الوضع الامني الان في فتيل

 


 

 

اذا اشتعلت الحرب في الخرطوم فانها لن تبقي ولن تذر. وستكون طويلة الأمد.. ولن تكون حربا خاطفة اوبين طرفين. كما يروج لذلك البعض الان. ولكنها ستكون حربا بين عدة أطراف .تتم فيها تصفية الحسابات الخاصة والعامة .وقد امتلك عدد كبير من المواطنين الأسلحة الصغيرة بأنواعها المختلفة .حتي قنابل القرانيت يخبؤنها في أماكن مختلفة وهي سلاح يسهل استخدامه للصغير والكبير.والحرب علي الجبهة الشرقية بين قومية التقرآي والحكومة الاثيوبية لم تترك سلاحا صغيرا او كبيرا الا ادخلته الي السودان .حتي صارت بعض المناطق ترسانة للاسلحة .والبعض يخبؤها وسط شحنات الجلود. وأخرون يدسونها وسط الحبوب في المطامير. ولولا ان الجيش السوداني كان قد اجتاح الفشقة لعمد مواطنيها والذين الي جوارهم للقيام بهذه المهمة وحدهم كما علمت بما لديهم من سلاح لا يحوزونه فقط دفاعا عن انفسهم ولكن ايضا من أجل تحرير أرضهم وبهذا كان قد تحدث أميرهم.
السلاح في غرب السودان متوفر بكثافة .والسلاح قد تسرب الي شرق السودان ودخل جبال البحر الأحمر. اما عن القبائل وسط السودان فانها تكاد ان تكون قوات مسلحة. خاصة المجموعات القبلية في وسط الخرطوم وحولها. ويتحدثون عن درع الشمال والقوات المسرحة وقدامي المحاربين .ولفيف من ابناء وشباب شمال السودان نالوا تدريبات ودورات متطورة .اما عن قوات درع الصحراء من قبائل شمال كردفان فانها جهات رسمية تتبع للقوات المسلحة.وقوات حركة تمازج بأنواعها المختلفة في جنوب كردفان قوات ضاربة من وجود اثني وقبلي شرس ومتمرس علي الوان وفنون الحرب والقتال وللعميد ود ابراهيم وجود مقدر بينهم .وللدفاع الشعبي جذور وجذوع وفروع هناك.اما عن تجارة الذهب والمعادن النفيسة وارتباطها بالسلاح فذلك امر يطول الحديث عنه.اماعن قوات مجلس الصحوة الثوري في الداخل والخارج وتطورها وتناميها .فان للحديث فيها شؤون وشجون.والجماعات الدينية المسلحة والخلايا النائمة تتحرك بين ليبيا والسودان والعراق اليمن وسوريا والصومال ولاتحدها حدود جغرافية .وفي غرب أفريقيا وفي داخل السودان بوكو حرام.
وحتي الأن لم تجر عملية الدمج والتسريح لقوات الحركات الموقعة علي سلام جوبا . ولا أظن ان ذلك سيتم قريبا. ذلك لان الامم المتحدة لم تف بالتزاماتها و حتي بعد توفرها لدي الجهات المنوط بها تنفيذ البند السادس .والتي تحجم عن بذل المال لتنفيذ عمليات الدمج والتسريح .مع وجود عدم الرغبة لدي الكثير من قادة الحركات الموقعة علي سلام جوبا للتخلي عن قواتهم والتحول الي حركات سياسية .وذلك لعدم ثقتهم في العملية السياسية برمتها .ورغبة مواطنيهم او القوي الاجتماعية التي تقف من خلفهم للتعامل معهم كقادة سياسيين وزعماء وحكام.لذلك فانهم يستمدون وجودهم وقوتهم من قواتهم المسلحة.
اما عن الحديث عن الدعم السريع ودمجه في القوات المسلحة او انه يتبع للجيش. فهذا حديث للاستهلاك المحلي .ولايوجد كحقيقة علي ارض الواقع.فالدعم السريع الان قوة قائمة بذاتها .لها عقيدتها القتالية الخاصة بها.ولها علاقات داخلية وخارجية مؤثرة. ودعم عسكري ولوجستي خاص بها..فلا ينبغي ذر الرماد في العيون. فالدعم السريع ليس هو الجيش والجيش ليس هو الدعم السريع والذي اصبح مؤسسة قائمة بذاتها .وله وجود معتبر علي أرض الواقع ولايمكن تجاوزه في أي معادلة او صفقات سياسية داخلية او خارجية..
