باقان وعرمان: ما قبل الخطوة الأخـيرة..!
13 December, 2009
diaabilal@hotmail.com
هناك عدد من الحقائق الغائبة والمعلومات المنسية، في وضعية العلاقة القائمة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية..وأعتقد- غير قاطع بالجزم- أن مردها أسباب بالغة الدقة، والحساسية. بعضها مرحّل من أرشيف العلاقات القديمة. والبعض الآخر مستجد من يوميات الراهن.
حالة الإستقطاب الحاد في المشهد السياسي اليوم، تقتضي وجود منطقة إفتراضية، توفر موضع ومكان آخر لرؤية ثالثة. يمكن من خلالها تسليط الضوء على بعض المناطق المعتمة، أو ربما يصح الوصف بالمناطق المنسية، في ظل الهياج و حمى التلويح بآخر الخيارات.
-----
تقسيم أولي
ببساطة ..التوتر المزمن في علاقة الشريكين لا علاقة له بالإختلافات النصوصية على القوانين..هذه القضية واحدة من مسارح الصراع وليست جوهر الصراع.
الحركة الشعبية تتحرك على مستويين:
الأول/ مستوى يمثله سلفاكير قائد الحركة الشعبية وبعض الرموز القيادية أمثال رياك مشار ولوكا بيونق.. وهذه المجموعة ذات نزوع إنفصالي تتسرب روائحه في بعض الأحيان من التصريحات والمواقف... وهى حريصة على الترتيبات الإنفصالية أكثر من حرصها على بذل الجهود لدعم خيار الوحدة، او لجعلها جاذبة..وهذه المجموعة هي الأحرص على تجنب الإحتكاكات مع الشريك، ما أمكن ذلك، الا أن تضطر إليه في القضايا ذات الصلة بالإنفصال (أبيي، وقانون الإستفتاء، والمشورة الشعبية)..وهى في المقابل غير معنية بما يدور في الشمال بإعتباره مجالاً حيوياً للشريك تتجنب الإقتراب منه...!
والمؤتمر الوطني يرى فيها مجموعة يسهل التعامل معها والوصول لتفاهمات آمنة، في حال الوحدة وفي إحتمال الإنفصال.
المستوى الثاني/هي المجموعة التي يعتبرها التيار المؤثر في الوطني، بأنها تمثل العدو الإستراتيجي لحزبه، ومصدر الخطر الدائم..اذ انها تميل للتحرك داخل المجال الحيوي للحزب الشريك. بشهية مفتوحة. ودون خطوط حمراء..! أبرز رموزها (باقان وعرمان) .
ويعتقد انها تتحرك بأجندة تهدف في الأساس لإضعاف الشريك او العصف به خارج دائرة الحكم بكل الوسائل الممكنة..!
هذه المجموعة حريصة على الوحدة ولكن بشرط من اثنين:
الأول/ إضعاف الوطني إلى حد يقلل من تأثيره على الأوضاع في الشمال.
الثاني/ أو التخلص من الوطني في أسرع الفرص وبأنجع الوسائل غير العودة للحرب.
فلاش باك
بعد وفاة الدكتور جون قرنق وتقلد الفريق سلفاكير زمام القيادة..وضح من الأيام الأولى أن الرجل يرغب في إدارة الحركة بطريقة ونهج مخالف لسلفه..فقرّب كل من كان على خلاف مع قرنق (بونا ملول ولام اكول) .وأبعد في المقابل كل من كان ذا صلة وثيقة بقرنق..فجاء موسم الهجرة الإحتجاجية.
عرمان إلى امريكا للدراسة، وعبد العزيز الحلو إلى امريكا للعلاج، ونيال دينق إلى لندن للإستقرار، ومضى دكتور منصور خالد إلى مؤسسة الصمغ العربي، وقل دوره السياسي في منصب المستشار.
وفي الجانب الآخر تصاعد دور تيلار دينق واليوأجانق ولام اكول في ساحة الحركة. وكان بونا ملول بمثابة الأخ الأكبر لهذه المجموعة.
الوطني .. يرصد ويتابع
المؤتمر الوطني.. وهو يرصد ويتابع هذه التحولات الكبيرة، داخل الحركة رأى في الوضع فرصة مواتية للإ ستثمار السياسي..وصعدت في معايير تقييمه ذكريات التاريخ ومتاعب الراهن وهواجس المستقبل..فسعى لتوطيد علاقته بالمجموعة الجديدة. ومد العون لها ما أمكن، لحسم معركتها الداخلية ضد مجموعة باقان وعرمان.
