النقلات النوعية في هبة سبتمبر الشعبية ؟

 


 

ثروت قاسم
2 October, 2013

 


Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com

هبة يوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2013  الشعبية ؟

في يوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2013 بدأ  تنفيذ قرار زيادة  أسعار  المحروقات  ، التي أسمتها  الحكومة  تجملاً  (  رفع  الدعم  )  ، رغم أنه لا يوجد أصلاً  دعم  ولا يحزنون .  

نعم ...    بدأ  تنفيذ قرار زيادة  أسعار  المحروقات دون الأخذ في الإعتبار الأراء  المعارضة  لهذه الزيادة  من المجلس القومي التشريعي والمجالس التشريعية الولائية  والقوى السياسية المعارضة   . 
عمت المظاهرات الشعبية السلمية  المعارضة لقرار زيادة  أسعار  المحروقات  القرى والحضر . استمرت المظاهرات الهادرة لليوم التاسع   علي التوالي والتي عمت العاصمة وبقية مدن السودان ، اضافة لمواكب التشييع المهيبة للشهداء  !

تعد  هبة  سبتمبر الأكبر في تاريخ النظام من حيث ضخامتها وحماستها  وإستدامتها ،  ورفضها لسياسات النظام البئيسة .

يمكن الأشارة إلى مظاهر جديدة بل نقلات نوعية في طبيعة المظاهرات الإحتجاجية هذه المرة ، نختزل بعضاً منها في النقاط التالية :

اولاً :

كان المواطن العادي في الشريط النيلي لا يحس إحساساٍ  قوياً  وبما هو كاف بالإبادات الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها نظام الإنقاذ في دارفور وولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان . وذلك للتعتيم الإعلامي والبعد الجغرافي لهذه المناطق المنكوبة ، وكذلك الفروقات الإثنية والقبلية .

ولكن حدثت نقلة نوعية في الوعي الجمعي لمواطني الشريط النيلي بحدوث جرائم قتل جماعي في  مدن وقرى الشريط النيلي بعد هبة الثلاثاء 24 سبتمبر !

بدأ المواطن في الشريط النيلي  ، بعد مشاهدته للقتل اليومي العشوائي   في أرضه ، يحس بإستبداد وقهر وظلم نظام الإنقاذ ، وفقدانه أي شرعية كان يتمتع بها ، وبحتمية إزاحته والإطاحة به ليعم السلام الشامل العادل  والتحول الديمقراطي الكامل . 

الاستخدام المفرط للقوة ضد العناصر المدنية في ولاية الخرطوم والشريط النيلي أدى لشحن الغضب الشعبي بصورة غير مسبوقة.


وصلت هبة سبتمبر إلى معدلات تسخينية عالية ، ولا يتوقع المراقبون  أن يبرد هذا التسخين! لكن حتى إذا برد، ما دامت الأسباب السياسية  موجودة، فلن تنتهي الهبة إلى لا شئ  ،  إلا بإزالة الأسباب التي  فجرتها ...  أي بإزالة  النظام  وخيره عاجله  .

ثانياً :

قرار زيادة  أسعار  المحروقات  كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ؛ القداحة التي أشعلت النار في كومة القش اليابسة . كان الجسم السياسي والأقتصادي والإجتماعي محتقناً من شدة الإستقطاب والتشظي ، حتى بلغ الأمر مرحلة الغليان ، فجاء قرار زيادة  أسعار  المحروقات  ليفجر الوضع في يوم الثلاثاء المبارك ، وتخرج الجماهير إلى الشوارع مطالبة ليس فقط بإلغاء قرار زيادة  أسعار  المحروقات  وإنما بالإطاحة بنظام الإنقاذ .

بعد إغتيال النظام  لمئات المتظاهرين  ،  نست الجماهير مطلب  إلغاء قرار زيادة  أسعار  المحروقات ، وركزت حصرياً على مطلب الإطاحة بنظام الإنقاذ .

هبة سبتمبر وضعت ما تبقى من بلاد السودان  أمام مفترق طرق  لا يقل نوعية عن إنفصال الجنوب في يوليو 2011 .

