ايقاع الطقس وغياب المعنى (2/2): هاني رسلان: نهاية عهد الطبطبة في علاقات وادي النيل .. من العواطف التاريخية الي الواقعية السياسية

 


 

 

كان مدخلي التأسيسي لسلسلة هذه المقالات يتجاوز مجرد تطريز قوافي الرثاء لهرم الغناء السوداني الاستاذ الراحل عبد الكريم الكابلي، لكن الاحتفاء بمنجزه الابداعي، والاحاطة بشوارد تأملاته الفنية وتقاطعاته الثقافية مع محيطه العربي و الاتصال بتراثه السوداني و قدرته المذهلة من الاغتراف والنهل من منابع المخزون الجمالي لتاريخ وادبيات اللغة العربية. و كذلك الوقوف علي رسوم مشروع الدكتور هاني رسلان في سياق دراسات وادي النيل و العلاقات السودانية المصرية.

يقف الدكتور الراحل هاني رسلان في المنطقة الفاصلة بين محمد نجيب و محمد حسنين هيكل.

قال نجيب في مذكراته انه رفض كل ضغوط مجلس قيادة ثورة يوليو ١٩٥٢  للاستقالة من منصبه حتي لا يدفع ذلك لاستقلال  السودان، إذ كانت النخبة الوطنية في السودان في ذلك الوقت تري ان رفض القاهرة لمحمد نجيب يعني التخلص من السودان. و كان هيكل في المقابل يري ان السودان مجرد جغرافيا لم تكتمل فيه اركان الدولة الوطنية بعد. وان السودان سيكون عبئا علي مشروع عبد الناصر التحرري و زعامته للأمة العربية.

كان عبد الناصر كما نقل محمد خير البدوي في مذكراته يري ان محمد نجيب تطبع بخصال اهل السودان  ينفعل لأتفه الاسباب، و ان وجوده في قمة هرم الثورة ١٩٥٢ اقتضته تقية السياسة و احترام التراتبية العسكرية و سيتم التخلص منه في الوقت المناسب.

يقف هاني رسلان في الخط الفاصل بين رؤية محمد نجيب الذي كان شديد الاقتناع ان عبد الناصر  لم يبذل جهدا جادا في الحفاظ علي السودان وترك ذلك لمغامرات الصاغ صلاح سالم الذي دفع ثمنا سياسيا باهظا جراء سوء تقديره، و لم تفلح عبارات النقد التي كانت تجري علي لسانه ( لقد خاننا الازهري). كان الصاغ صلاح سالم مغامرا في السياسة و مقامرا في طاولات اللعب عند زياراته للخرطوم.

كان هاني رسلان يقف علي النقيض من رؤية هيكل التي انبنت عليها استراتيجية وتوجهات السياسة الخارجية المصرية لعقود متطاولة منذ يوليو ١٩٥٢ حتي ٢٠١١ لحظة انفصال جنوب السودان.

و تتلخص هذه الرؤية ان مصالح مصر العليا و مكانتها الاقليمية و الدولية مرتبطة بالتوجه نحو  الشمال الشرقي و الاهتمام  بالقضية الفلسطينية و مشكلة الشرق الاوسط و الصراع مع اسرائيل لانها جزء من ديناميكيات الصراع الدولي، و ليس الاهتمام بالحديقة الخلفية في جنوب حدود مصر الدولية  التي لم يسبق لها ان كانت مهددا لركائز الامن القومي المصري منذ عهد  الفراعنة.

هذه الرؤية تجد صداها في اعمال العديد من كبار مثقفي عصر النهضة  و المفكرين المصريين، مثل عميد الادب العربي طه حسين الذي اكد في كتابه ( مستقبل الثقافة في مصر) ان مصر مرتبطة اكثر بحوض البحر الابيض المتوسط و اوروبا، مما يعني تجاهلا تاما لحدودها الجنوبية ناسيا ان حضارة مصر الفرعونية اكثر ارتباطا بعمقها الجنوبي من اي امتدادات عبر البحر المتوسط كما كشف العلامة الافريقي البارز انتا ديوب.

