الوطني والشعبية … واختبار تحالف جوبا … تقرير: خالد البلوله ازيرق

 


 

 

بعد الاتفاق علي القوانين

 

khalid balola [dolib33@hotmail.com]

بتغير مفاجئ تجاوزت سرعته المعدل الطبيعي، بدأت لهجة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية تأخذ منحي آخر، بعد أن اسدل الشريكين الستار أول أمس علي خلافاتهما المتعلقة بقانون الاستفتاء واستفتاء أبيي والمشورة الشعبية لجنوب كردفان والنيل الأزرق، وبدأت لهجة العداء التي دمغ بها الطرفين بعضهما وسودت بها صفحات الصحف، سرعان ما تحولت تلك الحالة من الهياج الكلامي الي عكسها تماما من نعوت الإخوة والتكاتف والتعاون لأنجاز ما تبقي من مسيرة اتفاقية السلام موضع الاختلاف بينمها في بعض تفسيراتها المتعلقة بالقوانين.

ويضع اتفاق الشريكين حول بعض القوانين الخاصة بالجنوب والمهمة للحركة الشعبية، الساحة السياسية السودانية أمام مشهد جديد ربما يعاد علي ضوءه تشكيلها وترتيبها وفقاً للمعطيات الجديدة التي وفرها اتفاق الوطني والشعبية أول امس، وذلك لجهة حالة التحالف الذي صنعته الحركة الشعبية في إرتباطها بالقوي السياسية الشماليه عبر ملتقي جوبا الذي مثل الحد الأدني للتحالف في مخرجاته السياسية واهدافه المعلنة بين القوي السياسية والأحزاب المشاركة فيه، ليضع إتفاق الأمس بين الشريكين ذلك التحالف الذي تثار حوله كثير من الشكوك أمام إختبار حقيقي يتمثل في مدي احكام تنسيقه وتطويره ليصبح تحالف استراتيجي اكثر منه تكتيكي، أم ان اتفاق الشريكين الذي لبي معظم مطالب الحركة الشعبية وحقق كثير من مكاسبها السياسية والشعبية سيضع حداً لعلاقتها بتحالف جوبا ومقررات مؤتمرها الذي انبثق عنه ما عرف "تجمع قوي الاجماع الوطني" بعد حققت الحركة من وراء التحالف كثيراً مما كانت تبحث عنه لصالحها في الساحة السياسية الشمالية.