ثالثاً :

أعلنت القوى الثورية في السودان تأسيس ( تنسيقية التغيير)  ككيان واحد  يضم  اتحاد قوى التغيير الشبابية ، وتحالف قوى الإجماع الوطني ،  والأحزاب  السياسية المعارضة   ، والنقابات المهنية ( نقابة الاطباء، لجنة المعلمين، نقابة اساتذة جامعة الخرطوم، التحالف الديموقراطي للمحامين، نقابة اطباء الاسنان)، وتحالف منظمات المجتمع المدني  ، ومنظمات حقوق المرأة والجبهة الثورية السودانية  ، تماماً  كما حدث في أكتوبر 1964 .

طالبت  تنسيقية التغيير  في بيان تأسيسي بتنحي نظام الإنقاذ  فوراً ،  وحل كل أجهزته التنفيذية والتشريعية، وتشكيل حكومة انتقالية تضم اطياف الشعب السوداني تتولى ادارة البلاد خلال مرحلة انتقالية.

أكدت تنسيقية التغيير  إن ارادة الشعب لاغالب لها  !

رابعاً :

في  يوم  الأثنين  30 سبتمبر 2013   ،   أعلنت الجبهة الثورية السودانية ،  في نقلة نوعية ،  تفعيل مشاركة الجبهة الثورية في العمل ( السلمي )  الجماهيري ، ومراجعة الخطة العسكرية وإستجابتها لكل ما من شأنه تعزيز الانتفاضة (  السلمية  ) .

الحل العسكري يقسم المعارضة  ، في الوقت الذي يوحدها فيه الحل السياسي .

أكدت الجبهة الثورية إن  هبة سبتمبر  قد تجاوزت مطالب الاجراءات االاقتصادية ،  واصبح إسقاط النظام واجباً ملحاً لا بد منه .

وأكدت الجبهة إن  هبة سبتمبر قد غيرت  موازين القوى ، وانهت الى الابد الحلول الجزئية والثنائية ( بالقطاعي )   ، ولم يبق   سوى الحل الشامل ( بالجملة )  لكل السودان لتحقيق التحول الديمقراطي الكامل والسلام العادل والشامل ودولة المواطنة المتساوية . 

وأكدت إنها سوف تلقي السلاح جانباً وتنضم لجماهير الشعب في كفاحها  ( السلمي )  لتثبيت الديمقراطية والسلام العادل الشامل ،  عندما تنجح هبة الثلاثاء 24 سبتمبر المباركة في الإطاحة بنظام الإنقاذ .

مضى الزمن  ،  وإلى غير رجعة ، الذي كانت الجبهة الثورية تتهم السيد الإمام فيه بالوصاية عليها  والتثبيط  ،  عندما كان يدعو للإطاحة بنظام الإنقاذ عبر الوسائل السلمية بعيداً عن العنف والإستنصار بالأجنبي . إنضمت الجبهة الثورية إلى مسيرة السيد الإمام الإستراتيجية  نحو الهدف النهائي  (  إقامة  النظام الجديد ) ، وبالأخص  إلى مساره السلمي التكتيكي .

هذه نقلة نوعية غاية في الأهمية .

فى  هبة  سبتمبر المباركة ، وحدت  دماء الشهداء الثوار  من كل القبائل والإثنيات والمناطق ، والمركز النيلي والهامش  ،  والمدن والضهاري ،  في بوتقة واحدة  . ومن دماء الشهداء كانت وحدة المشاعر والهدف و المصير ،  وإندثرت  سياسات  النظام   ( فرق تسد ) أمام المشترك الوطني الجديد الذي خلقته هبة سبتمبر .

هذه نقلة نوعية جديدة وإيجابية . ولئن أتت الجبهة الثورية متاخرة فلا تثريب عليها ، وخير من أن تصر على الكفاح ( المسلح ) حصرياً  وعلى تقرير المصير ، في عالم ومجتمع دولي   يركز على الحلول السياسية السلمية  والوحدة الوطنية .

خامساً :

استخدم نظام الأنقاذ ،   ولأول مرة ،  قناصة من المعارضة الارترية ، وإستجلب قوات حرس الحدود ( الجنجويد ) من دارفور إضافه الي العناصر المجرمة الموغله في الدماء من  مليشيات النظام  المؤدلجة .

