الوفد الجديد .. جداً جداً .. يأكل أحفاده !!

 


 

 


ـ فى مذكراته الشخصية، كتب الدكتور محمد حسين هيكل، أحد ألدِّ أعداء سعد زغلول، واصفاً إستقبال الأمة له بعد عودته من منفاه الأول أبريل 1921، قائلاً: (وكان إستقبال سعد في ذلك اليوم منقطع النظير , فما أحسب فاتحاً من الفاتحيين ولا ملكاً من الملوك حظى بأعظم منه في أوجِ مجدهِ. خفت القاهرة كلها شبابها وشيبها, رجالها ونساؤها حتى المحجبات منهن, إلى الطرقات التي سيمر بها يحيونه ويهتفون بإسمه هتافات تشق عنان السماء, وجاء إلى القاهرة من أقصى الأقاليم وأريافها ألوف وعشرات الألوف يشتركون في هذا الاستقبال ...) ثم يستطرد هيكل: (تُرى .. أقُدَّر للأسكندر الأكبر أو لتيمورلنك أو لخالد بن الوليد أو لنابليون بونابرت أن يرى مشهداً أجل وأروع من هذا المشهد؟) .
ـ والدكتور هيكل، الذى لم تمنعه خصومته مع سعد عن صدق التأريخ وسرد الحقيقة كرجل شريف، هو نفسه الذى كتب سلسلة من المقالات فى جريدته "السياسة" عام 1924، هاجم فيها زغلول ووصفه "بـالنصاب المشعوذ الدجال الأفاق الخائن الذى باع مصر للإنجليز"! فماذا فعل سعد وهو رئيس الوزراء وزعيم الأمة وقائد ثورتها وصاحب الأغلبية البرلمانية الساحقة الذى بإمكانه سن التشريعات وتحريك الجماهير ضد الدكتور هيكل إذا أراد؟، توقع الجميع أن قرار غلق الجريدة بات على مكتب سعد ينتظر توقيعه، وأن شنق الدكتور هيكل أصبح مسألة وقت، إلا أن سعداً أخلف ظنهم وأقام دعوى قضائية ضد هيكل، ليبرأه القضاء المصرى الشريف بحيثيات جاء فيها: (إنه ما دام سعد زغلول تعرض للعمل العام، فيجب أن يتحمل النقد، وأن من حق الصحفي أن يهاجم الحاكم ويقول أنه نصاب ومشعوذ ودجال وأفاق وخائن، وباع مصر للإنجليز، وأن هذا نقد مباح للرجال العموميين".
ـ تذكرت ذلك الدرس القديم الخالد مع متابعتى للقرار الذى أصدره القائمون على حزب "الوفد الجديد .. جداً جداً" تمهيداً لفصل مجموعة من صغار شباب الحزب كبار الهمة والوطنية، الذين لم يتلوثوا بألاعيب السياسة ولم يتورطوا فى مستنقعاتها الراكدة وأجنداتها المشبوهة، وذلك، كما قال البعض مبرراً، أنه بسبب معارضتهم السلمية لرئيس الحزب ومطالبتهم بإجراء إصلاحات جذرية فى هياكله ولائحته، ورفضهم للطريقة "العفوية" التى يدار بها والتى صنفته على هامش الحياة السياسية المصرية.
بينما يرى آخرون أن الفصل سيجرى بسبب إنضمام أولئك الشباب للدعوة التى أطلقها القطب الكبير "حامد الأزهرى" وصحبه الكرام لإستعادة "الوفد المصرى" بمبادئه وليبراليته الوطنية الحقيقية التى تسع كل أطياف الأمة، بعيداً عن التغريب و"العلمانية" التى لا تتفق مع مبادئه الحقيقية، والتى تتشدق بها قيادات "الوفد الجديد .. جداً جداً" وتتفاخر فى كل مناسبة، ربما دون فهم لما تعارف عليه الجمهور من المضمون لا اللفظ !