حالة الحراك السياسي الذي شهدته الساحة اليومين الماضيين، أحدثت طبيعته حالة إرتباك للمتابعين للمشهد السياسي لجهة علاقة الحركة الشعبية بشريكها المؤتمر الوطني مستقبلاً وكذلك لجهة علاقة الحركة الشعبية بالقوي السياسية الشمالية المشاركة في مؤتمر جوبا، كثير من المراقبين صنفوا تحالف جوبا منذ ميلاده بانه تحالف تكتيكي "الكل يريد أن يستخدم الآخر لتحقيق أهدافه" وقد دعم إتفاق الشريكين علي قانوني الاستفتاء والمشورة الشعبية تلك التحليلات، فينما كان الحديث حول تعديل القوانين يتصدره قانون الامن الوطني والاستفتاء والمشورة الشعبية، فإن الاتفاق الذي توصل له الشريكان لم يتطرق لقانون الأمن بعد ان تم الاتفاق علي قانون الاستفتاء للجنوب وابيي والمشورة الشعبية لجبال النوبة والنيل الازرق، ودعم ذلك تكهنات المتابعين بحدوث مغايضة لقانون الاستفتاء مقابل تنازل الحركة الشعبية عما تثيره في قانون الأمن الوطني بعدما كسبت ما أرادت تحقيقه في القوانين المتعلقة بالجنوب. هذا الاتفاق سيبدو أثره علي علاقة الحركة الشعبية مع القوي السياسية المتحالفة معها عند طرحها للمناقشة في البرلمان لأن القوي السياسية غاية ما تبتغيه في تعديل القوانين هو قانون الأمن الوطني والنقابات والاجراءات الجنائية، وغاية ما تبتغيه الحركة الشعبية في صراعها مع المؤتمر الوطني الذي ضغطت عليه بتحركات تحالف جوبا هو قانون الاستفتاء للجنوب وابيي والمشورة الشعبية، وقد حققت الحركة الشعبية ما ارادت بإتفاقها مع المؤتمر الوطني حول تلك القوانين، ويبقي نظر القوي الشمالية لها في تحركها لتعديل قانون الأمن الوطني والاجراءات الجنائية والنقابات، وهو تحركه سيكشف بالتاكيد نوايا الحركة الشعبية واهدافها من احزاب جوبا وطبيعة تحالفها مع تلك الاحزاب أنه استراتيجي أم تكتيكي سينتهي بمجرد تحقيق المصلحة منه. ولكن الدكتور جمعه كنده استاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا، قال لـ"الصحافة" ان مفهوم أي تحالف يتضمن مصالح متقاطعه وليست بالضرورة مشتركه وليس بالضرورة ان يتم تحقيق هذه الاهداف في وقت واحد، وقال ان دخول الشعبية في تحالف مع احزاب المعارضة ومشاركتها في السلطة، فإن ادراتها لأزمتها مع المؤتمر الوطني والتمسك في نفس الوقت بتحالفها مع الاحزاب  الاخري يبدو وضع في غاية التعقيد، واضاف انه متحفظ في ماهية وفعالية ما يشاع بالتوصل لإتفاق، وارجع ذلك الي ان تلويح المعارضه بالخروج في مسيرة جعل المؤتمر الوطني يفكر في تحييد الحركة الشعبية ونحج في ذلك باعلان اتفاق الأمس، وقال كنده ان الحركة ربما استطاعت ان تحرك المعارضة في تحقيق مكاسبها الخاصه ولكن لا اعتقد انها ستتخلي عن بقية مطالب تحالف جوبا، ويبدو ان الحركة في هذه الجزئية حققت مكاسب اكثر من احزاب التحالف، وقال ان عرض اتفاق الشريكين علي قادة تحالف جوبا هو الذي يحدد مدي تمساك تحالف جوبا، لأن الاتفاق اذا رفض من قبل التحالف سيتيح للوطني اضافه ويبدأ في تقريب الحركة الشعبية الي وضعها الطبيعي في خانة الشراكة".

ويبدو انه اذا ما مضت الإمور بإتجاه عودة المياه الي مجاريها الطبيعية "وفقاً للمصالح" بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في مقبل الأيام علي ضوء الاتفاق الأخير، فإن القوي السياسية المشكلة لتحالف جوبا من الاحزاب الشمالية ستجد نفسها أمام وضع اذا لم يكن لديها الخطة البديله لعملها السياسي حال فارقتها الحركة الشعبية سيكون وضعها أكثر حرجاً في المسرح السياسي لأنه ساعتها ستكون قد خسرت الحركة الشعبية كشريك رئيسي استندت عليه كثير ويملك كثير من كروت اللعبة في المسح السياسي شمالا وجنوباً، وفي ذات الوقت تكون قد عمقت الهوة بينها والمؤتمر الوطني الذي كان غالبها يتحاور معه بطريقة ثنائية، وربما يكون المؤتمر الوطني المعروف تكتيكاته السياسية المختلفه في الساحة السياسية قد رما في اتفاقه مع الحركة الشعبية الي إبعادها من الاحزاب الشمالية حتى يسهل له ترويضها بوسائله المتعدده ومن ثم يمهد لتحالفه مع الشعبية في الانتخابات القادمة، خاصة بعد ان اختار باقان اموم الأمين العام للحركة الشعبية رئيساً أوحد للجنة السياسية المشتركة بين الشريكين المعنية بالترتيب للانتخابات القادمة والتي لم يعلن عضويتها من الجانبين بعد. وقال الدكتور حمد عمر الحاوي استاذ العلوم السياسية لـ"الصحافة" أنه ليس غريبا علي المؤتمر الوطني ان يسعي لشق تحالف جوبا، لأن الاتفاق الذي تم فيه تاثير ورؤية واضحه للمؤتمر الوطني لشق تحالف جوبا بإخراج الحركة الشعبيه منه أو تحييدها، وان هذه لم تكن المرة الأولي التي تغدر فيها الحركة الشعبية بالقوي السياسية، واضاف الحاوي ان الاتفاق الذي تم اول امس كان شكل الانتهازية فيه واضح من قبل الحركة الشعبية في انها حاولت ان تستفيد من قوي المعارضة في الشارع لتحقيق مكاسبها بالمقايضة التي تمت، ووصف الحاوي قوي المعارضة الشمالية المتحالفه مع الشعبية بممارسة الغباء السياسي حينما تستغل الحركة الشعبية ضعفها وتبدأ تعبئتها لتحقيق مكاسبها وتتركها من بعد، مشيرا الي ان غباء المعارضه تقابله انتهازية من الحركة الشعبية".