وفي نقلة نوعية جديدة  ، وفي الأيام الأولى من هبة    سبتمبر ، حرقت  هذه المليشيات  الذئبية ( في لباس مدني  وداخل عربات مدنية  -  أمجاد  ) عشرات  المباني العامة ومحطات الوقود لتلبيس التهمة للثوار بغرض تجريمهم وإدانتهم أمام الرأى العام السوداني  والدولي   ، وأغلبهم منها براء إلا من رحم ربك من المندسين الدخلاء   من الشماسة  والغوغاء  . 


سادساً :

لم تحترم الحكومة  حرية الرأي المعارض ، وإستعملت  أجهزة الأمن ومليشيات النظام المؤدلجة  العنف الذئبي والقمع الوحشي  في وجه التعبير السلمي المدني.

اغتالت أجهزة الأمن أكثر من 244 متظاهراً سلمياً ومئات الجرحى والمعوقين ، وعطلت شبكة  الأنترنيت وبعض  الصحف بغرض التعتيم الإعلامي ، وإعتقلت مئات النشطاء والناشطات ،  وقفلت المدارس .

سوف يرجع الطلبة والطالبات إلى المدارس يوم الأثتين 21 أكتوبر 2013 في العيد ال 49 لثورة أكتوبر 1964 الخضراء .

دعنا نعمل لأن يكون يوم الأثنين 21 أكتوبر 2013 ، إعادة إنتاج ليوم الأربعاء 21 أكتوبر 1964 .

سابعاً :

برغم القمع المفرط للمظاهرات بالغاز المسيل للدموع واطلاق الرصاص الحي علي المتظاهرين وعمليات الحرق والتخريب للمنشآت والممتلكات العامة التي قامت بها مليشيات النظام  (  المعارضة الإرترية  ، الجنجويد ،  الكتائب الخاصة ) استمرت المظاهرات الهادرة لليوم التاسع   علي التوالي والتي عمت العاصمة وبقية مدن السودان ، اضافة لمواكب التشييع المهيبة للشهداء  !

وكما في ثورة اكتوبر 1964م، وانتفاضة أبريل  1985م ، هب شعب السودان عن بكرة ابيه ، وملأ الشوارع في العاصمة والاقاليم، من اجل المطالب العادلة التي تتمثل في :

+ الإطاحة بنظام الإنقاذ ،

+ الغاء الزيادات في أسعار المحروقات ،

+ اطلاق سراح المعتقلين،

+ كفالة حق التظاهر السلمي ،

+ومحاسبة الذين اطلقوا الرصاص الحي علي المظاهرات .


ثامناً :

إنكسر جِدار الخوف الذى كان قد تعمق وارتفع خلال سنوات الإنقاذ الأولى  ، وإستشعر المواطن القُدرة على تغيير أمور كان يبدو له من قبل، أنه غير قادر على تغييرها. وعبّر عن ذلك بمصطلح  ( التمكين الوطني  ) ،  المدابر للتمكين الإنقاذي .

شعر المواطن بأنه يظاهر  ويعتصم  ويعارض حاملاً روحه بين يديه لاجل وطنه الذي صار أمراً وملكاً  شخصياً له .

أخيراً   تمكن المواطن من وطنه ونزعه من قبضة الأبالسة . 

تاسعاً :

نجحت الإنقاذ  شيئاً في  عدم تسييس  المواطن السوداني ، وإشغاله  عمداً  بتوفير لقمة عيشه  اليومية من مطلع الشمس إلى غروبها طيلة أيام الأسبوع  .  أصبح كل مواطن ومواطنة  في الغالب الاعم لا  يهتم بالسياسة، أى بالشأن العام، الذى أصبح حِكراً واحتكاراً للنُاشطين السياسيين وفي المجتمع المدني ، أى ما لا يتجاوز عُشر   فى المائة من المواطنين . وحضّت الأمثال والأقوال المأثورة المواطن  على الابتعاد عن السياسة ( الخواف ربى عياله ) .

في يوم الثلاثاء  24 سبتمبر  2013  ، تجاوز المواطن هذا التراث الكثيف  من العزوف عن التعامل مع الشأن العام  ، وأصبح يهتم  بالشأن العام  ! يتجسد  ذلك  الشعور الجديد في الإهتمام بالشأن العام ( السياسة )  بدلاً من التركيز حصرياً علي الشأن الخاص الشخصي ، فى السؤال الذى صار  يتوارد على كل لسان منذ ذلك الحين:

نحن ماشين وين ؟

نواصل ...
/////////////

 

آراء