أما التبرير الأخير فيؤكد أصحابه، القريبون من "المطبخ" أن خروج أولئك الشباب فى ثورة 25 يناير ضد رغبة قيادات الحزب التى غابت عن المشهد وخلافاً لتعليماتهم المشددة، دفعهم للانتقام بعد ما سببوه لهم من إحراج دفع بتلك القيادات، كما هو ملاحظ، الى محاولة سرقة الفرح والإدعاء بمناسبة ودون مناسبة أن وفدهم "الجديد .. جداً جداً" هو القائد للثورة !!! على أساس أن وقائعها جرت فى دولة "زمبوزيا" الصديقة التى لا يغطيها بث فضائيات الكوكب !!! وهو ما يضحكنى كثيراً، خاصة عندما أتلقى مع كل إدعاء إتصالاً من صديقى الثائر "الزمبوزى" يعلن فيه شجبه وإستنكاره وإحتجاجه الشديد على محاولات سرقة حتى ثورته "الزمبوزية" !
ـ ورغم أن الفصل والطرد والإبعاد هى الطرق الرئيسية لوأد الرأى وترسيخ سياسة "ما أريكم إلا ما أرى" التى إتبعها الوفد الجديد مع "بعض" أبنائه منذ تأسيسه، إلا أنها زادت بوضوح لتشمل الغالبية العظمى منهم بعد أن أصبح "جديداً جداً .. أو جداً جداً"، ولأسباب يدور أغلبها حول "العيب فى الذات الزعامية" أو التجرؤ على مجرد التفكير فى رؤية مخالفة لرؤية الزعيم !، دون وعى أو حصافة أو اقتداء بعبرة "زغلول وهيكل"، حتى بات الحزب وقد أخرجوا ما يزيد عن الـ 90% من أبنائه ومفكريه، مع أن بدونهم لن تبقى له حياة أو جود، ولن يجد القائمون عليه، عن قريب، أحداً يمارسون عليه الزعامة و"المريسة"، تماما كما يفعل، صديقهم، الأخ العقيد مع شعب ليبيا بنفس المنطق ولكن على طريقته الدموية!
ـ أصبح "الوفد الجديد .. جداً جداً" يناطح بهيلمانه وآلته وعلاقاته الإعلامية الجبارة "أحفاده" من أعمار تبدأ من الـ 22 سنة !!! بدلاً من مباهاة الآخرين بهم وبرؤيتهم السياسية القيمة! لم يتمكن القائمون عليه، حتى الآن، من إستيعاب نتائج حدث 25 يناير لأنهم لم يصنعوه، بل ربما كانوا هم أحد أسباب إندلاع ذلك الحدث بدورانهم فى فلك النظام الفاسد! لم يدركوا أن أمثال هؤلاء الشباب، أمل الأمة الأخضر الواعد الذين تسعى كافة القوى الوطنية الحقيقية لضمهم، هم قادة الغد المشرق بإذن الله ووقود أى معركة بناء أو نضال شريفة، بعد أن تمكنوا بعزيمتهم ونقائهم من إسقاط نظام كان من أعتى نظم الدنيا جبروتاً وفساداً وطغيانا، نظام كان يملك كل شىء وكل قوة وكل آداة بطش، ورغم ذلك سقط فى ساعات تحت أقدام أولئك الغر الميامين،!
ـ رفض الزعماء مبدأ الاستيعاب .. أخذتهم العزة بالإثم .. آثروا التعالى والتسفيه بدلاً من الاحتواء والتحاور .. فضلوا الإبعاد والطرد والتخوين والتفريط بدلاً من التقريب والتوحد ولم الشمل داخل بوتقة الوفد الذى من المفترض أنه عباءة كل الاتجاهات والأراء فما بالكم بأبنائه ! .. خافوا إخلاص الشباب المتجرد .. أزعجهم رأيهم .. رأوه تقويضاً لعرش الزعامة .. صنفوهم كقلة مندسة لعرقلة المسيرة .. إتهموهم بالعمالة لآخرين هم من زرعوهم أصلاً داخل كيان الحزب ثم انقلبوا عليهم! ربما بعد أن تعارضت المصالح أوامتنعت بعد سقوط النظام "شبه" البائد .. قدوتهم ومربيهم ومعلمهم الأول الذى يفعلون تماماً على ما كان يفعل، تعامى واستهان فذهب الى حيث ألقت، الغريب أنهم مثله يفعلون كل ذلك ثم يطمعون أن يتصدروا المشهد السياسى؟! ...
ـ ضمير مستتر:
يا صاحبي عيب إختشي بتعُضّ ليه إيدي؟
من بعد ما ساعدتك وعلِيت على إيدي!
يعني أزرعك يا صاحبي وانت تقلَعني؟!
وتجري تجيب الحطب علشان تولَّعني؟!
آجريت على الخد دمعاتي فى يوم عيدي.

a4hamdy@yahoo.com

 

آراء