واكتشف طه حسين في تقديمه الرائع لكتاب العلامة عبد الله الطيب ( المرشد )، وكذلك في ديوانه ( اصداء النيل) ان فصاحة اللغة العربية في السودان لا تشوبها شائبة متهما عبد الله الطيب بإنتقاء الغريب و الوحشي من اللغة العربية. و كان رأي عبد الله الطيب ان ذلك من سليقة لسان اهل السودان.

كان هاني رسلان أبن الدولة المصرية و أبن الصعيد في وقت واحد. لم تكن صعيديته مثل العقاد يحب ادب العبقري معاوية نور لكنه يرفض الحالة السودانية. كانت اغلب اوقات العقاد اثناء فترة لجوئه في السودان في اربعينات القرن الماضي هربا من تقدم الالمان يقضيها مع السكرتير الاداري دوغلاس نيوبولد اكبر المثقفين الانجليز اثناء فترة الاستعمار. ، و قد اثار ذلك عليه غضب النخبة السودانية التي احسنت تكريمه في   ام درمان و كتبت صحف الخرطوم في صبيحة اليوم التالي عن دموع الجبار.

كان هاني رسلان ملتحما مع الحالة السودانية، و لم يتعامل معها بإنتقائية كحال العقاد، او  كظاهرة جغرافية كهيكل، و لم يكن صدي لصوت الامبريالية الامريكية عندما كان السفير الامريكي كافري في مصر اثناء مداولات اتفاقية الحكم الذاتي ١٩٥٣ حيث كان يراود مصر لصالح الترتيبات الامنية في منطقة الشرق الاوسط اثناء الحرب الباردة حيث قال : لماذا تهتمون ببضعة ملايين من الزنوج في السودان.

اختار هاني رسلان مثل نفر عزيز من خبراء مصر ان يتخصص في الشأن السوداني في وقت كانت التخصصات الاقليمية و الجغرافية ودراسات المناطق الاخري أكثر اغراء و عائدا. و جاء في وقت انحسرت فيه الدراسات السودانية و تحولت مراكز دراسات السودان ووادي النيل الي مراكز للدراسات الافريقية حسب التغييرات التي جرت في جامعة القاهرة علي سبيل المثال لا الحصر. و في ذات الوقت  كان ملف السودان شديد الخصوصية تتم ادارته بواسطة المؤسسات الامنية و يصعب ان يتم اختراقه بواسطة اي صوت مستقل مهما بلغت قدراته و تأثيره . و قد تناول ملابسات الصراع حول ملف السودان داخل  مؤسسات الدولة المصرية وزير الخارجية الاسبق و الامين العام للجامعة العربية عمرو موسي في مذكراته ( كتابيه) و كذلك مذكرات ابو الغيط ( مذكراتي) و احاديث مصطفي الفقي.

يصعب علي كل خبراء السودان داخل مؤسسات الدولة المصرية خاصة من ذوي الارتباط بالعمل الاكاديمي و البحثي و مراكز الدراسات تأسيس صوت مستقل بشان السودان خارج اطر هيمنة الوكالات الرسمية للدولة.

ان ارتباط اي خبير مصري بالشأن السوداني لا يخلو من مغامرة، ففضلا عن انعدام المغريات، عليه ان يتحمل عبء مزدوج و هو التماهي مع توجهات المؤسسات الرسمية المسئولة عن ملف السودان، و عدم المغامرة بتأسيس صوت مستقل خارج هذه الاطر، و الوجه الآخر والاكثر صعوبة هو اكتساب ثقة الجانب السوداني الذي يتعامل بشكوك كبيرة مع اي خبير مصري في هذا الملف و يغلب عليه الظن انه مجرد واجهة للمؤسسات الخاصة. اضافة لتحمل ملابسات التاريخ من محمولات الشك و ربما عداء النخب غير المبرر المرتبط بتركة وارث شبهات الاستعمار .

لذا فإن هاني رسلان كان يمكن ان يكون امتدادا لمن سبقوه ، يؤثر السلامة و رغد العيش لكنه اختار الطريق الاصعب. و هو ان يؤسس صوتا مستقلا  يرتكز علي ضرورة الاهتمام بعلاقات وادي النيل في اشد اوقات تدهور العلاقات السياسية بين البلدين. و الاهم من ذلك هو كسب ثقة الآخر السوداني لتأسيس حوار مشترك يرتقي الي تحديات العلاقة بين البلدين .

