الوالي عثمان كبر يسير على خُطى الدكتور علي الحاج محمد …. بقلم: سارة عيسى

 


 

سارة عيسى
11 May, 2010

 

     وصف محقق العزة والكرامة ورمز السيادة الوطنية سوق المواسير بأنه سوق الرحمة ، وقد دعا الجماهير المحتشدة حوله للذهاب إلى (wall street ) دارفور ، وتحقيق طموحات الغنى وزيادة الثروات ، بل هذا السوق تم إعتباره كجزء من إنجازات الإنقاذ ، وكانت فيه رسالة ضمنية للمحقق الدولي أوكامبو ، أن دارفور طلقت الفقر بلا رجعة ، فبدلاً من الإختلاف حول عدد الضحايا فهل هم عشرة آلاف ... أم أربعمائة ألف ؟؟ علينا الآن أن نتفق على الملايين التي تدور في هذا السوق ، فلا تلحظ في سماء مدينة الفاشر دخان المصانع  وهو يتصاعد ، او تقاطر المركبات وهي  تحمل المواد الخام حتى نصدق أن هناك بالفعل نهضة صناعية جعلت هذا السوق ينتعش ، فكل ما تحتاجه لدخول سوق المواسير هو " مركوب " فاشري وعمامة وجبة بيضاء ، وحول الخصر يلتف شال محلى في حواشيه بالورود ،  هذه هي الصورة النموذجية لمنتسبي حزب المؤتمر الوطني ، ولا تنسى رسم علامة الصلاء في اعلى الجبهة ، فالشعب السوداني يسهل خداعه بالتدين ،  هؤلاء المضاربين كانوا يحرزون إلى بيت الوالي كما تحرز الحية لجحرها ، فهو كان راضياً عنهم ، لذلك وصفهم بأبناء الحركة الإسلامية ،  والمكاسب كانت في بداية الأمر مرتفعة  ، بل أنها تفوق ما تقدمه كل مؤشرات المال في العالم  ، كما يقول عادل إمام : الباكو بعشرة بواكي ... والحسنة بعشرة أمثالها " ، فهذا السوق قام على المكر والخديعة وسرقة أموال الناس ، وبفضل هذا السوق أكتسح شخصان المقاعد النيابية ، وهذا بفضل الشعار الإنتخابي :

 

الشجرة تفوز حقك محفوظ ...

 

تصوت للديك ... حقك " عييييك "

 

    لكن ما حدث أن الذين صوتوا للشجرة ، والذين صوتوا للديك كان حظهم من الغنيمة الفاقة والفقر ، فالشجرة لا تظل إلا من كانوا تحتها بالفعل ، فالوالي عثمان كبر عقّد القضية الآن ، فهو يزعم أن إسرائيل قد أنشأت هذا السوق بمبلغ 35 مليون جنيه ، ومعها شركاء من أبناء دارفور قاموا  بالمضاربة حتى وصل مبلغ التداول 150 مليون جنيه ، أي أن قضية سوق المواسير دخلت بوابة الصراع العربي الإسرائيلي ، ولا أعلم هل رفع الوالي كبر ملف هذه القضية للأنتربول أم لا ؟؟ فهذا أمر في غاية الخطورة ، فكيف تكتم الوالي كبر على هذا التورط الإسرائيلي في القضية  وهو كان يعلم حتى قيمة المبلغ الذي دخلت به إسرائيل هذا السوق ؟؟، والآن كيف نسترد هذه المبالغ من إسرائيل والتي من الممكن أن تكون قد صرفتها على بناء المستوطنات ، فعلى دولة إسرائيل أن تُسلم قتلة المبحوح لشرطة دولة الآمارات ، كما عليها أن تضع هذا المبلغ المنهوب في ظرف بريدي وتسلمه للوالي عثمان كبر ، وقد  أعطانا الوالي أحد الخيارات العملية وهو " المال تلتو ولا كتلتو " ، وهذا الشعار معروف في السودان ، وهو مثل للتعويض البائس ، وأفضل منه : اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف علىّ بما هو خير  " ، وهذا يعني سقوط المحاسبة والمسآلة ، ولو أحتاج الأمر يُمكن التضحية بالوالي عثمان كبر نفسه ، تماماً كما فعلوا مع الدكتور علي الحاج محمد ، فالفساد في دارفور يتحمله أهل دارفور ، فلا دخل للحكومة المركزية بذلك ،لذلك  توقف العمل في طريق الإنقاذ الغربي بحجة أن الدكتور علي الحاج محمد تصرّف في ميزانية المشروع ،وفي أيام توليه وزارة الحكم الإتحادي أغمضوا أعينهم ولم يطالبوه برد هذا المال ، وبعد خروجه من الحكومة ومعارضته للنظام سارعوا إلى إتهامه ، تماماً كما يفعلون مع دكتور خليل إبراهيم الآن ، يفاوضونه في الدوحة ويعانقونه ويطلقون سراح أفراد حركته من السجون ، لكنه عندما يزور القاهرة يبثون شكواهم لشرطة الأنتربول ، وهم الذين وقفوا ضد العدالة الدولية ، لكنني أرى أن القضاء في عهدهم يتعامل بردات الفعل ، فلماذا لم يطالبوا بإعتقال الدكتور خليل إبراهيم عندما كان في الدوحة ؟؟ وأنا كنت متوقعة أن تهرع مصر وتسحب ملف المفاوضات من قطر ، وهذا ما حدث ، فقد أنقلب المصريون على الإنقاذ وعاتبوها على فصل الجنوب ، فالسياسة لا تقوم على الثوابت ، فهي فن الممكن ، وتتغير حسب الظروف والمناخ .

 

     والان السيناريو المرتقب – كما أسلفنا - هو تنحية الوالي عثمان كبر إن دعت الضرورة وتحميله مسؤولية إنهيار سوق المواسير ، فهذه نظرية ينتهجها حزب المؤتمر الوطني ضد كل أبناء دارفور ،سواء أكانوا في سدة الحكم أو المعارضة ، وهي نظرية تقوم على الضرب بالمتناقضات ،  الدارفوري العربي ضد  الدارفوري الأفريقي ، والزغاوي ضد الفوراوي ، والزغاوي ضد الزغاوي ، وقد قالها المستشار عبد الله مسار عندما شرعت الإنقاذ في المفاوضات مع حركة العدل والمساواة : أن القصر لا يحتمل إثنين من الزغاوة !!! مع أن القصر الجمهوري أحتمل العشرات من قبائل الشمال النيلي ، وحتى الوالي عثمان كبر  عندما أعلن فوزه  سارع إلى القول أنه لم تعد هناك ضرورة لوجود أركو مناوي ، فهو أيضاً لم يفطن لضرورة وجود كل أبناء دارفور في السلطة على الرغم من الإختلاف  ، فالإنقاذ تُذكي هذا النوع من الصراعات بين أبناء دارفور ، ولا يفرق عن ذلك كونهم داخل السلطة أو خارجها .

 

سارة عيسي

(sara_issa_1@yahoo.com)

 

آراء