m.elgizouli@gmail.com في كلمته أمام المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي طرق السكرتير السياسي، الأستاذ محمد ابراهيم نقد، على قضية الوحدة – وحدة السودان – مرة وأخرى وقدمها على ما سواها فهي الاختبار الناجز لخيالنا السياسي وقدراتنا العملية في صناعة الوطن، ليس باعتباره عهد الجدود وتراث الأولين فقط، لكن قبل كل شئ اقتصاد المعاش وجغرافية حياتنا المشتركة. مثلما تقع قضية الوحدة في مركز العقل السياسي للحزب الشيوعي ما بعد المؤتمر الخامس، وقبله، كذلك هي بؤرة للاهتمام والدعاية بين فصائل المؤتمر الوطني فهي النقطة الوحيدة في برنامج منبر السلام العادل، حزب خال الرئيس، يراها خطرا داهما وشرا مستطيرا. وقد نجح في نسج قصة يكررها ويعيدها عن المؤامرة الساكنة قلب الوحدة الوطنية اختار لها من صور التباغض الشمالي – الجنوبي أقبحها إثباتا لزعم يقول بفضل الانفصال على الوحدة. كما اختار في أحيان أخرى أن يرتقي الإحصاءات لتدعيم القول بأن "شمال السودان" تكبد خسارات اقتصادية مهولة من حمل الجنوب على ظهره حربا وسلما. والاستناد هكذا على علم ناقص عادة في اليمين إذ يضفي على مقولاته ظل أرقام يختارها من سواها أو يختلقها من عدم لترويج مقولة فاسدة. لتزيين كل ذلك يضيف إلى الرواية طرفا من الحجج الثقافية على طريقة التدهور اليميني حيث يحتج بفروقات العرق والدين والثقافة واللغة والعقلية.. إلخ لدحض احتمال الوحدة مطلق الدحض. ما ينتهي إليه هو أن أس الشرور وأصل البلاء والسرطان الساكن جسد السودان ما هو سوى هذا الجنوب الافريقي المسيحي الوثني الذي يتحدث لغات لا نعقلها، الجنوب المتمرد القاتل. لن تجد شبها لدعاية منبر السلام العادل إلا ربما دعاية حرب رواندا في التسعينات إذ جعل كل طرف يختار من تاريخ صراع طويل ممتد، منه الصناعة الوطنية ومنه الخلق الاستعماري، صورا وقصصا وظلامات يفسر بها الحوادث الآنية ويقفز من ثم لجوهر فاسد في هيئة العدو، ومن ثم لا بقاء له ولا بقاء معه. الرد التقليدي على دعوة منبر السلام العادل هو إقناع بفضل التسامح وجدوى التعايش واختيار، ايضا، لقصص وصور من ماضي الود الشمالي – الجنوبي تثبت عكس المزاعم العنصرية. ظني أن الخطوة الحاسمة في قضية الوحدة ليست التي نحتج لها من أدلة الماضي، كأنما تستسلم لقدر قابض إما فرض علينا الانفصال أو أعطانا الوحدة، بل هي الاختيار السياسي، ماذا نريد، وبماذا نلتزم وأي مستقبل نتصور ونصنع؟ قضية الوحدة رغم الشبهة العقلانية، ليست أمر حساب، ربح وخسارة، كسبنا بئر بترول وخسرنا نقطة جمارك، هذا هو عين التدهور اليميني، وإن قبلنا الاحتجاج للوحدة بهذا المنطق قبلنا الانفصال وإن لم يقع، كما أنها ليست عهد رقاب، ورثنا السودان موحدا فلنحافظ عليه موحدا، تلك فرية أخرى من جعبة اليمين، فبلادنا ميدان صراع منذ ما قبل الاستقلال، أي وحدة إذن؟ الوحدة "المستحيلة" اختيار نصمد عليه ونصنعه صناعة من لحمة حياتنا المشتركة، وهي بذلك دفع ومشروع للمستقبل لا سنة ولا تركة ولا شركة. وحدة منطقها بساطة أن للنيل رأس ورجلين ولا يصلح أحدهما سوى بالآخر. 30/03/09