تشهد حوارات مركز الاهرام ان هاني رسلان نجح في تنظيم عشرات الندوات و الجلسات و الحوارات مع كل ألوان الطيف الفكري و السياسي السوداني، و انه كان يحاول خلق مشتركات في الرؤية و تذويب التابوهات التاريخية في علاقات البلدين. و لم يتوقف في الاستجابة لكل المبادرات الرسمية و الشعبية لتطوير العلاقات بين البلدين.

 كما ذكرت سابقا فإن هاني رسلان هو ابن الصعيد و ابن الدولة المصرية، وقد رسخت صيعيدته من ارتباطه الثقافي و الاجتماعي و الوجداني بالسودان. فهو ابن التصوف الذي عليه غالب تدين اهل السودان. و هو ينحدر من اسرة صوفية معروفة في صعيد مصر. قال لي انه كان ينتظر افواج السودانيين الوافدين الي قريته لاحياء الذكري السنوية للشيخ الدسوقي، و كانت القرية تخصص لهم ليلة لعروض الانشاد و المديح وكانت طرقات القرية تزدان جمالا بإيقاعهم الصاخب في ليلة الحشد الكبير.

مع قدرة هاني للالتحام مع الحالة السودانية، مغايرا لحالة الانتقائية التي كان عليها العقاد، او قصر التعاطي مع الجغرافيا السياسية كما كان موقف هيكل، فإنه ايضا لم يكن متسقا مع ترجيحات محمد نجيب الذي كان لا يري بديلا عن مستقبل وحدة وادي النيل.

كان هاني واقعيا في رؤيته وان العلاقات يجب ان تؤسس علي المصالح لا العواطف، و من خلال حوارات متصلة و مراسلات معه كنت احس بصعوبة موقفه في اقناع النخبة المختصة بشأن السودان و فوقها الطبقة المؤثرة في اتخاذ القرار عن حتمية الاهتمام بالسودان في سياق تأسيس علاقات تقوم علي الندية و الاحترام والمصالح و ليس مجرد التأثير علي السودان من خلال السيطرة علي نقاط ضعفه و هشاشة تركيبته السياسية. و كان الراحل هاني واعيا ان تجاوز السودان و التعامل مع جيرانه و محيطه الاقليمي خاصة بعض دول حوض النيل هي سياسة ستكون لها ارتدادات سالبة خاصة و ان السودان يعتبر ممرا و منبعا لمياه النيل. وكان شديد المراس في الجدل الخاص حول استيفاء السودان لحصته حسب اتفاقية مياه النيل ١٩٥٩ رغم السجلات الرسمية للحكومة السودانية تؤكد ان مصر تستهلك سنويا سلفة هالكة غير مستردة من نصيبه تبلغ ٥ مليار متر مكعب حتي بعد تشييد خزان مروي.

تقع كثير من النخب المصرية المهتمة بالسودان في ازمة منهجية حادة، فهي تتعامل مع السودان بمفهوم الاستشراق اي دراسته من اجل السيطرة عليه حسب تفكيك ادوارد سعيد لظاهرة الاستشراق، او انها تدرسه من محددات مسبقة حسب الرؤية المصرية السائدة. و ذلك علي عكس النخب السودانية التي اهتمت بدراسة تطور السياسة والدولة المصرية. حيث قدم السفير والوزير جمال محمد احمد دراسته عن ( الوطنية المصرية) خلال فترة دراسته في بريطانيا و جاءت رصينة تكاد تخلو  من تأثير اي مناهج استعمارية او غربية،  بل كانت منحازة بامتياز للوطنية المصرية.

خرج هاني بريئا من اتهامات المنهج الاستشراقي، فهو لم يكن يدرس السودان لتطويعه و السيطرة عليه و لكن ليفهمه بشكل موضوعي. لكنه لم يخرج بريئا من الرؤية المصرية المسبقة عن السودان.

بحكم انتمائه العميق لمؤسسات الدولة المصرية كان يري ان الازمة تكمن في مواقف الجانب السوداني اكثر من المصري. اذ ان موقف الجانب السوداني هو نتاج مواقف تاريخية و مشاعر عاطفية ملتبسة و حمولات ماضوية مرهقة و تصورات خاطئة.

