انتخابات الأجندة المتعددة .. تعيد الولاية للواجهة … تقرير: خالد البلولة إزيرق
جنوب كردفان تترقب
(20) قتيلاً، المحصلة الاولى لتداعيات العملية الانتخابية بجنوب كردفان، التي انطلقت حملتها الانتخابية، ومن المقرر ان يجري الاقتراع عليها في الثاني من مايو القادم، ويتنافس الشريكان «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية» على منصب الوالي والمجلس التشريعي الولائي، تنافس تتصاعد وتيرته ليس بهدف الفوز فقط بمقاعد المجلس التشريعي والوالي، وانما تتجاوزه لتقرير مصير الولاية عبر المجلس التشريعي حول المشورة الشعبية، التي من المنتظر ان يستفتى فيها مواطنو الولاية حول بروتوكول الولاية في اتفاقية السلام الشامل ومدى تلبيته لطموحات أهل الولاية.
اثنتا عشر يوماً تفصل ولاية جنوب كردفان عن ماراثون الانتخابات التكميلية، وسط اهتمام محلي كبير بها يتجاوز الولاية ومكوناتها، الى مكونات اخرى خارجها تتقاطع وتتطابق مصالحها مما يجري بجنوب كردفان، مما اكسب العملية الانتخابية المرتقبه بعداً آخر ربما يدخل في عملية توازنات القوى في السودان من خلال التنافس الدائر فيها بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية «قطاع الشمال» الذي يسيطر كذلك على ولاية النيل الازرق. تنافس يتجاوز عملية الفوز بالمقاعد المطروحة في الانتخابات الى تغيير معادلات سياسية مرتقبة في الساحه بعيد انفصال الجنوب الرسمي في التاسع من يوليو القادم. تنافس يعزز من مخاوف مراقبين من ان يعيد المنطقة مجدداً لدائرة العنف، عنف بدأ الطرفان يتهمان به بعضهما البعض من خلال الاحداث التي تشهدها المنطقة، قبل ان يتصدر خطاب نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، اول امس في مدن القطاع الشرقي بالولاية، حيث وجه كوادر المؤتمر الوطني بعدم الإستجابة للإستفزازات مهما كانت والنأي عن العنف، مؤكداً أهمية تفويت الفرصة على الأعداء الذين يأملون في أن تقود الإنتخابات بجنوب كردفان إلى الحرب مرة أخرى، وقال: يجب أن نخرج من هذه الإنتخابات ونحن أكثر قوة ووحدة. ونوه طه إلى أن الإنتخابات لا تختلف عن أية منافسة في كرة القدم لا تخلو من غالب ومغلوب، وأن على من يخسر فيها أن يتحلى بالروح الرياضية ويهنئ المنتصر بالفوز. وكانت حدة الاتهامات تصاعدت بين الشريكين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بجنوب كردفان على خلفية المواجهات التي وقعت في «الفيض عبد الله» بين قبيلتين راح ضحيتها العشرات، وبينما اتهم رئيس الحركة الشعبية ومرشحها لمنصب الوالي بالولاية عبد العزيز آدم الحلو، المؤتمر الوطني بترويع المواطنين وافتعال الاحداث، واعتبر ذلك هروباً من الانتخابات التى صارت نتيجتها واضحة للعيان وشبه محسومة، عبر بيان اسماه «الهروب من الانتخابات، هل يعاد نموذج دارفور في جنوب كردفان» بينما هدد حزب المؤتمر الوطنى، الحركة الشعبية حال رفضها نتائج الانتخابات ، برفض نتائج استفتاء جنوب السودان، نافياً بشدة اتهامها له بالتورط في المواجهات القبلية الدامية. ورفض المسؤول السياسي بالمؤتمر الوطني البروفسير ابراهيم غندور، اتهامات الحركة الشعبية لحزبه بالوقوف وراء الاحداث التي وقعت في جنوب كردفان وراح ضحيتها عدد من القتلى والجرحى، ووجه بالمقابل اتهامات مبطنة للحركة بالسعي لعرقلة الانتخابات «لاحساسها بالاحباط من نتائج الانتخابات في الولاية»، وقطع بان حزبه لن يكون طرفاً في عملية تعكر صفو العلاقة بين الطرفين.
