انقلاب فض الشراكة: الدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية !!

 


 

 

kameir@yahoo.com

تورونتو، 26 أكتوبر 2021

ذكرتُ في بوست مقتضب، قبل أيام قليلة، أنَّ انقلاب 25 أكتوبر يتميز عن الانقلابات السابقة بكونه انقلاب عسكري على حكومة *انتقالية*، بينما أطاح الانقلابان المشهودان في نوفمبر 1958 ومايو 1969 بحكومة *منتخبة*. ولعل هذا الفرق قد أثار جدلاً حول ماهية، ومدى صحة وصف ما وقع في فجر 25 أكتوبر ب "الانقلاب". فبعض القيادات السياسية وكتاب الرأي والمراقبين، وحتى على المستويين الإقليمي والدولي، يرى أن ما حدث ليس بانقلاب بل هي خطوة في إتجاه "تصحيح مسار الثورة"، التي تم اختطافها من قبل بعض قوى الحرية والتغيير المشاركين في السلطة. أما القائد العام للقوات المسلحة، فقد نفى خلال مؤتمره الصحافي، في 26 أكتوبر،القيام بانقلاب، وإنما "محاولة لتصحيح مسار الانتقال"، على حدِّ قوله.

وربما يكون نجاح القوى السياسية في تحقيق قدر معقول من التوافق الوطني، في أعقاب ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985، قد حصَّن الفترتين الانتقاليتين ضد الانقلاب العسكري. ومع ذلك، تظل الخطوة التي أقدمَّ عليها القائد العام للقوات المسلحة ليست مغامرة غير محسوبة العواقب فحسب، بل هي انقلاب يصحُ أن يطلق عليه *انقلاب فض الشراكة*. إن إستيلاء الجيش وقوات الدعم السريع على السلطة هو انقضاض على الوثيقة الدستورية الانتقالية، التي أصلاً تأسست على الشراكة السياسية بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، شراكة تقاسم فيها الطرفان مسؤولية تنفيذ مهام الفترة الانتقالية. فالانقلاب في جوهره، بحسب تعريف ويكيبيديا يعني *إزاحة مفاجئة للحكومة بفعل مجموعة تنتمي إلى "مؤسسة من مؤسسات الدولة" -عادة ما تكون الجيش- وتنصيب سلطة غيرها سواءً كانت مدنية أو عسكرية بغرضِ التمكن من السيطرة السياسية على البلاد*. وهذا بالضبط ما حدث في صبيحة 25 أكتوبر، وذلك بغض النظر عما إذا كانت هذه الحكومة *انتقالية* أم *مُنتخبة*. كل محاولات الإستيلاء على السلطة بقوة السلاح خلال فترات الحكم العسكري في السودان (1958-1964، 1969-1985، 1989-2019) وسِمت بالانقلاب، ناهيك عن خطوة القائد العام للقوات المسلحة التي حلت الحكومة التي أنتجتها ثورة ديسمبر! إن الفريق أول البرهان، بصفته رئيساً لمجلس السيادة ولا بحكم موقعه كقائد عامٍ، لا يملك أي حقٍ دستوري في إلغاء أو تجميد أو تعطيل بعض مواد الوثيقة الدستورية الانتقالية التي تتعلق بفض الشراكة، أو تلك المتصلة بتخوفات المكون العسكري من المسائلة والمُحاسبة الجنائية.

