالج لهم التجارة في ذلك. فآتي صخرة بالحرّة ملقاة بالليل فأستند إليها، فأسمع وأنا نائم صوتاً يجري في مسامعي، فأقوم من النوم فأحكيه، فهذا كان مبدأ غنائي.
*
حدّث الربيع بن أبي الهيثم. قال: كُنا جلوساً مع عبدالله بن جعفر بن أبي طالب. فقال مالك والله ما بلغت شراكه قط، والله لو لمْ يغنّ معبد إلا أقوله.
لَعمرُ أبيها لا تقول حليلتي ... ألا فرّ عيني مالك بن أبي كعب
وهم يضربون الكبش تبرقُ بيضه ... ترى حوله الأبطال في حلقٍ شُهب
لكن حسبه قال: وكان مالك إذا غنى غناء معبد يخفف منه، ثم يقول: أطال الشِعر معبد ومطّطه وحذفته أنا وتمام هذا الصوت.
*
تحدث أبوغسان عن يونس الكاتب. قال: أقبلت من عند معبد، فلقيني ابن محرز ببطحان فقال: من أين أقبلت؟. قلت: من عند أبي عباد. فقال: ما أخذت عنه. قلت:
ماذا تأمّل واقف جملاً ... في ربع دار عابه قِدمه
أقوى وأقفر غير منتصب ... لِبد الرَّمادة ناصع حُمُمه
غنّاه معبد ولحنه ثقيل أول بالسبابة في مجرى الوسطى، وفيه خفيف ثقيل أول بالوسطى. ينسب إلى الغريض ( عبدالملك المغني المكي) وإلى ابن محرز.
(6)
قال ابن الكليبي: قدم ابن سريج والغريض( عبد الملك) المدينة، يتعرضان لمعروف أهلها، ويزوران منْ بها من صديقهما من قريش وغيرهم، فلما شارفاها تقدما ثقلهما، ليرتادا منزلاً حتى إذا هما بغلام، مُلتحف بإزار وطرفه على رأسه، بيده حبالة يتصيّد بها الطير، وهو يتغني ويقول:
القصرُ فالنخل فالجمّاء بينهما ... أشهى إلى نفسي من أبواب جيرون
وإذا الغلام معبد. قال: فلما سمع ابن سريج والغريض ( عبد الملك) معبداً، مالا إليه واستعاداه الصوت، فأعاده فسمعا شيئاً لم يسمعا بمثله قط. فأقبل أحدهما على صاحبه فقال: هل سمعت كاليوم قط. قال: لا والله فما رأيك؟.قال ابن سريج: هذا غناء غلام يصيد الطير، فكيف بمنْ في الجوية، يعني المدينة. قال أما أنا فثكلته والدته إن لمْ أرجع، قال فكرّا راجعين.
*
قال معبد: قدمت مكة فذهب بي بعض القرشيين إلى الغريض( عبد الملك)، فدخلت عليه وهو متصبّح، فانتبه من صبحته وقعد، فسلم عليه القرشي، وسأله ثم قال: إنك يا معبد لمليح الغناء. قال: فاحفظني ذلك، فجثوت على رُكبتيّ ثم غنّيته من صنعتي عشرين صوتاً، لم يسمع بمثلها قط، وهو مطرق واجم، قد تغيّر لونه حسداً وخجلاً.
*
قال إسحاق:قال معبد: بعث إليّ بعض أمراء الحجاز، وقد كان جمع به الحرمان أن أشخص إلى مكة، فشخصت. قال: فتقدمت غلامي في بعض تلك الأيام، واشتدّ عليّ الحر والعطش، فانتهيت إلى خباء فيه أسوّد وإذا حباب ماء قد بُرِّدت، فملت إليه فقلت: يا هذا اسقني من هذا الماء فقال: لا . قلت: فأذن لي في الكنّ ساعة .قال لي: نعم. فأنخت ناقتي، ولجأت إلى ظلّها فاستترت به وقلت: لو أحدثت لهذا الأمير شيئاً من الغناء، أقدم به عليه، ولعلي إن حرّكت لساني أن يبّل حلقي ريقي، فيخفف عني بعض ما أجده من العطش، فترنمت بصوتي:
( القصرُ فالنخل فالجمّاء بينهما )
فلما سمعني الأسوّد ما شعرت به إلا وقد احتملني حتى أدخلني خباءه. ثم قال: أي بأبي أنت وأمي هل لك في سويق السُّلت بهذا الماء البارد. فقلت: قد منعتني أقل من ذلك، وشربة ماء تُجزئني. قال: فسقاني حتى رويت. وجاء الغلام فأقمت عنده إلى وقت الرواح، فلما أردت الرّحلة. قال: بأبي أنت وأمي الحرّ شديد، ولا آمن عليك مثل الذي أصابك، فأذن لي في أن أحمل معك قربة من ماء على عنقي، وأسعى بها معك فكلما عطشت سقيتك صحناً وغنيتني صوتاً. قال: قلت ذاك لك. فوالله ما فارقني يسقيني وأغنيه، حتى بلغت باب المنزل.
