انطباعات عائد من مصر – حديث الثورة والشعب -2- بقلم: د.زاهد زيد
د. زاهد زيد
31 January, 2013
31 January, 2013
من عادتي كلما نزلت القاهرة زائرا أن أرتاد المسارح والمقاهي التي كانت مشهورة بزائريها من الكتاب والمثقفين والصحفيين ، وكان أصدقائي يعرفون حبي للتجوال في ليل القاهرة وصلاة الفجر في الحسين ومن ثم الإفطار بالفوال في مطاعم القاهرة التي لا تعرف النوم . إلا هذه المرة فقد فرضت الحالة الأمنية الحرص والحذر ، وكان أول ما بصحني به صديقي الدكتور عبد الصادق أن الحالة "مش ولابد " ولكنه فيما يبدو لم يرد أن يخيفني ، لأن الحال كان أسوأ بكثير من وصفه المخفف ذاك . فما سمعته ورأيته رأي العيان أقنعني بأن أختصر كثيرا في تجوالي وأن أودع ما كنت قد تعودت عليه .
قال لي بائع الذرة المشوي المتجول "كنت أظل في الشارع أبيع حتى الفجر ، أما الآن !" وصمت ولم يكمل . لقد انفلت الأمن في أحياء كثيرة ، في أيام الثورة الأولى ، وما تلاها من أيام امتدت لأسابيع وتتابعت الحوادث حتى أصبحت جزءا من حياة الناس وتصدرت الأخبار .
كنا أحيانا نشاهد في بعض الأحياء فرقا شكلها السكان لحماية أنفسهم وأسرهم ، لقد فقدت الشرطة المصرية هيبتها ورهبتها التي عرفت بها . وتعرض الكثير من أفرادها للاعتداء .عكست الدراما المصرية صورة قاتمة للشرطة ، وصورتها في كثير من الأعمال الدرامية على أنها رمز لقهر الناس والاستغلال السيئ للسلطة من أصغر عسكري إلي أرفع ضابط فيها . قد تكون الصورة مبالغ فيها لكن ضياع كرامة المواطن وحقوقه في أقسام الشرطة المصرية صورة لن تنمحي من الذاكرة الشعبية . ولعل مواقف الشرطة وما ألصق بها من اعتداءات على المتظاهرين في ميدان التحرير وفي غيره قد جعل من الشرطة هدفا سهلا لكل غاضب أوحانق عليها ، مواقف لا تنسى ومشاهد مؤلمة ، كما يقول كل من سألته .
يقابل ذلك تقدير عال واحترام للجيش الذي انحاز للثورة ولولاه لما تحقق هذا النجاح وبخسائر قليلة نسبيا إذا قارناها بما حدث في ليبيا المجاورة أو بما يجري في سوريا الآن . ولا أدري إلى متي سيستمر هذا التقدير أو إلى متى سيستمر الجيش في مواقفه الحالية ، كثيرون يرون أن صبر الجيش قد بدأ ينفذ وهو يرى التطاحن السياسي ويعيش مع الناس حالة الانفلات الأمني الذي أصبح يهدد الناس في حياتهم . هذا هو هاجس الناس عامتهم وخاصتهم .
أما العامة والذين لا يرون أن الثورة قد حققت لهم ما يريدون ، وما يريدونه واضح ومعروف وهو تحسين ظروف المعيشة وتوظيف جيوش العاطلين . وهاجس الخاصة أن تقبر الديمقراطية الوليدة على يد الجيش كما هي العادة ، دون أن تعطي الوقت الكافي ليجني الناس ثمار تضحياتهم .
لكن هذه المواقف قد بدأت تتبدل في عقول بعض من يرون أن تدخل الجيش أفضل من أن يسلموا أمرهم للمتأسلمين . قال لي شاب محبط من شباب الثورة "أحسن يأخدها الجيش إن كانت كده كده رايحة من أيدينا ".
يبدو أن ليل الثورة والثوار سيطول ، وفي ظني أن الجيش لن يتعجل ويزج بنفسه في الأزمة الساسية الحالية ، فلا أحد ولا حتى المحبطين سيستقبولون الحكم العسكري بالورود ، والخوف من المتأسلمين قد يتحول إلى " علي وعلي أعدائي " إلا أن ذلك كما يري البعض سيؤخر الفجر الديمقراطي لعقود من الزمان .
معادلة صعبة وخيارات محدودة يري البعض أنها من صنع المحبطين والخائفون من سيطرة الإخوان المسلمين ويرى هؤلاء في أنفسهم أنهم أكثر عقلا وأوفر حنكة بدعوتهم لأن تترك الأمور تجري فيما هو مقدر لها وأن تأخذ الديمقراطية حظها شدا وجذبا ، وهذا هو الطريق الوحيد لتقويتها ودعمها . ولا أحد يجادل في هذا غير أن العامل الأمني يبدو هو اللاعب الأساسي .
فإذا لم يحسم موضوع الأمن ولم تستقر الأحوال ، واستمر التدهور الحالي فسيضيق التاس حتما ولن يتحملوا ذلك خاصة في بلد مثل مصر بلد يحب أهله الحياة ويقبلون عليها حينها فقط سيجد الجيش ألا خيار أمامة غير استلام الحكم .
قلوبنا مع مصر وهي تمر بفترة عصيبة لا تقل عما واجهته من صعاب عبر تاريخها ، وقناعتنا أنها ستخرج من محنتها منتصرة على طغاتها كما انتصرت من قبل علبهم .
Zahd Zaid [zahdzaid@yahoo.com]