الوحدة الغائبة والدولة المرتقبة …. بقلم: د. تيسير محي الدين عثمان

 


 

 

دعونا نكون واقعيين في تفكيرنا وجهودنا وبرامجنا وعملنا وأمنياتنا وإستعدادنا لما يخص عملية الإستفتاء لتقرير مصير الجنوبيون وأرض الجنوب فلماذا التباكي والضجيج علي وحدة تفتقد ملامح الصيرورة والديمومة والإستمرارية ولماذا الحسرة علي توحد تعمل له أنفس موغلة في الخلاف و الكراهية والتباغض والتنافر والكيد وعدم الرضى ولماذا البكاء علي وحدة لم يعرف مصيرها ولأنها مربوطة بقرار من إقرار يخطه إناس متخمين ومحاطين بالتجاذب والتشاكس وإنفعالات سياسيون هم بدرجة ما مؤثرين ومفوضين في الشأن العام ومنتخبين بإنتخابات إتفق عليها البعض وأختلف حولها آخرين و بالتالي حتماً هم مؤثرين وصناع قرار ولاعبين في العملية الإستفتائية وتوجيه الخيارات لدي عامة المواطنين في الجنوب.

نيفاشا الإتفاقية حينما تمدد مداها الزمني وطال مشوارها التفاوضي والتداولي واستهلك فيها وقتاً كبيراً وعندما كان الوسطاء يعملون الجهد والمداخلات تتجاذب للوصول الي نهايات تفاوضية تتولد عنها إتفاقية ترضي الأطراف المتحاورة ويوقعون عليها ويغيرون بعضاً من الواقع السائد ويتوصلون لسلام يرضون عنه وحتي وإن لم يصبح دائماً.

ولم يكن موضوع وبند تقرير المصير وحق تقرير المصير هو شبح يخيف الطرفان وبرغم الخوض في التفاصيل وإدراج الخيار فيما سمته الإتفاقية الوحدة الجاذبة والعمل علي تحقيقها ولكن لم يسقط هذا الأمر خيار الإنفصال ولكن فقط لم تقل الإتفاقية وتوصي وتوجه بإيقاف السعي للإنفصال الجاذب أو الكاذب أو المبغوض أو الغير مرغوب فيه أو المفروض ويبدو أن الطرفان لم يتوقفان و يقفان كثيراً في هذا الأمر وكان التركيز الكبير في بروتكولات أخري وهاجس قسمة السلطة والثروة هو المسيطر والشاغل بالإضافة للبرتكولات والترتيبات الأمنية والخاصة بالجيوش وسحبها وترتيبها وتنظيمها وبرتكولات مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي وغيرها وكانت هذه هي البروتكولات التي شكلت الهم والحضور الأكبر أكثر من تقرير المصير وعلماً أن كل ما تم وبمختلف التفاصيل رتب الأمور لإنفصال قادم وكأنما الناس لا يشعرون أو لا يريدوا أن يشعروا بالمآلات ورغم أن الناصحين والمشفقين والشامتين كانوا مفتحين ومتفكرين أو الواضحين في دعم خيار محدد من أمثال المهندس الطيب مصطفي كانوا منبهين وصارخين وداعين لخيار هو في الواقع مبين ولكن بعضهم لم يقبل ويحترم خيار هذا الرجل ولأن عيبه يبدو في أنه هو خال للرئيس!!! وخال الرئيس في ظنهم وأعتقادهم يجب أن لا يدلي برأيه أو يعبر كما تشتهي نفسه وتحرم عليه حرية الرأي أو إمتلاك صحيفة أو الحديث في الفضائيات والندوات!!!.

الأن تبدوا الملامح مؤسفة لنا نحن الموحدين ودعاة الوحدة القدماء حيث أن شبح الإنفصال قادم وبرغم أن الحديث عن وفي الإنفصال أصبح مشكلة وجريمة تغضب ولا ترضي موحداتية الزمن الضائع والحالمين بالوحدة والمتلمسين لسرابها وصناع نيفاشا أنفسهم والذين عبدوا الطريق للإنفصال بأيديهم وتفكيرهم وهيئوا له المسار والحدوث وكأنما الأمر تصريح عابر أو كتابة علي الورق ويجب عليهم أن لا ينسوا أنها إتفاقية موقعة ومشهود عليها من قبل العالمين والحاضرين في الأرض الكينية.

