بإحتمالات العنف والشرعية: المعارضة … سلاح المقاطعة يهدد الانتخابات .. تقرير: خالد البلوله ازيرق

 


 

 

 

كل مؤشرات الحراك الانتخابي تذهب بإتجاه مقاطعة مرشحي الرئاسة للانتخابات اذا لم يجدوا الرد الشافي من مفوضية الانتخابات لمذكرتهم حسبما أعلنوا أول أمس، في وقت تعقد فيه احزاب المعارضة اجتماعاً في دار وتفض آخر في دار اخرى، والمؤتمر الوطني يتمترس عند موقفه «لا تأجيل» والحركة الشعبية تلقي باللائمة على المؤتمر الوطني في رفضه الاستماع للاحزاب، وحالة الشد والجذب بين المتنافسين ترتفع وتيرتها كل صباح جديد، حتى قادت تطوراتها لإلغاء اجتماع مؤسسة الرئاسة أمس، والغموض يخيم على اجواء العملية الانتخابية، ويرسم أكثر من علامة استفهام حول مستقبل الساحة السياسية.

 

فالحراك الذي تنشط فيه الاحزاب السياسية فيما بينها، وبدعم ومشاركة الحركة الشعبية، وانضمام الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني لماراثون اجتماعات المعارضة للمطالبة بتأجيل العملية الانتخابية، تحركات تشير حيثياتها المنظورة من خلال تعاطي هذه الاحزاب مع الواقع السياسي الى أنها تتجه لمقاطعة العملية الانتخابية، وربما تكون هذه النتيجة هي التي عناها الاستاذ فاروق أبوعيسى رئيس هيئة قوى الإجماع الوطني، بقوله إن «المسألة انتهت» في إشارة الى ان القوى السياسية تتجه لمقاطعة العملية الانتخابية أو ربما اتخذت القرار في دهاليزها، بعد فشل محاولات التأجيل التي تطالب بها هذه الاحزاب، ويبدو ان قرار «الخميس» المرتقب لمرشحي رئاسة الجمهورية حول مسار العملية الانتخابية الذي أعلنوا اتخاذه بناء على نتائج مذكرتهم التي رفعوها للمفوضية القومية للانتخابات سيشكل الموقف الذي تسير عليه الأحزاب والقوى السياسية الاخرى.

اذاً تعقيد جديد يطل على المسرح السياسي مجدداً، يضع العملية الانتخابية المرتقبة في الحادي عشر من ابريل امام مسارين، الاول أن تجري الانتخابات مع مقاطعة كل القوى السياسية الفاعلة والمعارضة وتكون بذلك الانتخابات مشكوك فيها، وان لا تجد الحكومة المنبثقة منها «الاعتراف» من هذه الاحزاب وتكون بذلك قد كررت هذه العملية الانتخابية، انتخابات الانقاذ «1996-2002م» خاصة بعد أن رفضت المفوضية لغة التهديد الزمني في مذكرة مرشحي الرئاسة ووصفتها بالاسلوب غير المثالي للحوار، وإعلانها المسبق بأنها «ستجري الانتخابات بمن حضر» الامر الذي ربما يرشح الانتخابات بأن تكون قابلة للعنف بصورة اكبر بحسب مراقبين، وتكون بذلك العملية الانتخابية التي كان يأمل ان تحقق الاستقرار السياسي في البلاد، قد نقلت المسرح السياسي للعنف بدلاً من التحول الديمقراطي. والمسار الثاني: ان تقود مقاطعة القوى السياسية حال إتجهت الساحة السياسية لحرب اعلامية الى دفع الحركة الشعبية المتحكمة في مفاصل الجنوب الى اتخاذ قرار بعدم اجراء الانتخابات في الجنوب، وتكون بذلك العملية الانتخابية قد فقدت ثلث الناخبين، الامر الذي قد يضطر المفوضية لإلغاء العملية برمتها، ومن ثم يدخل المسرح السياسي مجدداً مرحلة جديدة في بحث ترتيبات ما بعد التأجيل والمقاطعة وإفرازاتها السياسية والدستورية. ولكن الدكتور حمد عمر الحاوي استاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا، قال لـ»الصحافة» ان المنطق والعقل أقرب للتأجيل، واسلم طريق للملمة ما يجري في الساحة ان تؤجل الانتخابات،، لأن انتخابات بدون ان يشارك فيها الجميع لا تغير الواقع ولا تطفي عليها شرعية حقيقية، خاصة ان دواعي التأجيل التي تطالب بها المعارضة لها علاقة بضمان الحيدة والنزاهة وان الوقت المتبقي لا يسمح باصلاح الوضع، بالتالي ما هو متاح هو التأجيل، وأضاف الحاوي «ان الحكومة اذا اصرت على الانتخابات ستكون بلا معنى» وقال ان الاشكال الحقيقي ليس في التأجيل وانما مناقشة ما بعد التأجيل واسس المعالجات، هل تستمر الحكومة بشكلها هذا، ام تشكل حكومة قومية، وأشار الحاوي الى ان الإصرار على التأجيل بدون مناقشة ما بعده، يضعف مسألة الوصول لتأجيل، بالتالي يجب ان يترك الحديث عن التأجيل لمناقشة ما بعده، وماذا يريد المطالبون بالتأجيل وماهي مخاوف الرافضين» وقال الحاوي ان السيناريوهات المتوقعة على ضوء التعقيدات الحالية التي تكتنف العملية الانتخابية، هي ان يصر المؤتمر الوطني على موقفه وقد تلتحق به بعض الاحزاب «الشعبي والاتحادي الاصل» ومع مقاطعة المعارضه يجعل الانتخابات مشوهة، والسيناريو الآخر ان يؤدي موقف المقاطعة او اجراء انتخابات بدون تراضي الى انفجار الموقف وحدوث بلبلة قد تعرض البلد لعدم الاستقرار».

