انقلاب الـربو فأس الخراب الضروري!

 


 

 

لا أعلم كيف يستطيع أحدهم أنْ يصف ما حدث في الخامس والعشرين من أكتوبر بالتصحيح، مهما بلغ اختلافك مع ما سبقه فلن تكون هذه الإجراءات إلا نكوصا وتراجعا كبير عن القليل الذي تم تحقيقه وعلى جميع الأصعدة، إذ كشرت سياسة السحل والقتل والإعتقال عن نفسها من جديد، لم تهدأ الأقاليم المأزومة بل وتفجّرت جيوب الأزمات في أقاليم أخرى ودونكم إغلاق طريق شريان الشمال، وبلغت الهشاشة الأمنية مبلغا لم تبلغه من قبل، تقلصت مساحات الحرية التي أتاحتها وثيقة كورنثيا بكل عطبها وقصورها، كما بدأت الجنيه المسكين بالهبوط مجددا بعد أنْ استقر لشهور إبّان الإصلاحات الإقتصادية، المزارعون يتمرغون في أوحال الغيظ جراء العطش وانعدام الأسمدة التي كلما مرت الأيام فات أوانها، ولا توجد جهة للشكوى فـ (الشكية لله وحده)، وكأن الزمان استدار بهيئته لما قبل الحادي عشر من أبريل، حيث عاد حق التظاهر الذي انتزع بالدم والدموع جريمة، وعادت ملاحقة الصحافة وتكسير الأقلام وتكميم الأفواه، تغص الطرقات بعسس سلطة الأمر الواقع، ها هم يُطْبِقون على المشهد برمته لا لحماية الناس بل لترهيبهم وإذلالهم، المشهد يوضح افتراء دعاوى الإصلاح الكاذبة، لم ينفذ الإنقلابيون ولا بندا واحدا مما التزموا به لحظة انقلابهم المشؤوم، لأنهم لا يريدون ذلك من البداية ولم يكن ما برروا به مغامرتهم إلا ذريعة، ثم أنهم لا يستطيعون إن أرادوا ذلك، فلو كانوا مسنودين لفعلوا ما قالوا، بيد أن عجزهم هو دليل على عزلتهم، حتى الذين ساندوهم بادئ ذي بدء أخذوا بالتنصل عنهم والتنكر لهم، ولكنّ العاقبة للمتقين بإذن الله، فالخير فيما اختاره الله والظلم ليلته قصيرة.
لا جدوى ولا معنى من نضع الرأس لاستدعاء الشواهد من الكتب والإستهداء بالآيات والأحاديث لإثبات باطِلِ سلطة الأمر الواقع الدموية مع كثرتها واضطرادها، فهذا مما تقتضيه البداهة الأخلاقية والمنطقية والدينية، للمرة المائة سنقول مهما بلغت خصومتك مع المحتجين، ومهما اتسع الفتق بينك وبينهم على الرتق، فلا يوجد سبب واحد يدفعك للوقوف مع الإنقلابيين أو تأييدهم أو السكوت عن قولة الحقّ في باطلهم، لا تدعم المحتجين إلم ترَ أنّ الحَقّ معهم، ولكن كما أعلنت موقفك من حراكهم فاعلن موقفك من هؤلاء القتلة بلا مواربة وتبرأ منهم، تبرأ منهم لأنّهم التعبير العملي والسافر للباطل في هذه المعادلة، تبرأ منهم حفظا لمروءتك أمام نفسك، تبرأ منهم حفظا لدينك أمام نفسك وأمام الله.
من الأسباب التي جعلت نميري محل انقسام داخل المؤسسة العسكرية إنه بعد اتساع رقعة الإحتجاجات الهادرة مطلع التمانينات وفشل الأجهزة الأمنية في حسمها قام بتوظيف الجيش في هذه المسألة وفعلا تم حسمها، وتلك كانت أول مرة يتم فيها توظيف الجيش في قمع وحسم المظاهرات، فهو الذي سنّ هذه السنة ، بعدها أصبحت شعبية نميري تتناقص داخل وخارج الجيش، البشير لم يفعل مثل نميري نهائيا، لكنه عمل شيئا آخر و هي توظيف قوات تم تكوينها وتدريبها أوتسليحها كمتحركات الجيش مثل هيئة العمليات في الجهاز والإحتياط المركزي في الشرطة، وهذه وحدات قتالية بالأساس أنشئت كقوات إسناد ولتفادي سيناريوهات المغامرين من الضباط، لكن ما حصل هو توظيف الجيش بوضوح في أي أحداث ما عدا مناطق النزاع الغائبة عن عين الرصد الإعلامي، برهان الآن لم يترك قوة نظامية أو غير نظامية إلا ووظفها في قمع الإحتجاجات، ابتدت بشرطة مكافحة الشغب (الكجر) ثم انداحت لتشمل جميع وحدات الشرطة، ثم أعاد لجهاز الأمن صلاحياته، ثم الدعم السريع والحركات المسلحة، وأخيرا الجيش، كأنه داخل في حرب مع الشارع المحتج والرافض للإنقلاب، لم يتبق في جعبته كرت آخر.
هذه الجولة الأخيرة من الحرب الطويلة من الإستقلال وحتى الآن، إما نجونا جميعا أو هلكنا جميعا، أعتقد أنه لا يوجد أحد سينجو في حال انتصر هؤلاءالقتلة الإنقلابيين ، بعض المفتونين بهذيانات اليسار الراديكالي لسان حالهم يقول سيكون خرابا سيكون خرابا، فهذي الأمة لابد لها من درسٍ في التخريب، ونقول هيهات فإنا نقاوم لتلافي سيناريو الحريق الكبير، نقاوم لنحيا، وإنّ الله لناصرنا، هو نعم المولى ونعم النصير.
ستظل بتتعلم من الأيام أقرب الأغنيات وأحبها إلى نفسي، هي عندي عروس الأغنيات قاطبة، هي ليست مجرد أغنية جميلة اندفقت مفاتنها عبر حبال أرخبيلِ نغمٍ خالد، هي تحكي قصة النفس البشرية التي كلما مسها الشوق قتلتها الرهافة بحسب الكائنِ الخلوي، هِيٙ عزاءُ السماءِ لآبائنا ولنا وللآتين من بعدنا، أجْمٙلٙتْها نواميس الكونِ في عِبارة وجيزة (وبكرة الريد بدون مواعيد يزورك)ثم دٙلٙقٙت اللحن زٙفٙراتٍ حٙرّى في فؤاد الأمين كالندى على صفحاتِ نرجسةٍ تحرسها أشواكُ الوحدةِ والإنتظار الطويل.

mido34067@gmail.com

 

آراء