وكان محللون اشاروا الي ان مؤتمر جوبا التي ولدت منه قوي الاجماع الوطني، كان محاولة تكتيكية من المشاركين فيه لسيتخدم كل طرف الآخر لتحقيق مصالحه، خاصة وان الشماركين فيه تحركه اهداف مختلفه وبدوافع متباينة، ولكنهم قد يجتمعون في هدف اسقاط الحكومة، وكلن هدف اسقاط الحكومة يبدو بعيد المدي بالنسبة للحركة الشعبية التي تريد آنياً من الاحزاب الضغط بها علي المؤتمر الوطني لتنفيذ اتفاقية السلام حسب فهم الحركة الشعبية لها كما اشار لذلك الدكتور خالد حسين مدير مركز السودان للبحوث والدراسات في حديثه لـ"الصحافة" الذي قال ان استخدام الحركة الشعبية لهذه الأحزاب وركلها ليس جديداً وهو ذات السيناريو الذي استخدمته الحركة الشعبية مع التجمع الوطني الديمقراطي عندما تركته وذهبت الي نيفاشا، وقال حسين ان الحركة الشعبية لن يكون لها نفس طويل تمضي به مع الاحزاب المعارضة لإسقاط النظام، مشيرا الي ان هناك عامل خارجي يحدد مسار الحركة الشعبية وتحالفاتها وهو الاستراتيجية الامريكية الجديدة، لذا سيتم التوافق بين الشعبية والوطني لأن امريكا تريد ذلك وسيحدث تنسيق كامل بينهما لخوض الانتخابات وهذا فيه جزء يخص الحركة الشعبية التي تريد الحفاظ علي امتيازات نيفاشا، وجزء اخر مرتبط بالعامل الخارجي الذي له مصلحة في تحالف الوطني والشعبية لتحقيق مصالحه كذلك.

فيما تضع مؤشرات خطوات إقتراب الحركة الشعبية مع المؤتمر الوطني، قوي المعارضة الشمالية المضنوية تحت لواء جوبا امام تحدي جديد لبناء تحالفات جديدة فيما بينها، ربما تدفعها الي فرز

كومها" من الحركة الشعبية، بالتالي ستجد نفسها أما خصمين شرسين هما "المؤتمر الوطني والحركة الشعبية" أول خصم واحد اذا تحالف الشريكين، الأمر الذي يضع المعارضه في وضع قد لا تحسد عليه بين كماشة الدولة المتحكم فيها الشريكين والدخول لإنتخابات في مواجهت حزبين يتحكمان في الدولة، كما أن هذه الوضعيه اذا صدقت تقديراته فإنها تكون كذلك قد حرقت للمعارضة كرت الانسحاب من الانتخابات الذي كانت تلوح به في تحالفها مع الحركة الشعبية، لأنه اذا تحالف المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية أو لم يتحالفا وقررا خوض الانتخابات فإن انسحاب ومقاطعة المعارضة للانتخابات لن يكون ذا جدوى كما سيكون تاثيره قليلا علي العملية الانتخابية.

 

آراء