الوطني والحركة.. مَن يقول (الرووب)..؟!
29 September, 2009
diaabilal@hotmail.com
النتائج التي سَيخرج بها مؤتمر جوبا للقوى السِّياسيَّة - الذي دَعَت له الحركة الشعبية - سيحدّد بصورة قاطعة ونهائيّة، إنْ كان الغرض من الاجتماع تقديم دعم وإسناد للقضايا الإستراتيجية الكبرى (الوحدة .. التحول الديمقراطي .. أزمة دارفور) كما هو مُعلن، أم أنّ المراد تحقيق انتصارات تكتيكيّة صغيرة تُضاف الى رصيدٍ وافرٍ من المحاولات المماثلة..!
عامل الزمن لا يتيح فرصة للعب الاستعراضي، الانتخابات على الأبواب، الاستفتاء على بُعد خطوات.. والمعطيات تقول إنّ الانتخابات إذا تمّت دون تنسيقٍ أو تفاهمٍ تامٍ بين الشريكين على قواعد اللعبة وحدود الميدان وترسيم الخطوط الحمراء، فإنّ صناديق الاقتراع ستتحوّل إلى مفخخات ناسفة ستنفجر في وجه الجميع.
والمعطيات تضيف الى ذلك، إنّ عملية الاستفتاء إذا جاء ميقاتها، قبل توافق الشريكين على قواعد العملية وارتضاء مترتباتها، فإنّ انفصال الجنوب سيتحول الى عملية بتر عشوائي دون بنجٍ أو مُعقّماتٍ.
الجميع يعلمون ذلك جيداّ، لكن ممارسة السياسة في السودان بنفسية «البطان» تجعل من تلك الحقائق الساطعة، مكعبات ثلجية تذوب مع نوبات الحماس وهستيريا العناد وانتظار أول من ستخرج من فمه كلمة «الروب» الاستسلامية.
لكن هناك فرقاً بائناً بين «البطان» كممارسة اجتماعية و«البطان السياسي» المتبادل بين الشريكين، منذ التقائهما معاً في حكومة الوحدة الوطنية.. البطان الاجتماعي تخاطب فيه السياط ظهور المتطوعين للجلد، بينما الثاني تمضي فيه سياط الشريكين نحو ظهور الشعب السوداني في الشمال والجنوب.. وهو وحده الذي لا تحميه كلمة «الروب» من المعاناة والألم..!
نيفاشا رسخت لأمرين:
الأول: اعتمدت المؤتمر الوطني كوكيل للشمال والحركة الشعبية كممثل حصري للجنوب.
الثاني: جعلت مصير السودان كوطن موحّد ومستقر رهيناً بالعلاقة بين الشريكين.
نيفاشا جعلت الشمال هو المجال الحيوي للمؤتمر الوطني ومن الجنوب المجال الحيوي الحركة الشعبية.. هذه حقيقة يصعب تجاوزها.
المؤتمر الوطني أخطأ حينما كسر علناً قواعد اللعبة النيفاشية، وتحرك في مجال الحركة بالجنوب عبر تجميع العناصر المناوئة لها في مجالها الحيوي وعقد ملتقى لهم بكنانة.. مؤتمر جوبا يأتي في واحدة من مظاهره كرد متأخر على تلك الخطوة.
وإذا كانت خطوة كنانة فعلاً إبتدائياً أو رد فعل لتحرك الشعبية بين الفصائل المسلحة بدارفور، وإذا كان مؤتمر جوبا هو رد على كنانة إو امتداد لتحركات أخرى في السر والعلن تمت داخل مجال المؤتمر الوطني، إلاّ أنّ الطريقة المتبادلة في اختراق المجال الحيوي تُعد واحدة من تجليات الشراكة غير الذكية التي تجمع بين الطرفين.
الشراكة الذكية تعني أن يراعي كل طرف مَصالح ومخاوف الطرف الآخر، في سبيل تحقيق مصلحة كبرى، يَتم ضمان تحقيقها للطرفين.. وأفضل مثالٍ لذلك التجربة التي يرعاها أحمد هارون وعبد العزيز الحلو في جنوب كردفان.
لكنّ السؤال الذي لا يزال على الطاولة.. ما هي وضعية القوى السياسية الأخرى في ظل هذا الواقع النيفاشي غير الاختياري.. الرّاهن يقول إنّها إلى الآن لم يتجاوز دورها مساحة «الكورس الغنائي» في ترديد المقاطع اللحنية بغض النظر عن المغني الرئيسي مَن يكون.. وبغض النظر عن مكان الحفل في جوبا أو في كنانة..!