و يحمد للدكتور هاني انه لم يكن له موقفا وجوديا حاسما و ثابتا تجاه السودان لكنه كان مهموما بكسر الجمود و تحرير الملف من اسار  المواقف التاريخية الي رحاب الواقعية و المصالح المشتركة. و يعترف هاني ان الامام الراحل الصادق المهدي استطاع ان يتحرر من كل ملابسات العداء التاريخية بين ارث الدولة المهدية ومصر و حمولات تجربته السياسية عندما كان رئيسا للوزراء في الديمقراطية الثالثة ( ١٩٨٦-١٩٨٩)، و ان الامام الراحل قدم تجربة عظيمة في الحوار واعادة كسب ثقة النخب المصرية. و يعترف ايضا ان الترابي حاول مرات عديدة الا انه فشل في كسب ثقة النخب المصرية رغم اطروحات الحداثة و الليبرالية التي كانت تزين خطابه، اذ اصطدم بظلال التجربة المصرية الراسخة و المتقاطعة مع كسب الاسلام السياسي. كما انقطعت النخب اليسارية من ادارة حوارات فاعلة مع نظيرتها المصرية . و  فتر الحماس التاريخي للدولة المصرية في اعادة توحيد الحركة الاتحادية علي غرار ما فعله محمد نجيب و اصبح التركيز علي زعامة البيت الختمي برئاسة محمد عثمان الميرغني، هذا اضافة للاهتمام بالفاعلين الجدد في الحركة السياسية من زعامات الحركات المسلحة و منظمات المجتمع المدني و حركة الشباب الناهض و ممثلي الهامش مع الاهتمام اللازم بتماسك المؤسسة العسكرية باعتبارها عمقا استراتيجيا للأمن القومي المصري.

من خلال الحوارات و المساجلات مع الدكتور هاني كان يري ان ازمة السودان هي ازمة (بنيوية) مرتبطة بتطور الدولة السودانية و تصورات النخب التي هي ايضا ضحية لثقافتها الذاتية ونسيجها النفسي.

كان كثير التكرار ان الثقافة السودانية التي تميل الي تمجيد القبيلة و ( التنبر) و كثيرا ما يستشهد بالمقطع الشهير ( نحنا ناس نقعد نقوم علي كيفينا… و نحنا في رقاب الناس مجرب سيفنا) ، و ينتقد دون ان يعبر عن ذلك علنا ان تمجيد الثقافة القولية و الفخر  وتمجيد الذات ( التنبر) اهم في الثقافة السودانية من الفعل و الانجاز الواقعي.

و كان يتصدي لجوهر نظرية  النقد السودانية تجاه روح الوصاية و عقلية ( الاستعلاء المصري)، و تنميط الشخصية السودانية في السينما المصرية  و تجسيد شخصية ( عثمان البواب) و تصويره بانه ساذج سريع الغضب و الانفعال، كان يرد بهدوء انه من صعيد مصر، مستشهدا بصورة الصعيدي النمطية في الثقافة المركزية المصرية المرتبطة بالسذاجة والبداوة و الهبل، وانه وسيلة للاضحاك و الترفيه و سرد النكات عن تصوراته و افعاله. و قال ان تنميط صورة السوداني ، تشابه تنميط صورة الصعيدي. لكنه لا يبتئس  بل يحاول ازالة التنميط بمزيد من الوعي و الانجاز و اثبات الذات و الثقة بالنفس.

حظيت بآخر حلقة سجال فكري مع الدكتور الراحل هاني رسلان بمكتبه قبل اربعة اشهر من رحيله و التي امتدت لاربع ساعات متواصلة، و اعاد علي مسامعي مجمل انتقاداته و تحفظاته علي مبادرات تفعيل العلاقات، و كان شديد القناعة ان الاسلاميين في السودان تسببوا في اضعاف و نسف العلاقات بدرجة لم تصل اليها منذ عهد الفراعنة. و ان اضعاف العلاقات و التآمر علي مصر هو جزء من اهدافهم  السياسية لاستدامة نظام حكمهم علي السودان.

وكان في دخيلة نفسه يري ان نظام الانقاذ كان انتهازيا حيث لم يقدر لنظام مبارك التنازلات التي قدمها لدعم السودان  ، و في المقابل اظهر نظام الانقاذ شماتة علي سقوطه، مما جعل هاني يشمت بمرارة فاقعة عند سقوط البشير، مع ألسنة حداد في النقد و ضيق مساحة التسامح مع تاريخ الانقاذ في الحكم الذي ينسب اليها كل اختلالات و ازمات السودان الراهنة.

