بأسهم بينهم شديد

 


 

 

 

(1)

أكثرنا القول في مسلك الجماعة، التي تبدأ بالأسرة عندهم، والمكونة من خمسة أشخاص. قائدهم أحدهم، له سابقة في التنظيم. يتعلمون أولاً كيف يطيعون أميرهم. ليس بالضرورة أكثرهم كفاءة، فأمير الجماعة هو المطاع وهو المؤتمن. من تحته " تتنزل " الأموال المخصصة للأسرة وضبط الطاعة. فالمال هو وسيلتهم في صيرورة التنظيم. أليس المال والبنون زينة الحياة الدنيا؟. توقفت أغراضهم عند نفرة المال. فأبناء الفقراء في الأرياف البعيدة الذين لم ينعموا بالخير، هم في الأصل عند التنظيم " قطط مُغمضة الأعين "، لن ترى إلا ما يراه التنظيم، ويسهل قيادهم، فالأرياف الوادعة طيب أهلها، فقد ألفوا الطيبة والوداعة، و(قول كل شيء ) وهنا يتعلم الملتزم ألا يقول كل شيء. وقد طوعوا أقوال العقيدة المقدسة :
( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان)
وقد أفاد الجماعة بوضع هذا القول المقدس، قاعدة يبنون عليها تنظيمهم الأمني.

(2)
صمت بعضهم، وقد صدمتهم ثورة الشباب، ولجمت الدهشة ألسن القادة الإخوانيين. واستبدل بعض القادة الحديث عن أن موجة ثورة ديسمبر 2018 وما بعدها، سيكون مصيرها مصير الموجة السابقة عام 2013. كانوا يرونها موجه مد عابرة، وليست تسنامي يقتلع أشجارهم من جذورها. لذا بدوءا يطلقون مصطلحات عفى عليها الزمان. قالوا مخربين ، ثم كرروا نغمة ( شذاذ الآفاق)، ثم قال أحد كبرائهم: سنبعث لهم بجنود من سرية الحركة الشبابية المنتمية للتنظيم، تجتث شأفتهم. ثم حذر آخر أنه سينقضي أسبوع وهدد الثوار أن منْ يخرج سيجتز رأسه!.
ليس ذلك بغريب على التنظيم، فقد خبرنا إفلاسهم، مع بقاء التنظيم يبني في دولة الأمن، وأستورد لها معدات لا يفهمها المشتغلون بها. حتى صارت عبثاً وعبئاً على مصروف الدولة ،وصارت الدولة ريع لقنوات التنظيم.
أليس غريباً أن يكون هناك جيش من الملثمين يطلقون الرصاص ويضربون بالعصي المواطنين العُزّل ؟، وسيارات يستعملونها ليست لها أرقام ، في بلد استوطنه الإخوان المسلمين بدأ من مرحلة الشباب إلى مرحلة الخرف، ثلاثين عاماً. عرفنا أن التنظيمات في الدنيا تذيب الناس والعتاد في أجهزة الأمن والمخابرات، ويطلقون عليها ما شاءوا من الأسماء. فثلاثين عاماً كنا نأمل أنهم سيتعلمون، فالحمار مع الزمن والتكرار يتعلم، فكيف فشل هؤلاء؟

(3)
أهو خوف من تصوير بعض القتلة؟
يا له من عار ملتحف بقوانين الشرع. تقادمت أساليب المكر، وصار اللعب مكشوفاً حتى على عقول الأطفال. نعرف أن القوات النظامية منذ ثلاثين عاماً أصبحت مرتعاً لصبية الإخوان المسلمين، وكذلك القضاء والدبلوماسية والخدمة المدنية. وصارت معاينات الوظائف: اقرأ ما تيسر من آي الذكر الحكيم، كي يعجزونك بالحفظ، إنهم لا يبالغون، فقد أصدر رأس الدولة قراراً بأن من يحفظ القرآن يمنح شهادة البكالوريوس!.
نعم فاقد الشيء يمنح ما يشاء، فقد عينه من ذهب للسجن ظاناً الخداع، فالحرب خدعة! .أي حرب أقاموها على الشعب الطيب الذي لم يحرمهم من أي شيء، فقد تعلم فقراؤهم من ريع الدولة المجاني، وكانت الداخليات مرتعاً لصبيتهم، فقضوا فيها السنوات، دون أن يزورا أهلهم في الأرياف، واستبدلوا الأسرة الطبيعية بأسرة التنظيم .
وذاق كبيرهم الذي علمهم السحر، من ذات الشراب المُسكر الذي خمَّره للآخرين. وطردوه من السلطة شر طردة. وصار يتجول يرزم ويزبد بحسرته، ويحاول قلب الطاولة: علي وعلى أعدائي. ويسرد دون خجل كيف أجرمت عصابته التي انتقاها، وكان هو الشاهد، الذي يعرف فقه جرم الشاهد أو الشيطان الذي يصمت، وهو من درس فقه القانون !!. فكان كالحمار يحمل أسفارا...

(4)
تجربة ستمضي بقذارتها، سوداء في تاريخ أمتنا. تعطيل لوطن وشعب كنا نفاخر بهما، وصرنا نخجل من وثائقنا الثبوتية الإجبارية، كأنها سبة. نتلصص بها كي لا نُعرف بها ونأثم بالانتماء للتنظيم، ونحن لا ندري حجم الوقيعة بيننا وبين كل بشر العالم. ماذا جنينا في عمرنا ليمرغنا التنظيم في وحل أوساخه؟.
جرب التنظيم علينا كل أنواع الجهالة المركبة، وصرنا حقلا للرزايا، وصار وطننا العفيف مقلب نفايات الآخرين، يطمرون فيه أوساخهم، ومع ذلك يصم أذاننا الإخوان المسلمين بدعواهم الدفاع عن الشرف والأخلاق والدّين، ويقولون : لا نسجد إلا لله. ففاقد الشيء لن يعطيه. لمسنا وضاعة التنظيم وجري أفراده وراء النقائص، جري الخيل في السباقات. كل ما يطلبونه هو المال والنساء، ومغانم الناس والدولة بشره يقطر من بين أفواههم. وعرفنا عنهم صناعة الرزق من كل شيء، يسوقون كل شيء للبيع ثم يظفرون بالربح والمغنم. يغرونك بكل شيء، ويأخذون عليك وصل أمانة، إن تُحيد يضبطونك ويربطوك في حجر الرحي، ولا يعرفون الغفران في عرفهم كالجمال. علّمهم كبيرهم بحمل الأحقاد حتى إلى القبر. من يخرج عليهم، يوصلونه الفاقة على البساط الأسود، فيمد يديه يطلب الرحمة فيقولون له : الله يرحم ..أما نحن فلا. ويخيّرونه بلعق الحذاء والوضوء بالتراب، والطاعة العمياء عند الشدة والمكره.
بأسهم بينهم شديد، ولكنهم يحاولون حفظ القارب طافياً في النهر بهم وبأبناء التنظيم وبناته. فلا هم غارقون ولا سوف ينجون هم بأفعالهم.

عبدالله الشقليني
5أبريل 2019

alshiglini@gmail.com

 

آراء