(7)
كان معبد خارجاً إلى مكة في بعض أسفاره، فسمع في طريقه غناءً في بطن مر، فقصد الموضع فإذا رجل جالس على حرف بركة، فارقٌ شَعره، حسن الوجه، عليه درّاعة قد صبغها بزعفران، وإذا هو يتغنّى:
حنّ قلبي من بعد ما قد أنابا ... ودعا الهمّ شجوّه فأجابا
ذاك من منزل لسلمى خلاء ... لابس من خلائه جِلبابا
عُجتُ فيه وقلت للرّكب عُوجوا ... طمعاً أن يرد رَبعٌ جوابا
فقرع معبد بعصاه وغنى:
منعَ الحياة من الرجال ونفعها ... حَدقٌ تقلبّها النساء مِراضُ
وكأن أفئدة الرجالِ إذا رأوا ... حدق النساء لنُبلها أغراضُ
فقال له ابن سريج: بالله أنت معبد؟ قال: نعم وبالله أنت ابن سريج؟. قال: نعم ووالله لو عرفتك ما غنيت بين يديك.
*
رحلته إلى الأهواز:
كان معبد قد علّم جارية من جواري الحجاز الغناء، تُدعى ظبية، وعنيّ بتخريجها، فاشتراها رجل من أهل العراق، فأخرجها إلى البصرة وباعها هناك، فاشتراها رجل من أهل الأهواز، فأعجب بها وذهبت به كل مذهب، وغلبت عليه. ثم ماتت بعد أن أقامت عنده برهة من الزمان . وأخذ جواريه أكثر غنائها عنها. فكان لمحبّته إياها وأسفه عليها، لا يزال يسأل عن أخبار معبد. وأين مستقرّه ويُظهر التعصّب والميل إليه، والتقديم لغنائه، على سائر أغاني أهل عصره، إلى أن عُرف ذلك منه. وبلغ معبد خبره، فخرج من مكة حتى أتى البصرة. فلما وردها صادف الرجل قد خرج عنها، في ذلك اليوم إلى الأهواز. فاكترى سفينة، وجاء معبد يلتمس سفينة ينحدر فيها إلى الأهواز، فلم يجد غير سفينة الرجل، وليس يعرف أحد منهما صاحبه. فأمر الرجل الملاّح أن يجلسه معه في مؤخر السفينة. ففعل وانحدروا، فلما صاروا في فم النهر الأبلة ( دجّلة )، تغدّوا وشربوا، وأمر الرجل جواريه وغنينّ، ومعبد ساكت، وهو في ثياب السفر وعليه فرو وخُفان غليظان، وزي جاف من أزياء أهل الحجاز. إلى أن غنت إحدى الجواري صوت:
بانت سعاد وأمسى حبلها انصرما ... واحتلّت الغور فالأجزاع منْ إضما
إحدى بليٍّ هام الفؤاد بها ... إلا السفاه وإلا ذكرّةً حُلما
فصاح معبد: يا جارية إن غناءك هذا ليس بمستقيم. قال. فقال له مولاها وقد غضب: وأنت ما يدريك الغناء ما هو،ألا تمسك وتلزم شأنك. فأمسك معبد. ثم غنّت أصواتاً من غناء غيره. وهو ساكت لا يتكلّم، حتى غنت:
بابنة الأزديّ قلبي كئيبُ ... مستهامٌ عندها ما ينيبُ
ولقد لاموا فقلت دعوني ... إن منْ تنهون عنه حبيبُ
إنما أبلى عظامي وجسمي ... حُبّها والحبّ شيء عجيب
أيها العائب عندي هواها... أنت تفدي ن أراك تعيبُ
فأخلّت ببعض الصوت، فقال لها معبد: يا جارية لقد أخللت بهذا الصوت إخلالاً شديداً. فغضب الرجل. وقال له: ويلك ما أنت والغناء، ألا تكف عن هذا الفضول. فأمسك. وغنّ الجواري ملياً، ثم غنت إحداهنّ:
خليليَّ عُوجا فأبكيا ساعة معي ... على الرَّبع نقضي حاجة ونوّدع
لا تٌعجلاني أن اُلمّ بدمنةٍ ... لعَزّة لاحتْلي ببيداء بلقعِ
وقولا لقلبٍ قد سلا راجع الهوى ... وللعين أذرى من دموعك أو دعي
فلا عيش إلا مثل عيش مضى لنا ... مَصيفاً أقمنا فيه من بعد مَربع
الشِعر لكثيّر عزة والغناء لمعبد، خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى، وفيه رمل للغريض ( عبد الملك).