رغم نوازل المرض كان رحب الصدر و هو يرد علي التساؤلات المرتبطة بسد النهضة و تقاعس مصر في الدفاع عن وحدة السودان وحيادها تجاه عملية الانفصال، و كذلك الفيتو  المستتر للدولة المصرية تجاه مشروعات المياه والتوسع الزراعي في السودان.

افضل من قدم مقاربة نظرية  للعلاقات بين مصر و السودان هو الدكتور و الاكاديمي محمد بشير  حامد وزير الاعلام في الفترة الانتقالية ( ٨٥-٨٦) الذي شبهها بعلاقات توازنات القوة بين فلندة و الاتحاد السوفيتي سابقا، اي التوازن الاستراتيجي لمقدرات القوة لدولة مركزية مهيمنة مقابل دولة  ضعيفة و هشة. هذا رغم قناعتي ان السياق التاريخي لهذه المقاربة هو ما اصطلح علي تسميته ( زواج المتعة) بين بريطانيا و فرنسا وهي علاقة رغم التوترات التاريخية والسياقات الحضارية و الاختلافات الثقافية و اللغوية استطاعت ان تحتفظ بحيويتها وان تقاوم التناقضات التي تختزنها في صيرورتها التاريخية.

فقدت العلاقات الفكرية و الثقافية المصرية السودانية برحيل هاني رسلان ركنا اساسيا، و ترك فراغا كبيرا ، حيث نجح  جزئيا في تأسيس صوت مستقل داخل مؤسسات الدولة المصرية و ظل ينبه و ينوه الي ضرورة الاهتمام بتطوير العلاقات بين مصر و السودان، و انها لا تقل اهمية عن ارتباط مصر بقضية الشرق الاوسط. فان كانت قضية فلسطين و العلاقة مع اسرائيل هي مركز الثقل الدولي و الاقليمي لمصر فان قضية السودان هي محور الامن القومي المصري و مرتكز التكامل الاقليمي و دونها لن يصدق وصف المؤرخ هيرودس ان مصر هي هبة النيل. كان هاني يعترف علي استحياء ان بعض النخب المصرية غير مواكبة للتطورات الجارية في السودان خاصة مواقف الاجيال اللاحقة التي فقدت حميمية الارتباط التاريخي بمصر ، الذي ميز جيل الاستقلال، و انها تتطلع لعلاقات تقوم علي الندية و المصالح لا كسب الولاءات بالترغيب و الترهيب.

بالقدر الذي بذل فيه هاني جهدا في رفع مستوي اهتمام الدولة بقضية ملف العلاقات مع السودان، عاني ايضا من حملة التشكيك بفعل الحمولات التاريخية و محاكمة النوايا مع الناشطين السودانيين خاصة في وسائط التواصل الاجتماعي. وكان هاني شديد التبرم و الضيق من انتقادات بعض الناشطين التي كانت تصل لدرجة المخاشنة اللفظية بدافع المشاكسة و الغيرة الوطنية.

فقدت العلاقات السودانية المصرية برحيل هاني رسلان ركنا اساسيا ظل يرفد تفاعلات هذه العلاقة بالمنتديات و المنابر والمبادرات و الحوارات و تشجيع متخذي القرار علي رفع الاهتمام بتطوير العلاقات، و استطاع ان يطور صداقات و علاقات شخصية مع معظم المثقفين و الفاعلين في مختلف الوان الطيف السياسي. و بادله السودانيون هذا الشعور بالصداقة و الامتنان. لكن وان رحل جسدا ستبقي روحه تحلق بيننا وتحض علي رسالته التي انفق فيها جل شبابه الغض و هو الارتقاء بالعلاقات بين البلدين علي اساس الندية والاحترام و تبادل المصالح و صون خصوصية العلاقات بين البلدين. و ان مسكوكات العلاقات الازلية و التاريخية و العواطف الشعبية لا مكان لها في سياقات اعادة بناء العلاقات علي اسس جديدة.

الا رحم الله الدكتور هاني رسلان وجعل الجنة مثواه.


khmudad@gmail.com

 

آراء