اذن فنحن الأن أمام معضلة حقيقية .وواقع معقد وشائك .والامر ليس بالسهولة التي يتصورها البعض ..واي نوع من التهور والتعامل غير الحذر لربما يشعل فتيل الحرب ويطلق النار في خزان الوقود .او يضرمها في الهشيم.لذلك يستلزم اتخاذ اقصي درجات ضبط النفس والحيطة والحذر.وعدم التحرش والتحرش المضاد.خاصة مع وجود امتدات لحركة عبد الواحد محمد نور في قلب الخرطوم والعواصم الاخري وهي حتي الان تمارس نشاطها عبر وسائل العمل والتعبير السياسي كالخروج في المظاهرات مثلا.وقوات عبد العزيز الحلو مثل ذلك.
الانفجار المحتمل لاقدر الله لن تنفع فيه الاسلحة الثقيلة مثل المدفعية والمدرعات والطيران لانه سيكون في قلب المدن.فالازقة والطرق الضيقة ستكون مصيدة للمدرعات.ولن تجدي المدفعية في حرب المدن لأن قصفها والطيران سيقتل المواطنين العذل الابرياء والذين قد تتخذهم بعض الجهات دروعا بشرية.والامر برمته الأن في غاية الحساسية. وبالغ الدقة .ومنتهي الخطورة .وان النار من مستصغر الشرر ومن مصلحة الجميع التوصل الي حل سلمي يجنب البلاد ويلات الحرب والصراع والاقتتال .وايقاف خطاب الكراهية والشحن والشحن المضاد.وهتاف كل البلد دارفور لربما يصبح حقيقة وتنتشر معسكرات النزوح واللجوء وتاتي منظمات الغوث الانساني وتتحول مباني الخرطوم الشاهقة الي اطلال ينعق فيها البوم .وليس ذلك بمستبعد البتة في ظل الاوضاع الأمنية الهشة التي نعيشها الان وغياب وضياع هيبة الدولة...الا هل بلغت اللهم فأشهد.
ومالها الخرطوم الان وفي شهر رمضان صامتة صمت القبور هل اصابها الوهن ام انها تنتظر امرا جلل ..تنتشر بائعات الشاي والشائعات في كل مكان والجميع يجلسون علي كراسي البلاستيك ويحتسون الشاي والقهوة وكاننا في مأتم كبير. حتي النيل لم يعد ذلك النيل لقد احاطت به الكأبه من كل مكان ولم تعد طيوره تغرد. ماذا قد اصابها الخرطوم وقد اصبحت مثل العجوز الشمطاء تضع علي وجهها المساحيق ..حتي القباب بدت حزينة وقد كساها الهم والشوارع والمنتديات والبيوت افرغت من الجمال والروعة والحنان. لم يعد في الخرطوم شيء يسر فالناس وجوههم عابسة واحوالهم بائسة ومصيرهم مجهول
الليالي الحمراء والموائد الخضراء يذهب اليها اغنياؤهم ويؤمها سفهاؤهم حينما يعبرون الحدود حتي اذا ما بلغوا ديارهم وضعوا علي وجوههم اقنعة الوقار والايمان والله يعلم مافي قلوبهم حين تبديها ابصارهم .وما بين صالات العرس الفخيم والاموال تهدر وقد بلغوا مقاما غير مقامهم فتنكرت للناس اخلاقهم وعنهم حدث الامام علي
واطوف في شوارع الخرطوم واركب المواصلات ولم تعد الوجوه هي ذات الوجوه فقد تعدت مرحلة الصبر الي حالة الوجوم والاستياء المطلق والغضب المكتوم .لقد فقدوا كل شيء ولم تعد حياتهم سوي مزيد من الارق والمرارة والالم السكوت المريع حين لم يعد يجدي الكلام.
