الورقة الإطارية للحركة الشعبية: حت ود كرجة باع حمارو واتبرعبو

 


 

 

من فكاهات السياسة في عطبرة المقارنة التي انعقدت بين حمار ود كرجة وحمار العوض. فيروى أنه لما زار الزعيم الأزهري، رئيس الحزب الوطني الاتحادي وقد تقلد رئاسة وزارة الحكم الذاتي في ١٩٥٤، عطبرة ناشد أهلها ليتبرعوا لمال الدفاع الوطني أو نحوه الذي سيُنفق في دفع استحقاقات الموظفين البريطانيين الراحلين عنا. فتبرع ود كرجة من أهلنا ناس السيالة بحماره يباع لصالح الحملة. فقال فيه شاعر الوطني الاتحادي بالمدينة وهو ساعاتي غاب عني اسمه:
شفت نداء الرئيس لما سرى في شعبو
حت ود كرجه باع حمارو واتبرعبو
وجاءت ثورة أكتوبر ١٩٦٤. وقتلت الشرطة حمار العوض، وهو من السيالة أيضاً، في مظاهرة من مظاهراتها. واشتغل العوض بعد نجاح الثورة عاملاً بدار الحزب الشيوعي بالمدينة. وكان يزكي مصرع حماره للناس قائلاً:
-حمارى المات في أكتوبر واللا حمار ود كرجة الاتبرعو لمال الدفاع الوطني.
شكوت أمس من لغلغة الورقة الإطارية للحركة الشعبية-الحلو حول موضوع الهوية واللغات. فوجدتها "صرفت عربي" زائداً عن الحاجة. فظلت تبدي وتعيد حولهما في حين أغنت عبارة أو أخرى منها في ورقة تفاوضية مثلها لا تحتمل سوى المباديء العامة لتترك التفاصيل للشيطان. وصدف أنني كنت طرفاً في كتابة ورقة تفاوضية عن الموضوعين خلال مؤتمر الحوار الوطني من أجل السلام الذي عقدته حكومة انقلاب الإنقاذ في شتاء ١٩٨٩. بل كنت من كتب مسودتها لتتراضى عندها لجنة الهوية والثقافة في المؤتمر.

ولو تركنا الأوضاع السياسية والثقافية التي كتبنا فيها توصياتنا التفاوضية قبل نحو اثنين وثلاثين عاماً من ورقة الحركة الإطارية فستجد أن ورقتنا، حمار العوض قتيل أكتوبر، لأفضل بما لا يقاس من الورقة الإطارية، حمار ود كرجة. فأوجزت ورقتنا مع الإحاطة بما هو الأصل في مثل هذا الجنس الكتابي في حين أسرفت الإطارية إسرافاً.
وأنشر أدناه نص ما أجازه مؤتمر الحوار الوطني لأجل السلام عن الهوية والثقافة على ضوء توصية لجنتنا:
جاء في مقدمة توصيات الثقافة والتربية أن التنوع الثقافي مصدر قوة للأمة. ويستوجب هذا علي الدولة أن تهش له وتواليه بكفاءة ليصبح قاعدة فكرية وشعورية يجتمع عليها السودانيون من كل حدب وصوب. فالإعلام علي كل مستوياته المحلية والولائية والفدرالية مسؤول أن يستصحب هذا التنوع ويرقيه. وعلي أجهزة الإعلام الفدرالي خاصة أن تقتنع بأن الاعلام خدمة تتعارف بوسائطها شعوبنا وقبائلنا علي معاني الحرية والإلفة. ولم يقبل منا المؤتمر نصاً من لجنتنا قلنا فيه إن الإعلام خدمة وليس دعوة.
ثم انتقلنا الي توصية السياسة التعليمية ومسألة اللغات. فقلنا إن إختلاف الألسن رحمة وعليه تمتنع الدولة عن إضفاء أي امتيازات علي لغة بعينها أو ثقافة ما. وهذا ما جاء في بقية المشروع بالنص:
1) أن يكون التخطيط التربوي فدرالياً وأن يراعي في أدائه وكادره ومؤسساته خاصية التنوع الثقافي في السودان.
2) أن يعتبر التخطيط التربوي في هذا السياق الخبرة التاريخية للغة العربية لغة أم لجماعة سودانية كبيرة، ولغة تفاهم لجماعات سودانية عديدة، ولغة رسمية منذ استقلال الوطن، وأن يقررها في التعليم بالقدر الذي يخدم فيه هذه الأدوار بكفاءة.
3) أن يعتبر التخطيط التربوي في هذا السياق الخبرة التاريخية للغة الإنجليزية لغة ذات وضع خاص في الأقاليم الجنوبية، ولغة اتصال بلادنا بالعالم الخارجي، وأن يوظفها في التعليم بالقدر الذي يخدم هذه الأدوار.
4) أن يعتبر التخطيط التربوي في هذا السياق اللغات المحلية وأن يأخذ بالحكمة التربوية المقررة في لزوم أن يبدأ التعليم بهذه اللغات. ولضعف شأن هذه اللغات بالقياس إلى اللغة العربية والإنجليزية وجب علي التخطيط التربوي ما يلي:
1. ألا يعتذر بضيق الإمكانات ليحجب لغة محلية عن التعليم بشكل نهائي.
2. أن يتبني مبادرات الجماعات الثقافية والقبلية في تطوير لغاتها وتبنيها في مدارسها المحلية.
5) أن يعتبر التخطيط التربوي حقائق التنوع اللغوي والثقافي والبئيي خبرات، أو إمكانات تربوية، مؤكدة يبدأ بها التعليم في المدرسة ولا يتعالى عليها. وبهذا تضاف خبرة التعليم في المدرسة إلى الخبرات التي جاء بها التلميذ إلى المدرسة والتي ما تزال تؤثر عليه في محيط بيئته. ولذا يجب علي التخطيط التربوي:
1. أن يتصل بلغة الأم للتلميذ علي نحو ما ذكرنا أعلاه.
2. أن يتصف المنهاج المدرسي بالمرونة ليتسع للتنوع الإقليمي والثقافي والبيئي. فبوسعنا تنويع الكتب المقررة عن طريق تفويض وكالات التعليم في الولايات والمجالس بتضمين تاريخ وثقافة التلميذ المباشرة في المقرر بطريقة خلاقة.
3. وعلي التخطيط التربوي اختراع النظم لمقارنة وتسوية اختلاف المناهج، التي تنجم عن الاعتبارات السابقة، لتخلص لنا شهادة قومية عامة للتعليم تأخذ بالتنوع ولا تحجب الوطن.

أها ود كرجة واللا العوض؟

IbrahimA@missouri.edu

 

آراء