باقان أموم والخصومة التي ضلت طريقها

 


 

د. زاهد زيد
14 December, 2010

 


zahdzaid@yahoo.com

إذا كان هناك ما يجمع بين الطيب مصطفى و باقان أموم فهي الصراحة والتطرف فكلاهما صريح لدرجة الازعاج وكلاهما مغال في مواقفة لدرجة القلق ، لذا فلا عجب أن يكون بينهما هذا الكم من المشاحنات والمدافعات وما دامت الحركة ستسقل بالجنوب وأن الإنقاذ مسيطرة في الشمال فالخوف أن يسيطر هذان التياران على مجريات الأمور في الشمال والجنوب فندخل كلنا في نفق لاخروج منه.
ففي لقائه الصحفي الذي نُشر في الصحف ، لخص باقان أموم مجمل قضية الانفصال في عنصرية أهل الشمال خالطا عن قصد بين الشمال وحكومة الإنقاذ وهو يعلم تماما من هم أهل الشمال الذين احتضنوه وعلموه فتنكر لهم وليس بغريب على كثير من الجنوبيين الذين لم يحفظوا جميلا ولم يراعوا عشرة لكثير من الشماليين الذين قتلوا غيلة على يد من ربوهم في بيوتهم كأبنائهم ، وكلنا شهد اعتداءاتهم على العزل والاطفال والنساء في حادث طائرة جون قرنق الذي لم يكن لسوداني فيه يد ، ولم يجروء لا باقان ولا غيره من قادة الحركة على اتهام جارهم الذي تشير كثير من الدلائل على تورطه في التخلص من القائد الوحدوي بعد أن رفض بكل شمم التآمر على وحدة البلد ، ولو قدرت له الحياة لظل باقان يبتلع حقده وعنصريته ولما تجرأ على الخروج عن تلمذته للقائد حتى اليوم.
يناقض باقان نفسه في كل إجابة في ذلك اللقاء الذي يحاول فيه مستميتا التبرير لخيانته لمبادئ قائده الراحل مبديا ما يعتمل في نفسه من عقدة النقص التي لم تسمح له بالرؤية أبعد من حرية متوهمة من عبودية لاتوجد إلا في مخيلته . فقد ظل باقان وحركته خمسة سنوات كاملة شركاء للإنقاذ في حكم كل السودان ومنفردين بحكم كل الجنوب فماذا للجنوب ثم ماذا قدموا للسودان الوطن الكبير؟ وهل ارتفعت قاماتهم لمستوى شعاراتهم من أجل سودان جديد طالما صدعوا رؤوسنا بالتبشير به؟ وهل تطاولت قاماتهم لترتفع لمسئولية الوزاراء القوميين أم تخندقوا خلف اقليميتهم منتظرين يوم الخلاص الموعود؟
لقد أثبث باقان وحركته أنهم أقصر كثيرا من قامة السودان الواحد ، وأنهم مهما تطاولوا فلن يخرجوا من اقليمهم وسيظلون إلي الابد مكبلين بعقدهم ودونيتهم بالرغم من المكانة التي أعطتها لهم الإنقاذ والتي لا يحلم بها أي معارض في طول أفريقيا وعرضها. أعطتهم الإنقاذ كل الجنوب على حساب بقية الجنوبيين وأعطتهم ثلث الحكم في الشمال على حساب كل أقاليم البلد وجعلتهم وزراء ووظفتهم في كل مرافق الدولة وحرمت حتي الشماليين من ذلك ولم يعترض معترض لا من المعارضة ولا الحكومة أملا في أن يحدث باقان وحركته التوازن المطلوب ولكنهم لم يروا في بقية السودان إلا العنصرية والاستعمار.
الحقيقة المرة التي تتكشف يوما بعد يوم أن باقان و زمرته في الحركة لم يؤمنوا يوما بالوحدة ولا بشعارات السودان الجديد ، بل كانت زرا للرماد في العيون وتعمية عن هدفهم الذي ظلوا يعملون له بكل اخلاص وهو الانفصال وتفتيت بقية البلد. والدليل الذي هو أوضح من الشمس أنهم طوال خمس سنوات لم يتحركوا شبرا واحدا في اتجاه الوحدة وإذا كنا ندين الإنقاذ لعجزها عن جعل الوحدة جاذبة فالواجب الوطني يدعونا لتسجيل أشد الادانة لباقان ومن لف لفه من الجنوبيين في الحركة وسيسجل التاريخ سلبيتهم وتراخيهم المقصود عن دعم الوحدة .بل والعمل ضدها خفية واعلانا.
لقد خدعت الحركة الكثير من الناس في الشمال والجنوب ولم تقدم لهم سوى خمس سنوات عجاف أطالت بها عمر الإنقاذ في قمع الناس وزيادة معاناتهم فهم شركاء لهم بصمتهم ودعمهم لاستمرار نظام باتوا اليوم يتنصلون منه ويتهمونه بكل نقيصة بعد أن أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من هدفهم .
من الواضح تماما أن الرجل ليس به غفلة تجعله غير مدرك لخلطه المتعمد بين أهل الشمال والإنقاذ وخال الرئيس الذي ليس خالا لكل الشماليين. كما أنه لبس جاهلا بتسامح أهل الشمال الديني ليخلط بين تدينهم وما أتى به المتأسلمون من بدع غريبة ومرفوضة من كل ذي بصيرة وهو يعلم تمام العلم ان الحكومات الى زوال وأن الشعوب هي الباقية ومهما حكمت الانقاذ فمصيرها مصير كل مستبد ، فلم لم يتحصن بمبادئ الوحدة والسودان الجديد ولم لم يضع يده في يد الشرفاء من اهل هذا البلد ليزيل هذا الحكم المستبد ويبني معهم السودان الجديد ولم لم يسجل موقفا واحدا يحسب له لمصلحة الوحدة والتعايش السلمي؟ لم اختار هو وصحبه اسهل الطرق بالهروب انفصالا نحو الجنوب تاركا شعاراته رمادا تذروه الرياح ؟
يريد باقان أن يقنعنا بعدالة قضيته التي قادته للانفصال بعدما يئس من اصلاح الحال ! وكأنه لم يكن مشاركا في كل ما جرى في السنوات الخمس التي مضت؟ فأين مواقفه من تزوير الانتخابات وأين كانت مبادئه والنظام المتحالف معه يصادر الحريات ويقمع المعارضين؟ وأين مساهمة حركته في حل مشكلة دارفور ؟ كل حصاد الوطن منهم مجرد كلام لا يغير واقعا ولا يصحح خطأ.
ومع كل ذلك لا يبشرنا باقان بانفصال مسالم ولا تعايش آمن بل يلوح بنذر حرب لا تبقي ولا تذر بسبب أبيي وهو لا يزال وزيرا قوميا للسلام. لا أدري هل هي سخرية القدر أم كم فيك يا سودان من مضحكات مبكيات؟
 

 

آراء