الخرطوم الان تنوم يلفها الحذر فهي تنتظر المجهول وقد انقطع الامل والرجاء الامن الله وقد يتدخل القدر بشكل مباشر وتتنفس الخرطوم الصعداء وسماء الخرطوم ملبدة الان بالغيوم وقد تهطل امطارها ويفيض نيلها وتكتسي ارضها بالخضرة والجمال وتشدو بلالبلها ويغرد كنارها..وليس من حل سوي القدر هو وحده وليس سواه من يقرر مصيرنا وقد بلغت ارواحنا الحلقوم.
وقد حدث في تاريخ السودان الحديث انقلاب عسكري في التاسع عشر من يوليو من العام1971 حين سيطر الشق الشيوعي والقومي العربي علي السلطة في السودان لمدة ثلاثة ايام اودعوا خلالها الرئيس جعفر محمد النميري الحبس ووضعوا عدد من ضباط القوات المسلحة رهن الاحتجاز في قصر الضيافة فيما عرف من بعد بمجزرة قصر الضيافة وسحبوا السلاح من أيدي الضباط وهذه اكبر أهانة للضابط ان تسحب منه السلاح وذلك اكبر من أن تجرده من رتبته العسكرية وقد وردت برقيات من حاميات عسكرية تؤيد الانقلاب ولكن سرعان ما أنقلب علي الانقلابيين مجموعة من الجنود وجنود الصف وأعتلوا ظهور الدبابات من غير أوامر من الضباط واستطاعوا تحرير الرئيس النميري وأسقطوا الانقلاب الشيوعي القومي العربي مما يعني ان طبيعة القوات المسلحة تتحرك بشكل اتوماتيكي او قل طبيعي وتلقائي ضد الاجسام والتحركات الغريبة مثلما تفعل المناعة الذاتية في الجسد .
ايضا تعرضت الخرطوم الي دخول قوات مسلحة تحركت من معسكرات الجبهة الوطنية في ليبيا في يوليو من العام ١٩٧٩ واستطاعت دخول السودان عبر الصحراء الليبية من دون ان تكتشفها الأجهزة الأمنية حتي بلغوا الخرطوم واستولوا عليها استيلاءا كاملا لمدي ثلاثة أيام وكانت تلك القوة تتضمن عسكريين نظاميين لكن غالبهم من الملكية حسب التعبير العسكري او قل المدنيين الذي نالوا تدريبات عالية علي استخدام الاسلحة وحرب المدن وكانت تلك القوة تتكون من الانصار والاخوان المسلمين والاتحاديين وعلي راسها ضابط من الجيش هو محمد نور سعد حتي يجد الدعم والمساندة من الجيش او علي الأقل تحييد الجيش.ولكن ايضا لم ينجح ذلك التحرك الذي انفق الذين أعدوه وقتا طويلا وجهدا عظيما واموالا طائلة وتجهيزات كبيرة داخلية وخارجية مع دعم ضخم من الداخل للايواء والاخفاء والدعم اللوجستي.ولكن ايضا باءت تلك المحاولة الكبيرة بالفشل وتم القضاء علي قادة والمشاركين في ذلك التحرك والذي افلح الاعلام المايوي ان يخلده باسم حركة المرتزقة باعتبار ان المشاركين فيه ليسوا سودانيين .وكانت ايضا ماكنيزم الجيش السوداني حاضرة لتقضي علي الهجوم العسكري بالرغم من فشل المنظومة الامنية والاستخباراتية في كشف المجموعات التي تسللت الي داخل الخرطوم او التوصل الي معلومات عن الاجتماعات داخل البلاد وتحرك القوات من ليبيا ودخولها الخرطوم والأستيلاء علي السلطة.
وقد تسللت اعداد من تلك القوات الي احياء العاصمة واتخذوا لهم مهنا هامشية كنوع من التمويه والخداع. وصار بعضهم يتحرك في الخرطوم كباعة متجولين. ويسكن بعضهم وسط الخرطوم وآخرون أطرافها في انتظار حمولة الأسلحة التي سوف تأتي عبر شاحنات عن طريق الصحراء. وكان السيد مبارك عبد الله الفاضل هو المسؤول عن تلك الشاحنات. و الأجهزة الأمنية في عهد الرئيس النميرى تغط في ثبات عميق. والمخطط يمضي علي قدم وساق. وحانت ساعة الصفر وسيطرت تلك القوات علي الخرطوم كما ذكرنا .ولم يستطيعوا اسقاط نظام الرئيس النميري. الذي فوجئ بذلك التحرك ولكنه سرعان ما استطاع أن يستعيد توازنه من بعد أن افاق من الصدمة و استطاع أن يرجح الكفة لصالحه. .