ويبدو تعقيد العملية الانتخابية في ولاية جنوب كردفان، في تعقيد البيئة الاجتماعية بالولاية التي تشهد حالة استقطاب اثني بين «النوبة» و «العرب» يقودها الشريكان المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بتوجهاتهما المختلفه، بالاضافة الى البيئة الأمنية التي توصف بـ»الهشة» نتيجة كثير من التعقيدات والتداعيات التي احدثها انفصال الجنوب، بالاضافة الى حالة التسليح الواسعة في الولاية وصراعاتها القبلية، كما أن الولاية ربما تشهد عودة أكثر من عشرة الف مقاتل من ابناء جبال النوبة في صفوف الحركة الشعبية الى الولاية بعد عملية فك الارتباط المرتقبة قريبا، ارتباط سيلقي بظلاله بحسب متابعين على الاوضاع في الولاية على المشهد السياسي والامني في ظل التوتر القائم وحالة الشد والجذب التي تشهدها بسبب الانتخابات والمرتقبة بفعل المشورة الشعبية. فقد حذر امس المستشار القانوني للمرشح تلفون كوكو، الاستاذ محمد حسن ناصر، ان تقود ممارسات الشريكين الى العودة للحرب مجدداً، ورفض بشدة الممارسات التي وصفها باللا اخلاقية من اعمال عنف وتخريب وترويع وترهيب يمكن ان تعود بالولاية الى مربع الحرب، وقال في بيان صحفي امس تلقت «الصحافة» نسخة منه، موجه للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية، «اننا نرقب عن كثب صدى الطبول التي تقرع هنا وهناك منذرة بوقوع صدامات وشيكة، فكليكما يكيل للآخر بمكيالين مما يؤدي بتبعاته الى مواجهات ومناوشات تشعل فتيل الازمة من جديد، الشئ الذي يحول صناديق الاقتراع الى صناديق زخيرة حية تنسف العملية الانتخابية برمتها». وكان تقرير مجموعة الأزمات الدوليه رقم (145) الصادر في اكتوبر 2008م بعنوان «هل تنذر مشكلة كردفان الجنوبيّة في السودان بدارفور جديد» قد أشار الى ان النوبه من أبرز ضحايا الحرب بين الشمال والجنوب، ويشعر قادتها بأنّ الحركة الشعبيّة تسخّرهم أداةً في المساومة، وينتاب قادة جبال النوبة شعورٌ بالغربة يُعزى إلى الانفصال بين قيادة الحركة الشعبيّة القائمة في الجنوب، ونظرائها النوبة في كادقلي وكاودا، وأحبط هذا الانفصال الجهود المبذولة لحمل حزب المؤتمر الوطني على إقامة حكومة فعّالة في الولاية. وبعد تغييب النوبة عن سلطة القرار في الحركة الشعبيّة لتحرير السودان، نشب نزاع بين ممثلي الحركة في كادقلي وجوبا، واتهم الفريق الأوّل الثاني بأن لا مصلحة له في مأساته، وقام قادة النوبة الميدانيّون المنتشرون في مناطق الحركة الشعبيّة لتحرير السودان التي يسيطر عليها النوبة مثل كاودا باتهام الحركة الشعبيّة في كادقلي بالفساد ومحدوديّة التفكير. واشار التقرير الى انه بدلاً من التركيز على الأهداف التي عبّرت عنها الحركة الشعبية، مثل التنمية الريفيّة والمصالحة وتحقيق الأمن، ركّزت قيادة الحركة الشعبيّة بعد اتفاقيّة السلام على مجابهة سياسات حزب المؤتمر الوطني الانشقاقيّة عبر تدعيم قاعدتها المصدعة في وجه انشقاقات الماضي، مما زادت التوتر بين المجتمع المحلّي وأوجدت انشقاقاً في داخل قيادة الحركة الشعبيّة لتحرير السودان بما في ذلك بين ممثلي كاودا وكادقلي».
