الناس ديل اولادنا!!! بقلم: عبد الفتاح عرمان
8 May, 2010
من واشنطن للخرطوم
عبد الفتاح عرمان
fataharman@yahoo.com
اعلن وزير العدل، عبد الباسط سبدارت يوم الخميس الماضي، الخامس من مايو 2010 عن توقيف خمسين متهماً فى قضية سوق المواسير التى اصبحت قصتها تزكم الإنوف، وتم تدوين (3.700) عريضة و(2000) بلاغ تتعلق بالثراء الحرام والنصب والإحتيال. وكشف عن أن جميع المبالغ التي تم تداولها –وفقاً للبلاغات الرسمية- بلغت (60) مليار جنيه عبارة عن شيكات مرتدة (طائرة) بقيمة (28) ملياراً وايصالات امانة بـ(32) ملياراً. وتوعد الوزير المتورطين فى القضية بالقصاص منهم مهما كانت مكانهم. لكن وزيرنا الهمام نقض حديثه هذا كله بنصيحة وجهها للمتضررين، وهي"المال تلتو ولا كتلتو" بمعنى ان عليهم ان يرضوا بثلث المال الذى ضاع منهم فى غمضة عين.
تأمل طال عمرك، كيف تُعالج قضية فساد واضحة المعالم كوضوح الشمس فى رابعة النهار. اذا كان هذا وزير العدل المنوط بها إسترداد اموال المساكين والجياع من ابناء شعبنا الذين لم تترك لهم الحرب اللعينة سوى بيع ممتلكتاهم واغنامهم ودجاجهم فى سوق (الله اكبر)، وعندما تُنهب اموالهم منهم (عينك يا تاجر) لا يفتح الله على وزيرنا الهمام بكلمة سوى المال تلتو ولا كتلو! الا يشجع هذا الامر القطط السمان و جوكية البنوك على نهب الجمل بما حمل؟ كيف لا، وهم يرون وزير العدل يطلب من المظلومين والمحرومين الا من رحمة الله ان يقبلوا من سارقيهم بثلث اموالهم. وكيف لوزير عدل ان يؤتي السفهاء اموال اليتامي والمساكين، وبالقانون!.
اذا كانت هذه الحكومة تحترم نفسها لحاكمت وزيره عدلها نفسه، خصوصاً بانها تدعي الحكم بشرع الله، الذى يقول: إن الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نِعِمّا يَعِظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً. سورة النساء الأية 58. هذا غير صمت الوزير عن مناشدات جهات عدة بفتح تحقيق حول قمع تظاهرة إحتجاجية لضحايا سوق المواسير الذين استخدمت ضدهم الشرطة الهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص الحي مما اسفر عن مقتل (9) اشخاص وجرح (68) اخرين وصفت اصابات بعضهم بالخطيرة.
من منا لا يذكر تصريحات والي شمال دارفور –المنتخب- محمد يوسف كبرعلى ايام حملته الإنتخابية حينما طلب من مواطني الولاية بالتصويت لاصحاب السوق، آدم اسماعيل وموسي صديق عندما قاما بالترشح للمجلس التشريعي للولاية عن المؤتمر الوطني، حيث قال كبر حينئذ للمواطنين:"الناس ديل اولادنا وهم من الاوفياء والمخلصين للمؤتمر الوطني، وإن شاء الله حقوقكم محفوظة وعلى مسئوليتي، بس انتو ادوا الشجرة دى، محل ما تلقوها اسقوها كويس".
بهذا الحديث يُعتبر الوالي –المنتخب- مشاركاً فى هذه الجريمة كضامن، وفى حالة هروب الجناة يتحمل الضامن كافة المسائل التى تترتب على ذلك. ونفى وزير العدل اى تهمة –ولو اخلاقية- عن الوالي جاءت للتغطية السياسية على الامر، لانه من غير المعقول والمقبول اخلاقياً وقانونياً –اذا إفترضنا براءة الوالي- ان يتعهد لمواطني شمال دارفور وعلى ضمانته الشخصية ان ترد لهم اموالهم فى حالة التصويت لاسماعيل وصديق، وهو ما قاموا به بالفعل واصبحا الان عضوين فى المجلس التشريعي بعد أن قدم الوالي للمتضررين الضمانات –بما فيها الشخصية- باسترداد حقوقهم، ثم نكص عن عهده. الا يستحق هذا الامر الإقالة او على الاقل التحقيق مع الوالي؟
كيف لدولة ترفع مشروعاً حضارياً ليس لاسلمة السودان بحسب بل حتي دول الجوار الكافرة –كما قال غازى صلاح الدين من قبل لدول الإيقاد- ان تتقاض عن امر تلتزم به حتى الدول الكافرة مثل بريطانيا وامريكا –فى وجهة نظرهم- وغيرهما من الدول. وفى هذا الامر امرنا الله ان نوفي بالعقود والعهود، وقوله تعالي فى الاية 91 من سورة النحل:وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون.
بل حمل الوالي المتضررون من السوق ضياع اموالهم وتبرأ من السوق واصحابه بالقول: نحن بريئون من هذا السوق براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
هل ترى معى طال عمرك هذا التناقض المذهل؟ بعد وصف الوالي لاصحاب السوق بـ"اولادنا ديل وهم من الاوفياء والمخلصين". تنكر الوالي للمتضررين ونفي اى صلة تربطه بالسوق واصحابه، وهو نفس السوق الذى وصفه بـ(سوق الرحمة) من قبل، وهم نفس الاشخاص الذين وصفهم بالخلص والاوفياء، وحث المواطنين على سُقية اشجارهم حتى إخضرت واتي اكلها لكن اصحاب السوق آثروا ان يشتروا الديك من اهالي الفاشر بريال وبيع ريشه لهم بريالين. ووزارة العدل تجيز وتحلل هذا الامر، لاسيما فى زمن العصبة ذات البأس، والمثل السائد والسائر دوماً: الريش تلته ولا كتلته!.
كل هذه الامور مجتمعة جعلت المواطن والمجتمع الدولي يشك فى عدالة القضاء السوداني، وما دخول محكمة الجنايات الدولية والمحاكم المختلطة وغيرهما الا من صنع إيدينا. هل بعد كل هذا ننتظر نصراً من عند الله؟ اللهم لا نسألك رد القضاء إنما اللطف فيه.
abd alfatah saeed [fataharman@yahoo.com]