فاوضني بلا زعل .. طمني أنا عندي ظن
أنا المرضان معلعل .. داير أموت ما تمّ الأجل
النعام آدم
(1)
هو محمد آدم محمد، واسم شهرته " النعام آدم " ،من حلة " ود النعام "، منطقة "منصور كُتي"من مواليد 1930.
لن تقف أذنيك متربصة غناء " النعام آدم "، إلا و كل البشاير تجدها متفتحة تنصت إلى النغم المُعبر الحزين . نقل غناء منطقته في الشمالية إلى القومية . لم أزل أذكر في أواخر الستينات ، أن شهدت حفل زواج في منطقة العرضة بأم درمان . كان مطرب الحفل " النعام آدم " . يقف المطرب في مقدمة البساط . تجد راقصة من جيل الأمهات تتراقص في رشاقة بنت العشرين . من حولها فريق " الشيالين " ، يقفزون إلى الأعلى ويضربون الأرض بأرجلهم . الزغاريد تغطى هدأة الليل. والفرح يعم الجميع . كان " النعام آدم " يطرب الجميع ، بمختلف الأذواق والثقافات الغنائية .
(2)
انتقل الشاعر والمطرب والملحن " النعام آدم " إلى الإذاعة السودانية عام 1959 . وكانت البداية الفنية هي الغناء في القرية ، ثم القرى المجاورة ، ثم المنطقة وبعد ذلك وذاع صيته .انتقل بعدها إلى العاصمة، بعد أن اشتهر في منطقته ، دخل الإذاعة السودانية للتسجيل في برنامج " ربوع السودان ". وسجل أول أغانيه و من تأليفه هي " فاوضي بلا زعل ". ومن شعره ايضاً أغنية " الغرام " و "مشتاقين" .
ومن أشهر من سبقه من المطربين "عبد الرحمن بلاص" و" محمد بلاص" و"عبد الرازق بله" و"إدريس إبراهيم " و"عبد المنعم بشير " . وبعد شهرته تبعه من الأجيال اللاحقة " محمد جبارة " و "صديق أحمد " و " وود اليمني" و" اسحق كرم الله " و " محمد كرم الله " وآخرين .
تعامل معه من الشعراء : منهم عبد الله قطبي، السر عثمان الطيب، حسن سيد أحمد، محمد الحسن مساعد، جمال الدين محمد خير، محمد سعيد دفع الله، إبراهيم بن عوف، حسن محمد بخيت، ود الدابي، خضر محمود سيد أحمد، عبد الوهاب ضرار ، نور الهدي كنة، إبراهيم سعيد، مكي محمد مكي، إدريس مالك، ورّاق المجذوب، مصطفى سفيري، سيد أحمد أبوشيبة، إسماعيل حسن وغيرهم . أثرت ثنائياته مع " حسن الدابي " قفزة نوعية في لون غنائه ، وكذلك تعاونه مع الفنان " محمد سعيد دفع الله " . ونقل هو غناء الطمبور وإيقاع الدليب ،كما أسلفنا من المحلية إلى القومية .
(3)
قدم موسيقى تصويرية لمسلسلٍ إذاعي درامي في إذاعة أم درمان في سبعينات القرن الماضي ، مكون من 13 حلقة. قدم موسيقى المقدمة والنهاية للمسلسل ، وموسيقى الفواصل بآلة الطنبور . نقل صوراً تعبيرية قوية ، تصور مزالق تطور الفعل الدرامي ، وتنقله من قوة العاطفة إلى قمة دراما الأحداث. كان تجربته تكشف عن قدرته المبدعة في تأليف الألحان التصويرية وصناعة الشجن ومتابعة القص الدرامي بكل أبعاده.
كانت أغلب أغانيه عاطفية ، يانعة الطلع ، واضحة المعالم ، رقيقة الألفاظ والحاشية . بعد أن أصبحت منطقته ذات إشعاع ثقافي فأكثر ما يميزها أغنية الطمبور وإيقاع الدليب . تجذبك الأغنية بحنينها الجارف إلى المزارع وأشجار النخيل وأشجار الفاكهة ومياه النيل والغرام بالمرأة التي تنتظر في البلد .