محاولة عسكرية أخري جرت للسيطرة علي العاصمة فيما عرف بغزوة امدرمان أو عملية الزراع الطويل. وكانت عملية نوعية من حيث التخطيط الدقيق المحكم لها .والقدرة علي التمويه والخداع وعبور تلك المسافات الطويلة في الصحراء حتي دخول امدرمان والوصول الي كبري الفتيحاب .ولكن تحرك مدرعتين استطاع أن يفشل العملية حين تمكنت المدرعتان أن تتصيد من بعيد العربات المحملة بالجنود والاسلحة والمعدات القتالية. مما أحدث فيهم خسائر فادحة وافشل العملية برمتها. مع تخاذل العامل الداخلي. ولم يتحرك الطيران الابشكل محدود لعرقلة سير تلك القوات. وكانت قد توفرت و تأكدت معلومات بتحركاتها. ولكن يبدو أن العملية كانت معقدة وبابعاد مختلفة لم يكشف الستار عنها حتي الآن. وبعد ذلك قامت القوات المسلحة بإقامة دفاعات خارج الخرطوم من جهة امدرمان تحسبا لأي طارئ اخر..
كذلك وفي هذا الإطار فإنني أعتقد أن من مبررات فض الاعتصام الذي كان حول القيادة العامة ورود معلومات أو تردد احاديث بأن هنالك عناصر من حركات مسلحة أصبح لها وجود ومنصات في ميدان الاعتصام .وقد يكون هنالك تسلل لعناصر مسلحة قد تفكر في في السيطرة علي القيادة العامة وانضمام مجموعات مسلحة لها من الداخل بالتواطؤ مع قوي داخلية وخارجية مستغلين هشاشة الوضع السياسي والامني في البلاد من بعد سقوط النظام..
ان العملية الوحيدة التي نجحت فيما ذكرنا من محاولات السيطرة علي العاصمة هوسقوط الخرطوم في يد الأنصار بقيادة الامام محمد احمد المهدي. ولكن كل المحاولات الأخري باءت بالفشل ولم يكتب لها النجاح والتوفيق وتسببت في ازهاق انفس وارواح كثيرة . ذلك لأن تلك العمليات تفتقد الي عنصر مهم واساسي هو أن القوات الغازية أو المقتحمة لايتوفر لها عامل الرضا وسط الجنود والضباط ولم يتقبلها او يعترف بها المجتمع. ثم ان القوات المسلحة السودانية موزعة وليست متركزة في مكان واحد وأنه يمكن أن تتحرك قوات ضخمة من الولايات مدججة بكل انواع الأسلحة لانتزاع الخرطوم من قبضة الغزاة كما حدث ابان عملية الزراع الطويلة وتحرك قوات المدفعية عطبرة او القيادة الشمالية وما الي ذلك. وان الاستخبارات العسكرية السودانية لها العديد من العلاقات والتعاون مع أجهزة مخابرات دولية وإقليمية.
الانقلاب العسكري لايستفز القوات المسلحة ذلك لأنه منها وفيها اذا وجد نسبة عالية من الرضا وتهيأت له الظروف المناسبة .ولكن يستفزها جدا أن تأتي قوات من خارجها. باعتبار أن ذلك يمس اصل العقيدة القتالية للجندي السوداني.
دائما مايكون المخططون لاي تحرك عسكري علي قناعة تامة بانهم قادرون علي السيطرة ويبحثون عن الدعم والتأييد الخارجي ولكن تاتي الرياح غالبا بما لا تشتهي السفن وتحل الندامة والاسف ولعل استغلال حالة الفوضي والسيولة الامنية خلال الفترة الانتقالية يغري البعض للانقضاض علي السلطة بدعم وتأييد خارجي ولكنهم يغفلون عوامل موضوعية علي الارض ويكون تدميرهم في تدبيرهم وهذا ما لانريده لهم فنحن حريصون علي حقن الدماء لذلك لابد من لجم النفوس والقضاء علي تأجج شهوة السلطة حتي لايحدث ما لا تحمد عقباه.

 

آراء