الوظيفة الأولى للبرلمان السوداني القادم …بقلم: محمد وقيع الله
11 May, 2010
البرلمان القومي القادم برلمان منسجم إلى أقصى حد ممكن، وهذه ميزة فريدة كبرى له.
ولكنه إلا يُشغل بمهام برلمانية عظمى، فسينشغل حتما بمهام سياسية صغرى، هي جماع الإحن، والضغائن، والحزازات، والاشكالات القبلية والجهوية.
وهذا آخر ما نرجو أن ينشغل به هذا البرلمان العظيم، الذي جاء بتكوينه الحالي فخرا لدولة الإنقاذ، والحركة الإسلامية، والشعب السوداني العظيم.
ولذا نرى أن يتخذ هذا البرلمان توجها قوميا إنمائيا.
وأن تصبح مهمته الأولى تحقيق التنمية الرشيدة المتوازنة في الوطن.
فالعمل التنموي هو الكفيل بصهر طاقات الناس جميعا، وإشغالهم بما يفيد، وإلهائهم عما لا يفيد.
والعمل التنموي هو جوهر الدعوة الواعدة التي احتوتها رسالة المشير البشير الانتخابية، وهي الرسالة الانتخابية التي انطوت فيها ودارت حول محورها كل البرامج الانتخابية لمرشحي المؤتمر الوطني بالأمس ونوابه البرلمانيين اليوم.
جمعية تأسيسية أم مجلس وطني؟
إن البرلمان القادم يشبه أن يكون جمعية تأسيسية، لأن البلاد ليس لها دستور دائم بعد.
وأولى مهام البرلمان عندئذ تكون هي المهام التأسيسية، وعلى رأسها وضع الدستور وصياغة القوانين، وإقرارها بما ينسجم مع الدستور.
ولكن في حق البرلمان القادم يمكن ألا تكون هذه المهة التأسيسية مهمة تأسيسة بالفعل، لأن هنالك اتفاق عام حول الدستور، تحمله الغالبية العظمى من البرلمانيين القادمين، فأغلبيتهم الساحقة إسلامية من الناحية الفكرية، وليس للعلمانية عليهم من سلطان يذكر، وبالتالي فملامح الدستور القادم ستكون متوافقة مع فكرهم الإسلامي السياسي بلا امتراء.
وإذن فيحق لنا أن نفترض أن مهمة وضع الدستور الجديد الدائم ستكون مهمة يسيرة، لن تستغرق جهد البرلمان ووقته كما فعلت ببرلماني عقد الستينيات، حيث استنزف الجدل العقيم حول البدهيات جل جهود النواب.
التنمية أولا وأخيرا:
وطالما أن الأمر كذلك فليتجه نوابنا إذن إلى أم المهام العظمى، وهي مهمة تنمية الوطن، فهي المهمة التي لا يختلف عليها الناس بل هي مطلب كل الناس.
وليكن الجهاز التشريعي خير ظهير للجهاز التنفيذي في تحقيق المطالب الكثيرة لهذه المهمة العسيرة.
وذلك باستنباط القوانين المناسبة للقضايا الاقتصادية، وعلى رأسها قضايا الاستثمار، فقوانين الاستثمار شهدت تخبطا كثيرا، ولم تتضح ملامحها للمستثمرين الداخليين والخارجيين.
إن مما لا مراء فيه أن قوانين الاستثمار في كل بلد من البلاد تحتاج إلى تجديد مستمر بغية تحسينها وتطويرها لمسايرة التطورات.
ولكن هذا ما يسبب التخبط الذي يشكو منه المستثمرون الخارجيون على وجه الخصوص.
ولذا فلابد أن يبذل البرلمان القادم جهدا إضافيا يراعي هذه الحالة الحرجة وهو يصوغ التشريعات الجديدة ويطور التشريعات القديمة.
وبغير تضارب مع مبدأ فصل السلطات، ومن دون تغول على سلطات الجهاز التنفيذي، فيمكن للبرلمان أن يتخذ جهازا فنيا لرعاية تشريعات الاستثمار، ونشرها، وشرحها للمستثمرين وتفقيههم بها.
مراقبة المال العام:
وفي مجال السيطرة على المال العام فنرجو أن يكون للبرلمان القادم دور أقوى في مجال مراقبة صرف وتوزيع واستثمار المال العام، والسيطرة على الميزانية العامة من قريب.
وبذلك يمكن ترشيد الصرف ومحاصرة الفساد إلى أقصى حد ممكن.
فللبرلمان القادم أن يحتكر مسألة الصرف العام، فلا يسمح للجهاز التنفيذي أن يتصرف في المال العام كما يشاء.
فلا مال يصرف إلا بقرار أو إذن من البرلمان.
وبعد ذلك يراقب البرلمان القادم عن طريق لجان برلمانية أو لجان تقصي حقائق تصرفات الجهاز التنفيذي في المال العام.
وهذا هو ديدن النظام الجمهوري الأمريكي، حيث يسيطر الكونجرس تماما على المال العام، ولا يتصرف رئيس الجمهورية، دعك عن الوزراء، في الميزانية إلا بعد إذن من مجلسي النواب والشيوخ.
الإفادة من نظام الكونجرس الأمريكي:
ولذا فيا حبذا أن يرفد البرلمان الإنقاذي القادم نفسه بدم جديد مستمد من دم الكونجرس الأمريكي الحيوي الفياض.
فالكونجرس الأمريكي هو بحق أقوى برلمان في الدنيا.
ولا يزال الكونجرس الأمريكي قويا في عهد تتضاءل فيه سلطة البرلمانات في جميع أنحاء الدنيا.
وبقوة الكونجرس الأمريكي تفوق النظام الجمهوري الأمريكي على النظام البرلماني البريطاني وبدا أكثر اتساقا واستقرارا منه.
والإفادة من تجربة الكونجرس الأمريكي ليست أمرا صعبا، ولا حلما بعيد المنال، فيما نرى.
ولايتطلب أمرها إنجاز زيارات إلى هناك ولا استضافة قوم من هناك.
بل يمكن لنوابنا المحترمين أن يتعرفوا على طبيعة عمل المجلسين البرلمانيين الأمريكيين بالاطلاع على ما كتب عنهما في كتب السلوك البرلماني والكتب الكثيرة التي تشرح مسائل النظام السياسي الأمريكي.
وهذه الكتب كثيرة مبذولة تجدها في كل مكان.
وشابكة المعلومات الدولية زاخرة بالمعلومات التفصيلية الثرة في هذا الموضوع.
ولا يصعب ترتيب اللقاءات العلمية بين نواب البرلمان القومي السوداني وبعض علماء السياسة السودانيين ممن أجادوا دراسة هذه المسائل وأظن أن عددهم كبير موفور.
ولعل الدكتور إبراهيم البشير عثمان، أحد أبرز علمائنا في مجال الاقتصاد السياسي، يكون في طليعة هؤلاء فيمكن أن يكون مشيرا وموجها للبرلمان في هذا المجال.
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]