اذاً يمضي الحراك الانتخابي الدائر في جنوب كردفان، متأثراً بمآلات استفتاء جنوب السودان، فيما تسرع خطاه باتجاه استكمال الاستحقاق الانتخابي بالولاية لمواجهة الاستحقاق الدستوري والقانوني الذي نصت عليه اتفاقية السلام الشامل والمتمثل في تطبيق المشورة الشعبية بالولاية كإستفتاء شعبي على بروتوكول ولاية جنوب كردفان. ويبدو المشهد السياسي بالولاية معقدا في أكثر من اتجاه، فخصوصية الولاية التي تحادد اربع ولايات جنوبية، يلقي عليها الانفصال المرتقب اشكالات حدودية كبرى خاصة في منطقة «كاكا التجارية» المختلف حول تبعيتها للشمال والجنوب، بالاضافة الى التعقيد الذي يلف أزمة «أبيي» المتطاولة. وكان أستاذ التاريخ بالجامعات الأمريكية د.اسماعيل عبد الله، قد لفت في حديث لـصحيفة «الشرق الأوسط» قبل اشهر الى النظر لعوامل أخرى ستؤدي لإنفجار المنطقه اذا لم يتم تداركها، منها أن هناك جيل جديد إنفتح على ما يجري في العالم ويطمح لتنمية والخدمات، في ظل وجود إستقطاب إثني حاد بين النوبه ومجموعات المسيريه والحوازمة في المنطقة.
التوتر الذي خيم على العملية الانتخابية بولاية جنوب كردفان بلغ ذروته الاسبوع الماضي بعد الاحداث التي شهدتها منطقة «الفيض عبد الله» التي راح ضحيتها حوالي عشرين قتيلاً، تبادل بعده الشريكان المتنافسان في الانتخابات الاتهامات بالمسئولية عن الحادثة، حادثة وصفها مراقبون بانها ربما تكون بداية لاحتكاكات اخرى قد تتداعى مع استمرار الحملات الدعائية واقتراب موعد الاقتراع مع التصعيد الذي يقوده المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وبالرغم من أن صناديق الاقتراع لم تفتح بعد للناخبين، فان المؤتمر الوطني يؤكد فوزه بانتخابات الولاية، فيما تذهب الحركة الشعبية لتأكيد ذات النتيجة لصالحها، الامر الذي ربما يزيد من مخاوف المراقبين من ان تقود العملية الانتخابية لحالة عنف مجدداً في الولاية حال رفض أي من المتنافسين للنتيجة. وكان الدكتور صديق تاور، الكاتب الصحافي، قال لـ»الصحافة» سابقاً، ان حساسية الانتخابات انها مرتبطة بالمشورة الشعبية، التي اصبح المواطنون متعلقين بها، بعد فشل بروتوكول جبال النوبة بالنسبة للحركة الشعبية في المنطقة، والتي دخلت في احراج مع مؤيديها والسكان، فأصبحت المشورة الشعبية هي العاصم الوحيد لها، بالاضافة الى ان الرأي العام يرى ان المشورة يمكن ان تحقق شيئا للولاية اذا احسن ادارتها، واضاف تاور «بالتالي التعامل مع ملف الانتخابات من باب المناورة السياسية يمكن ان يفجر الوضع بشكل متأزم» وقال: انه مع قراءة الوضع لما يجري في ابيي هناك محاولة لإعادة معسكرات الدفاع الشعبي وعودة خطاب ما قبل نيفاشا، لذا نتوقع التصعيد في المنطقة ما لم يتم التعامل بحكمة حول ما يجري بالولاية».
khalid balola [dolib33@hotmail.com]