تعلمنا نحن مواليد الجنوب ومتحدثي لهجاتها كما يتحدثها أهلها وبنفس الطلاقة أن نكون واقعيين في التعامل مع أمر الجنوب وأهله فأصبح من نعرفه من أهل الجنوب يساجلنا ويحدثنا ويودعنا حزناً بلغة الفراق وأصبحنا نتلمس ملامح إنفصال نتوجس من شينته ولكن قدر هذا المصير خطته ومهرته أقلام أطراف هي تحكم الأن وإن كان الإنفصال جريمة فليسأل عنه الطرفان وإن كان خيراً فليثابون عليه وليعلموا أنهم حينما أتفقوا عليه كانوا في كامل وعيهم وإدراكهم وتمنياتهم وعرفوا أن كل الخيارات واردة ولذا الهدوء مطلوب في التعامل مع واقع الإستفتاء ونتائجه والتي نتمناها كأمنية أهله ؟؟؟؟ وأهله هم من يفتون حينما يستفتون!!

يناير 2011م هو بالتأكيد تاريخ فاصل في واقع السودان الجديد وطبعاً ليس سودان جديد الحركة الشعبية ولكنه سودان الإستفتاء وتقرير مصير جنوبه وبعدها لربما تظهر دولة جديدة الشكل والمضمون و المعايير أو دولتين منشطرة من السودان القديم أي سودان 2010م وما قبله وبالتالي يجب تهيئة الشعب والجمهور بالمآلات دون تخويف أو ترهيب أوتشاؤم بل يجب علينا أن نخرج موضوع الإستفتاء بكل شفافية وأمانة وممارسة صادقة ونزيهة ومعبرة وبعد ذلك علينا أن نتعامل مع الواقع الجديد وياليتكم أستفتيتم أيضاً أهل الشمال لا لشئ؟؟؟ ولكن للعلم فقط وتوثيق الواقع وهل سيصدق المهندس الطيب مصطفي رحمه الله فيما يذهب اليه ويقول عن رأي أهل الشمال وياليت معهد بحوث متخصص أو دراسة جامعية بحثية تقوم بهذا الأمر وهو إستفتاء أهل الشمال وحتي نتعرف علي إتجاهات الرأي العام في البلد ونتحدث عن واقع مواطنيين هم أغلبية وبالطبع هم أهل الشمال بشماليته وغربه وشرقه ووسطه ؟؟؟.

كل المعطيات الواقعية في شمال وجنوب البلاد تؤشر لإنفصال قادم وتؤكد قيام دولة جديدة بخيرها وشرها وتبدو في الملامح مساعي وحدوية ملتهبة في الخطاب السياسي الرسمي والإعلامي وتبدو مساعي مضنية وخاصة من أهل الحكم المركزي وصناع وموقعي نيفاشا ولكن السؤال هل تتطابق عزيمة الطرفين وتتوحد النوايا وهل كلهم يتفقون حول أمر الوحدة أم أننا نلعب في الزمن الضائع ونرفع الآذان في مالطا ؟؟؟؟

عموماً علي كل الأطراف أن تمضي للنهاية كعهدها حين البداية وعليها أن تدرك أن بقاء الإنسان في الدنيا قليل وكذلك الحكم الي زوال ولكن في مسار الحياة ومنذ بدء الخليقة تتشكل الأقوام وتقوم الدول ولذا ليس مستغرباً قيام دول وزوال أخري ولكن فوق كل ستظل الحاكمية للخالق وليس بني البشر وإذا شهدنا دولة في الجنوب فلا غرابة بمنطق التاريخ ولا إستغراب بمنطق ما نسميها ديمقراطية بشرية وعلينا أن نجهز أنفسنا لواقع جديد تبقت عليه بضعة شهور ....

tayseer marawe [tmarawe@gmail.com]

 

آراء