قال معبد: لم تصنعِ فيه شيئاً يا هذه. أما تقوين على أداء صوت واحد؟. فغضب الرجل وقال له: ما أراك تدع هذا الفضول بوجه ولا حيلة، وأقسم بالله لئن عاودت لأخرجنّك من السفينة. فأمسك معبد، حتى إذا سكتت الجواري سكتة. اندفع معبد يغني الصوت الأول، حتى فرغ منه، فصاح الجواري: يا رجل فأعده فقال: لا والله ولا كرامة، ثم اندفع يغني الثاني، فقلنّ لسيدهنّ: ويحك هذا والله أحسن الناس غناء، فإنه إن فاتنا، لم نجد مثله أبداً. فقال مولاهنّ: قد سمعتُنّ سوء رده عليكنّ، وأنا خائف منه، وقد أسلفناه الإساءة. فأصبرنّ حتى نداريه. ثم غنّى معبد الصوت الثالث، فزلزل عليهم الأرض. فوثب الرجل فخرج إليه، وقبّل رأسه، وقال: يا سيدي أخطأنا عليك، ولم نعرف موضعك. فقال له: فهبكَ لم تعرف موضعي، لقد كان ينبغي لك أن تتثبّت ولا تسرع بسوء العُشرة، وجفاء القول. فقال له الرجل: لقد أخطأت وأنا أعتذر إليك مما جرى، وأسألك أن تنزل إليّ وتختلط بي. فقال: أما الآن فلا. فلم يزل الرجل يرفق به حتى نزل إليه، فقال له الرجل: ممنْ أخذت هذا الغناء؟. قال معبد: من بعض أهل الحجاز، أخذته جارية كانت لي وابتاعها رجل من أهل البصرة من مكة. وكانت قد أخذت عن أبي عباد معبد وعني.
(8)
معبد يغني للوليد بن يزيد:
حدّث عمر القاري بن عدي قال:
قال الوليد بن يزيد يوماً: لقد اشتقتُ إلى معبد. فوجه البريد إلى المدينة. فاُتي بمعبد. وأمر الوليد ببرِكة قد هُيئت له، فمُلئت بالخمر والماء. وأتى معبد. فأمر به فاُجلس، والبِركة بينهما، وبينهما ستر قد اُرخي. فقال له: غنني يا معبد:
لَهفي على فتية ذلَّ الزمان لهم ... فما أصابهمُ إلا بما شاؤوا
ما زال يعدو عليهم ريب دهرهم ... حتى تفانوا وريب الدّهر عدّاء
أبكىَ فراقهمُ عيني وأرّقها ... إن التفرّق للأحباب بكّاء
الغناء لمعبد خفيف ثقيل، وفيه ليحي المكلي رمل، ولسليمان هزج، كلها رواية الهشامي. فغنّاه إياه. فرفع نفسه في تلك البِركة. فنهل فيها نهلة، ثم اُتيّ بأثواب غيرها. وتلقّوه بالمجامر والطيب. ثم قال: غنّني:
يا رَبعُ مالك لا تُجيب مُتيّماً ... قد عاج نحوكَ زائراً ومسلّما
جادتك كل سحابةٍ هطّالةٍ ... حتى تُرى عن زهرةٍ متبسمّا
الغناء لمعبد ثاني ثقيل بالوسطى والخنصر، عن ابن المكي، وفيه لعلوية، ثاني ثقيل آخر بالبنصر في مجراها عنه. قال: فغناه. فدعا له بخمسة عشر ألف دينار، فصبّها بين يديه، ثم قال: انصرف إلى أهلك واكتم ما رأيت.
(9)
وفاة معبد:
تحدث كردم بن معبد المغني قال: مات أبي وهو في عسكر الوليد بن يزيد بن معاوية، وأنا معه، فنظرت حين اُخرج نعشه إلى سلامة القس، جارية يزيد بن عبد الملك وقد أضرب الناس عنه، ينظرون إليها وهي آخذة بعمود السرير وهي تبكي أبي وتقول:
قل لعَمري بتُّ ليلي ... كأخي الدّاء الوَجيع
ونجيُّ الهمّ مني ... بات أدنى من ضجيعي
كلما أصبرتُ رَبعاً ... خالياً فاضت دموعي
قد خلا من سيد كان ... لنا غير مُضيع
لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع
قال كردم: وكان يزيد أمر أبي أن يعلمّها هذا الصوت، فعلّمها إياه، فندبته به يومئذ. قال: رأيت الوليد بن يزيد والغمر أخاه مُتجرّدين في قميصين ورداءين يمشيان، بين يدي سريره، حتى اُخرج من دار الوليد، لأنه تولى أمره. وأخرجه من داره إلى موضع قبره.
المراجع:
- ديوان إشراقة ، التجاني يوسف بشير.
- الأغاني ، لأبي الفرج الأصفهاني.
عبدالله الشقليني
18 يوليو 2018