" النعام " كفيف ، ولم تتأثر موهبته ، تبعه النبوغ وكان منهاجه متفرّد الوضوح والإظهار النغيم ، في زمان غناء إيقاع " الدليب "، إضافة على عزفه الحاذق لآلة الطمبور . وهو ايضاً مُلحن ، تمتاز ألحانه بتآلف نغماته مع الأشعار والتعبير الدقيق والتطريب، و غناء " النعام " يُضفي حنيناً ، يعرفه أهل تلك المناطق . فمناطق شمال السودان تعرف منذ قديم الزمان رحيل أبنائها ، طلباً للعلم أو العمل . وعند مغادرة " اللواري " أو السكك الحديدية ناقلة المهاجرين من المنطقة ، تسيطر على أبنائها مشاعر الحنين والشوق إلى الأرض والوطن وليالي الأصدقاء على ضفاف النيل والمزارع والأحباء . ويصنع الشوق صنيعه في استنهاض العواطف المبدعة للشعر والغناء .
ربما لم يقدم " النعام" ألحاناً لغيره ، بل خصّ ألحانه لنفسه . أما أشعار " محمد سعيد دفع الله " و"السر عثمان الطيب" التي تغنى بها ، فيقوم الشعراء أنفسهم بتلحينها.
(4)
أدخل " النعام " الكورس الثابت والطبلة على طريقة أداء أغنية الطمبور وإيقاع الدليب. الكورس المصاحب الذي يتبع المطرب في إحياء حفلاته كجزء من طاقم أدائه للغناء . ومن أوائل هؤلاء: "عبد الله حماد "و"عوض سعد" و "محي الدين عبد الوهاب" و "عجب خير السيد" و "عثمان حمد" وغيرهم . وقد كان " النعام " حريصاً على راحة الكورس وتجميعهم ، وتنظيم البروفات معهم ، واستأجر لذلك منزلاً خاصاً في السجانة بالخرطوم.
ذاع صيت " النعام " وسبقته شهرته قبل انتقاله للعاصمة . ,وأسهم الأساتذة :أحمد العوض حسن ، وعوض أحمدان ، والأستاذ محمد سعيد دفع الله ، وعلي الحسن مالك في توجيه الاعلام لهذا الضرب من فنون الغناء في السودان منذ وقت مُبكر.
وبعد اشتداد المرض عليه ، تم نقله لمستشفى السلاح الطبي .ويوم السبت 3 أبريل 1993 كان موعده مع رحيل الغيبة الكبرى . كتب " نجم الدين الكردفاني " سفراً عن الراحل " النعام آدم " ، ضمّ فيه أغنياته التي تغنى بها ، وجزاً من سيرته الذاتية . أول تأبين تمّ بعد وفاته مباشرة ، وكانت في قاعة الصداقة . والليلة الثانية أقامتها "جماعة الدليب "2011.
(5)
من أغاني " النعام آدم " :
مقسوم لي مقدر ، الزول الوسيم ، عينيك دنيتي ، لا شوفتاً تبل الشوق ، فاوضني بلا زعل ، فريع البان ، الفوسيب ، مرحبتين حبابِك ، بثينة ، نوّارة قنتي ، سهرانين ، دهب شيبون ، من نيرانا ، ظروف ، يا حليل دارنا ، القلب الجريح ، الأرض الخضراء ، سمح الخصال ، يا عيون أبكي دمع الدم ، دنيا العيون ، حلمك يا حبيبي ، درب الرجعة ، الواردة العصير ، القليب يطيب ، الانتظار ، المنقة منقولة ، الجدي ، الحمايم ، أحلى ما في الكون ، ما تنسانا ، الساكن الشمال ، حلمك ، سعاد ، مرّ العيد وفات ، جودي يا ظروف ، يا عيني كفاكن دموع ،
شتيلة قريرة ، الغرام يا ناس الغرام ، مكتوب لي مقدر ، القليب بيطيب ، يا حمايم زيدي نوري .اسمها ما بجيبو فلانة .ليلنا .
(6)
آلة الطمبور هي آلة نوبية قديمة ، تنوعت أصنافها في جميع أنحاء السودان القديم ، شماله وجنوبه وشرقه وغربه . تعددت طرق صناعته من المواد المحليّة ، ويتم دوزنته وفق أذواق صانعيه ، وتذوق المجتمع الثقافي ، ولكن يتميّز الطمبور في الشمال برقة ضبط نغماته الحادة ، وفي المناطق الاستوائية ، تتميز دوزنته بالنغمات الغليظة . وهي في كل أشكاله ، نتاج إبداع شعبي ، يعبر عن الثقافة الغنائية لشعوب السودان .
هنالك صوت منفرد، يتحدث عن أن آلة الطمبور هي في الأصل وردت من مناطق العراق القديم ، ينبع من مناطق حضارة ما بين النهرين ، ثم انتقلت إلى اليونان ، وعبرت إلى مصر القديمة ثم السودان .
عبد الله الشقليني
17 نوفمبر 2017
alshiglini@gmail.com