وتبدو الساحة السياسية منقمسة في موضوع تأجيل الانتخابات الى ثلاثه فرق، فريق يطالب بالتأجيل، بغرض معالجة اختلالات في مفوضية الانتخابات التي اتهموها بعدم النزاهة والحيادية، ومعالجة قضية التعداد السكاني بصورة ديمقراطية ودستورية، وحل مشكلة دارفور وإلحاق الحركات المسلحة بالعملية الانتخابية، وهذا الفريق تقوده احزاب قوى الاجماع الوطني وإنضم له الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني، وفريق ثاني يرفض التأجيل، وهذا الفريق يقوده «المؤتمر الوطني» الذي يرفض التأجيل ويرى انه تهرب من الاستحقاق الديمقراطي ويتهم الاحزاب بأنها تسعى للتأجيل للدخول في حكومة قومية بدون انتخابات، وإنضم إلى هذا الفريق المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي الذي يرى بضرورة اجراء الانتخابات في موعدها بإعتبارها فرصة لإحداث كثير من التغيير في بنية النظام وان ذلك افضل للقوى السياسية من تأجيل قد لاتجني من ورائه فائدة، وهناك فريق ثالث، هم «المستقلون» وهؤلاء في مجموعهم وفرصهم في الفوز قد يتفوقون على كثير من الاحزاب، وكونوا رابطة بإسمهم، ولكنهم لم يبدوا رأياً حتى الآن في عملية التأجيل، وان كانت حملاتهم الانتخابية تمضي بإتجاه الاستعداد للانتخابات أكثر من التفكير في التأجيل. ولكن الدكتور ابنيقو أكوك مدير معهد السلام والتنمية بجامعة جوبا، قال لـ»الصحافة» ان الوضع القادم في الساحة السياسية سيكون صعباً، وأن كل الاحتمالات وارده فيه لأن الاحزاب تمتلك الأغلبية الجماهيرية ولها تأثير في الشارع، وقال ان الحديث عن تأجيل الانتخابات جاء في وقت تبقت فيه للعملية الانتخابية ايام معدودة، مشيراً الى أن الجهة التي تمتلك حق التأجيل أو الالغاء هي مفوضية الانتخابات وليست أية جهة أخرى، وقال إن قانون الانتخابات وضح كل الاشياء المتعلقة بالانتخابات وأن التأجيل لابد ان يكون لسبب مقنع للمفوضية، واضاف «اذا لم تجرِ الانتخابات كيف سيشارك المعارضون في السلطة، لأن استمرار الوضع الحالي يعني ان يكون هناك صراع، وهذا الصراع لاينتهي إلا بالانتخابات» وقال أبنيقو ان المدخل الوحيد لاصلاح المسرح السياسي ان تقوم انتخابات لإحداث التحول الديمقراطي سواء كانت سليمة او غير سليمه، مشيرا الى ان كثيراً من السياسيين يتحدثون خارج قانون الانتخابات والدستور واتفاقية السلام التي نصت على ان المدخل لتنفيذها هو الديمقراطية».

وإن كانت الحركة الشعبية تمضي بحسب تصريحات قادتها مع قوى الاجماع الوطني الداعية لتاجيل الانتخابات، إلا أن ذلك التأجيل ربما يقودها لتعقيدات وقضايا اخرى، خاصة «اجراء الاستفتاء في موعده» لذا يرى البعض أنها ربما تذهب لإنتخابات جزئية في الجنوب لإختيار حكومة منتخبة تتولى اجراء عملية الاستفتاء، ولكن ذلك يصطدم برؤية شريكها في الحكم المؤتمر الوطني الذي يشير الى أن تأجيل الانتخابات يعني تأجيل عملية الاستفتاء، قبل أن يقطع الرئيس البشير امس بأن ليس للحركة حق الحديث عن تأجيل الانتخابات وأنه اذا رفضت الحركة الشعبية اجراء الانتخابات فإنهم سيرفضون قيام الاستفتاء واضاف «انه لن يقبل بتأجيل الانتخابات ولو ليوم واحد». ولكن الحركة الشعبية ترى بأنه لا علاقة بين اجراء الانتخابات وحق تقرير المصير، وكان مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية ياسر عرمان قال اول امس «ان الاستفتاء قائم في موعده شاء من شاء وأبى من أبى».

اذاً المسرح السياسي موعود بكثير من الخلاف السياسي، والجدل القانوني، اذا ما اقدمت الاحزاب المعارضة الى مقاطعة العملية الانتخابية، وشرعية الاعتراف بها وقبل ذلك سلامة المسرح السياسي من اي عنف قد تقود له المقاطعة، مقاطعة قد تغير كثيراً من الحسابات، وقد تربك كثيراً من المواقف، في وقت تبقت فيه عشرة ايام لفتح صناديق الاقتراع، والايام القادمة ستفصح عن كثير مما يدور في أذهان المتابعين!!.

khalid balola [dolib33@hotmail.com]

 

آراء