ايلا بين نجاحات الشرق ومضاغطات الجزيرة
i.imam@outlook.com
لم يكن أحد يتوقع الاستقبال الشعبي الذي استقبلت به جماهير ولاية الجزيرة، واليها الجديد الأخ محمد طاهر ايلا، سيواجه هذا الوالي بعد بضعة أشهر مضاغطات من المجلس التشريعي لولاية الجزيرة. أحسب أن الأخ ايلا لم يكن فرحاً جذلاً للنقل غير المتوقع من ولاية البحر الأحمر إلى ولاية الجزيرة، ولكنة أذعن للقرار الرئاسي، باعتبار أن هذا تكليف رئاسي، وثقة من الأخ الرئيس عمر البشير، في أن ايلا قد يُحدث تطورات ويُلقي بحجره في مياه الجزيرة الراكدة. وأنه رجلُ تحدٍ عرفته المواقع الوزارية والولائية التى شغلها طوال عهد الإنقاذ. لمست ذلك، تلميحاً وليس تصريحاً منه، في محادثة هاتفية جرت بيني وبينه في مساء انعقاد المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني، بغرض إعلان التشكيل الوزاري الجديد آنئذ. فقد كنت أرسلت اليه رسالة هاتفية أبلغه فيها بوفاة صهري والد زوجتي. فلم أكن أعلم أنه وقتذاك كان فى اجتماع للمكتب القيادي للمؤتمر الوطني تجري فيه مداولات التشكيل الوزاري الجديد، وتعيين الولاة أيضاً. فأفادني بأنه لم يلحظ هاتفه الا اللحظة، فخرج لتوه لتقديم واجب العزاء لي ولأسرتي في فقدنا الجلل، حيث علمت منه أنه سيتم تعيينه والياً للجزيرة. والمعروف أن ايلا هو الوالي الوحيد الذي علم بأمر تعيينه من الأخ الرئيس عمر البشير قبل إعلان التشكيل الوزاري الجديد آنذاك، حسبما ذكر الأخ الرئيس عمر البشير نفسه، أنه لم يُعلم أحداً من الولاة بتعيينه باستثناء الأخ محمد طاهر ايلا.
وفي رأيي الخاص، لم تكن جماهير ولاية البحر الأحمر راضية عن هذا القرار الرئاسي الذي نزع منها فلذة كبدها، وألقى بها في يم الجزيرة المضطرب، وترك فؤادها فارغاً، كفؤاد أم موسى، ولكن أهل الشرق عُرفوا منذ قديم الزمان، بأنهم من الذين يُنزلون في أنفسهم قول الله تعالى: "وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". عليه ارتضوا بالأمر الواقع، رغم ما بهم من خُصاصة، يعلمون علم اليقين أن ايلا لو استمر معهم في قيادة السفينة لعبر بهم أمواج البحر الأحمر الهادرة، باطعام من جوع، وبأمن من خوف.
جاء الأخ محمد طاهر ايلا لمواجهة هذا التحدي الكبير الذي وضعته فيه الرئاسة. وأظن – وليس كل الظن اثماً – أنه حسب بذات الهمة والآلية والأسلوب التى عمل بها في ولاية البحر الأحمر، سيعمل جاهداً في انفاذ سياساته بولاية الجزيرة. وغاب عنه اختلاف الشعوب، وخُلف الساسة. فشعب الجزيرة المضياف أحسن ضيافتة، استقبالاً وتأييداً، ولكن بعض ساستها الذين عُرفوا من قديم الآماد بخُلفهم واختلافهم بدأوا يضعون في مسيره العوائق والعراقيل، ويشكلون مضاغطات جمة، من خلال وضع المتاريس في مساره.
عُرف الأخ ايلا أنه من المدرسة السياسية التي تؤمن بأن النهضة والاستنهاض لا يتأتيا إلا بالعمل التنفيذى الشاق، وصولاً الى الولاء والبراء السياسي لحزبه، ولذلك لم يستوعب بعض ساسة أهل الجزيرة، لا سيما بعض أعضاء المجلس التشريعي لولاية الجزيرة هذه المزاوجة بين العمل التنفيذي والعطاء السياسي. عليه خلقوا له كثير مضاغطاتٍ، وحجاجهم فى ذلك، أن ايلا أحدث بعض التجاوزات في إدارة الولاية، لأنهم اعتادوا الأساليب التقليدية والبيروقراطية العقيمة في العمل الإدارى والسياسي. بينما ايلا أراد أحداث نقلة نوعية في أساليب العمل الإداري التنفيذي والنشاط الحزبي السياسي، لم يألفة أولئك القوم. واختط بعض مخالفي ايلا خطة شمسون الجبار "علي وعلى أعدائي"، فيريدون الهدم ويريد ايلا البناء.
مما لا ريب فيه، أن ما يحدث في ولاية الجزيرة من صراعاتٍ وتقاطعاتٍ وتبايناتٍ سياسيةٍ بين الوالي والمجلس التشريعي الولائي فيه قدر من الاختلاف على المنهج الذي يسعى ايلا لإنفاذه في التقويم والإصلاح، ومعالجة الخلل الإدارى والقصور السياسي، بأسلوبه الذى اتبعه في ولاية البحر الاحمر، فلم يجد هناك من صراعات وتقاطعات وتباينات سياسية مثل التى وجدها هنا، وان كان لم يسلم من ملاججة قلة من معارضيه. أحسبهم الآن يتحسرون على معارضتهم لايلا. شكى بعض معارضي ايلا في ولاية الجزيرة من أنه مارس عليهم قدراً من التهميش في الحزب والإقلال من دورهم ومشاركتهم في مشروعاته الطموحة.
أخلص إلى أن، ايلا ينبغى أن لايغفل عن بعض هؤلاء المعارضين من اعضاء المجلس التشريعي في ولاية الجزيرة الذين يسعون الى هدم المعبد على من فيه أو يأتسون بالصراع الذى كان دائراً قبل بضع سنوات بين الأخ عبد الرحمن أحمد الخضر والى ولاية القضارف آنذاك والأخ كرم الله عباس رئيس المجلس التشريعى بولاية القضارف وقتذاك، أملاً منهم أن تكون مُخرجات صراعهم مثل ذالكم الصراع الذي أدى إلى استقالة الاثنين معاً. كما بنبغى أن يدرك الأخ ايلا أن ولاية الجزيرة تختفى فى خارطتها السياسية المنظومات الجهوية والمناطقية التى قد تكون خير معين في مثل هذه الصراعات والتقاطعات والتباينات السياسية. فالمأمول أن يستفيد ايلا من نجاحات الشرق في تجاوز مضاغطات الجزيرة.
نحن أبناء الشرق أحرص ما يكون أن ينجح الأخ محمد طاهر ايلا في ولاية الجزيرة حتى يكون جديراً بالثقة الرئاسية من أن عطاءه لا ينبغى أن يُحصر في الشرق بين أهله، بل ينداح في ولايات السودان الأخرى، ليكون جُهده وعطاؤه وطنياً مخلصاً، وليس ولائياً حصرا.
ولنستذكر معه فى هذا الصدد، قول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبيء:
و إذا كانت النُّفوسُ كِباراً تَعِبَت في مُرادِها الأجسامُ
وقول أمير الشعراء أحمد بك شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا