النزاعات القبلية سببها تسييس الإدارة الأهلية..!!

 


 

 

هنالك سببان لاستمرار اندلاع النزاعات القبلية بالنيل الأزرق وكردفان ودارفور وشرق السودان، الأول هوتخبط الرئيس الأسبق جعفر النميري وقيامه بخطوة حمقاء حل بها الإدارة الأهلية ثم ما لبث أن عاد وأرجعها، ففي الفترة التي حُلت فيها تشعبت المشكلات بين القبائل وسرحت ومرحت الفتنة النائمة، ولم يسعف الدكتاتور الثاني (نميري) رجوعه عن قراره بعد فوات الأوان، وهو القائل الثورة تراجع ولا تتراجع، ثم أتى الدكتاتور الثالث (البشير) الذي جاء بموبقة وكبيرة من الكبائر، لم يأت بها الأولون ولا الآخرون، ولما لم يستطع استمالة زعماء الإدارة الأهلية قام باستحداث سلطنات وشرتايات وإمارات ومكوكيات ونظارات وعموديات موازية، حتى يبتز رموز الإدارة الأهلية الحقيقيين بواسطة ابناء عمومتهم الانتهازيين، وما ظللتم تشاهدونه من اقتتال في كسلا والجنينة والدمازين، حدث مع سبق إصرار وترصد أجهزة أمن الدويلة الإسلاموية، لم لا وهم الخبراء الاستراتيجيين المختصين في زرع بذور الصراع العرقي في المثلث الملتهب – دارفور، النيل الأزرق، كردفان – وهم العلماء القادرين على إيقاظ الفتنة النائمة، بتأسيس قسم ورواق وشعبة بجهاز الأمن والمخابرات مختصة بالقبائل، مهمتها تقديم الدراسات والبحوث حول هذه الكيانات الاجتماعية ومعرفة مواطن الضعف فيها، خاصة صراعات ابناء العمومة القديمة حول وراثة عروش سلطة هذه الكيانات الأهلية ذات الهدف الاجتماعي المحض.
منظومة الحكم الأهلي في السودان قديمة قدم التاريخ، وضاربة بجذورها في عمق التراب، منذ عهود الممالك والسلطنات العريقة - المسبعات والفور وسنار والبجا وعلوة والمقرّة - الممتدة غرباً وشرقاً وجنوباً وشمالاً، ومن سخريات الأقدار المدهشة أن المستعمر البريطاني لم يتعرض للإدارة الأهلية بالحل ولا بالتسييس كما فعل (أولاد البلد)، وإنّما اعتمد عليها في ذكاء يحسد عليه خفف بموجبه من الأعباء الإدارية الثقيلة، التي كانت سوف تقع على عاتقه لو أنه حاول التنظير والتدخل في صميم مهامها، حكى لنا الأجداد في دارفور كيف أن مندوب الحاكم العام البريطاني يأتي للملك والسلطان والناظر من أجل الجباية والقضايا الأمنية، بدون أن يتدخل هذا الخواجة في شئون الناس الاجتماعية والثقافية ومشاكلهم البينية التي كانوا يرجعون فيها لزعيمهم الأهلي، هكذا كانت منظومة الحكم الأهلي التي تعامل معها الأجنبي بهذه المهنية العالية والذكاء والدهاء الماكر، الذي تفوق فيه على ابني البلد - النميري والبشير- اللذان حطّما هذه الإدارة الأهلية وحوّلاها لمسخ بيد البرهان، فحتى قبل أن يتدخل النميري في شأنها لم تكن الإدارة الأهلية تعير بالاً لصراعات الأحزاب والساسة الطامحين للوصول إلى كرسي الحكم، كان هم رموزها محصور في فض النزاعات الاجتماعية والإقتصادية وجمع الأتاوات والرسوم الحكومية، وإصلاح ذات البين بين الأفراد والجماعات ورعاية التراث والفلكلور الشعبي ونشر قيم التسامح والترابط والتكافل.
عندما أسمع حميدتي يهدد أهل الجنينة ويقول لهم أنه سيرسل إليهم أمطاراً لا برق يسبقها، ولا منذر يحذر القوم عن مقدم الوابل الهاطل، أأسى لبؤس الحال الذي وصلت إليه الإدارة الأهلية التي يهددها رجل حكومي، كيف وصلت هذه المنظومة الإدارية التي كان يهابها البريطاني للحال الذي يجعلها منكسرة أمام موظف الحكومة؟، ولماذا هبط الإرث الإداري العريق المخترع لقانون دالي إلى هذا الدرك السحيق من الإذلال والهوان؟. برأيي أن أي حاكم من حكام السودان الحاضرين أو القادمين، إذا لم يعيد للإدارة الأهلية سيرتها ومسيرتها الأولى، سوف يأتي اليوم الذي لن يأمن فيه مكر ظله وهو في داخل بيته المحروس بالرجال المدججين بالسلاح المادي، وسوف يندم أشد الندم في الوقت الذي لا ينفع معه الندم، ولكي يأمن الحاكم العام الجالس في قصر غردون محدثات الحوادث المفاجئة، لابد له من أن يمزق كل الأوراق البحثية المعدة مسبقاً من شعبة القبائل بجهاز مخابرات النظام (البائد)، تلك المتعلقة ببواطن أمور هذه الكيانات الإجتماعية التي لها خصوصيتها، والتي تعتبر الضامن الأوحد لتماسك اللحمة المجتمعية السودانية، لقد ظن الكيزان أنهم وباتباعهم لسياسة فرق تسد سوف يحكمون قبضتهم وسيطرتهم على السودان، لكن خاب فألهم، إنّ الصحوة التوعوية العامة بالحقوق والواجبات قد شملت عموم البلاد، ولا ملجأ ولا مفر لمن يريد أن يحكم قبضته على جمهوريات السودان الكونفدرالي.

إسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
18 يوليو 2022
//////////////////////////

 

آراء