فكيف يجوز دستورياً لرئيس مجلس السيادة، مُستغلاً منصبه كقائد عام للقوات المسلحة، أن يحل مجلس السيادة ومجلس الوزراء، ويعتقل رئيس المجلس الذي تسنم موقعه وفقاً للشراكة المُؤسِسَّة للوثيقة الدستوريه نفسها؟ للمفارقة في المواقف، توفرت السانحة لرئيس الوزراء، بالتشاور مع رئيس مجلس السيادة، لحل الحكومة، ولكنه رفض هذا المنحى وفاءاً للعهد الدستوري القائم على الشراكة بين كافة الأطراف، واحتراماً لمبدأ الحوار والتوافق، من ناحية، وأبى أن ينصاع لأى توجيهات تُملي عليه هذا الحل، من ناحية أخرى. فكأنما القائد العام للجيش قررَّ الانقلاب على شريكه في الحكم ولسان حاله يقول لرئيس الوزراء *إن لم تقُم بهذه الخطوة، فسأقوم بها أنا وسأفضُ الشراكة بالقوة!*.

بانقلابه هذا، فقد نزعَّ الفريق أول البرهان ثوب رئيس مجلس سيادة البلاد، وتدثر بجلباب .القائد العام للجيش، والعودة للمجلس العسكري الانتقالي، واقتصر التفاهم مع بعض شركاء الحكم. هذا، لا شك يُسهم في تعميق الإنقسام الراهن وسط وبين القوى السياسية والمجتمعية، وقد يقود للاصطفاف القبلي والجهوي، وربما للإحتراب الأهلي، والذي للمفارقة، عدَّهُ رئيس مجلس السيادة كأحد دوافع *ثورته التصحيحية!*. كما قد تُثيرُ هذه الخطوة شهوة السلطة داخل حوش القوات المسلحة مما يدخلنا في سلسلة من الانقلابات المتوالية التي لا طاقة للسودانيين بتحملها، وستدفع بالبلاد إلى حافة الهاوية.

فإن كان ما حدث ليس ب "محاولة لتصحيح مسار الانتقال"، على حدِّ قولِ القائد العام للقوات المسلحة، فالتحدي الرئيس الذي يجابه سلطة الانقلاب هو إثبات مصداقيتهابإطلاق سراح المعتقلين، وقبولها بالحريات العامة الخاصة بالصحافة والإعلام، وبحرية التنظيم للأحزاب السياسية وبحرية التظاهر السلمي والتجمع، حتى الوصول لانتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية، وهو أحد أهداف سلطة الانقلاب نفسها وفقاً لبيان القائد العام للقوات المسلحة. إذا تم حجر الحريات من تكميمٍ للأفواهِ وحظرٍ للنشاط السياسي الحزبي واحتكار سلطة الانقلاب للصحافة والإعلام، فكيف تقوم هذه الانتخابات؟ وكيف لمثل هذا التوجه أن يكون إصلاحاً لمسار الثورة؟ إنَّ لجؤ السلطة الانقلابية لمثل هذه التصرفات منذ الوهلة الأولى قد نقلت جدل الخلاف حول تعريف الانقلاب من القول إلى الفعل العملي والتطبيقي له على الأرض بحكم ما يجري من اعتقالات ومواجهات عنيفة مع المتظاهرين السلميين، وصلت حدوالقتل، وحظر الحريات العامة.

إن *حل* أزمة انسداد الأفق السياسي يكمن في الحوار العميق والجاد بين شركاء الحكم، وكافة القوى السياسيىة، في كيفية تعبيد طريق الانتقال الديمقراطي خاصة بعد انتكاسة الإنقلاب، وليس ب *حل* الحكومة من جانبٍ واحدٍ. على سلطة الانقلاب أن تطلق سراح رئيس الوزراء حُراً طليقاً فوراً، ومعه كل المعتقلين من الوزراء والقيادت السياسية، والمعتقلين بسبب الرأي. وفوق ذلك كله، *ينبغي عودة رئيس الوزراء إلى موقعه لممارسة مهامه الدستورية المُكلفة بها لإزالة هذا الاحتقان السياسي واشتعال الشارع، ولتجنب السيناريوهات الدامية التي تطرق على الأبواب بشدة!*

للسودانيين ربٌ يحميهم من قُصرِ نظرِ صفوتِهم السياسية وفِتنِ نُخبتَهم العسكرية!

 

آراء