ومن أهم الأسباب التي دفعت القيادة السياسية للوطني للأخذ بذلك الخيار، إضافة لتطلعات وطموح مجموعة (باقان وعرمان) في الشمال، هو اعتقادها الجازم ان هذه المجموعة تتحرك وفق محددات ورغبات الحزب الشيوعي وقوى اليسار.
ومن ضمن حسابات الوطني ان هذه المجموعة لا تتمتع بسند قبلي مؤثر داخل الجنوب وليست لها قوى عسكرية تعينها على الصمود ورد الهجمات بكل أشكالها.
الوجه الآخر
هذا التقييم صحيح إلى حد. ولكن هناك جانب آخر أكثر أهمية. وضح أن المؤتمر الوطني أخطأ خطأ كبيراً في تجاهله وعدم الأخذ به. وهو ان مجموعة (باقان عرمان) تتمتع بميزات في غاية من الخطورة والأهمية:
هذه المجموعة ليست ذات وزن في الجنوب الجغرافي للأسباب آنفة الذكر. ولكنها تتمتع بجماهيرية مقدرة في الجنوب الشمالي..وهو جنوب النازحين من الشباب والطلاب. الذين خرجوا لإستقبال قرنق في الخرطوم.
هذه المجموعة تتمتع بعلاقات دولية تفتقر لها المجموعة الثانية..ويبدو أن الأطراف الدولية تلك هي التى أعانت مجموعة (باقان وعرمان) في قلب الطاولة على المجموعة الأخرى.
هذه المجموعة تتمتع بمقدرات سياسية وتنظيمية خطيرة متجاوزة للمجموعة الأولى.
تجريد سلفا
هذه المعطيات هي التي أسهمت في تجريد سلفاكير من مجموعته وأضعفت وضعه. وأصبح لا يملك سوى مسايرة المجموعة الثانية، مسايرة مترددة، يتجاذبها الحذر والطمأنينة..!
فقد أبعد عنه - بغير احسان - بونا ملوال، وفصل تيلار و اليواجانق، ولحق بهم لام اكول، و في المقابل عاد نيال والحلو بعد عودة عرمان.
لقاء الوحل
المؤتمر الوطني.. وجد نفسه في مواجهة مجموعة طالما تمنى زوالها..!
أعتقد أن الوطني اختار الطريق الخطأ، حينما كان خياره الدخول في مواجهة مفتوحة مع مجموعة (باقان وعرمان)..فقد رفض ترشيح الحركة لمنصور خالد كوزير للخارجية.. ورد بعنف على ترشيح عرمان كمستشار رئاسي.. ومنع من دخول مكتب الرئيس.. وأخرج باقان من وزارة مجلس الوزراء. بعد أن شهدت فترة وجوده بالوزارة تهدئة وتحسن في العلاقة وكانت علاقة باقان ببعض الوزراء تقترب من أن تصبح صداقة..فقد تعددت إفطاراته مع وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين وذهبا معاً لقرية الأخير في الشمالية..وأسهما معاً في تهدئة الأوضاع في الميرم.
رد فعل
خطوات الوطني العقابية..ترتب عليها عودة العلاقة مع مجموعة الحركة الى مربع الوحل..وأصبحت لمجموعة (باقان- عرمان) رغبة عارمة، للرد على تلك الخطوات التي اجتمعت فيها المواقف السياسية بالشعور بالإهانة الشخصية..!
وأصبح مشروع (باقان وعرمان) في مناهضة الوطني، مشروعاً سياسياً، بمحفزات نفسية.. راغبة في رد الإعتبار!
والآن هذه المجموعة تعبر عن نفسها في تجمع جوبا، والإعداد للمظاهرات..وتضاعف الحافز النفسي بعد ما حدث في سياق مظاهرة الإثنين الأخيرة.
أخطاء
لكن مجموعة (باقان - عرمان) إرتكبت عدة أخطاء وهى تمضى في طريق المواجهة المفتوحة مع الشريك:
1/ وسعت هامش المناورة السياسية إلى الحد الذي يهدد أهم منجز وهو اتفاقية السلام..
2/ شظايا خطابها المعادي تجاوز المؤتمرالوطني ليصيب قطاعات واسعة في الشمال.. وتمثل ذلك في مطالبة باقان الكونغرس الأمريكي عدم رفع العقوبات عن الشمال والدعوة لدعم الجنوب..هذه الدعوة جعلت الكثيرين من غير الموالين للوطني يصطفون من خلفه.
3/ إختيار يوم الإثنين للتظاهر والإصرار عليه..سيفقد الحركة الكثير في الشمال..لأن هذا اليوم تحديداً من أيام الاسبوع ، يوم غير محايد، فهو ذو لون خاص..إذ انه يذكر الشماليين بالأحداث التي أعقبت رحيل دكتور قرنق..وهى أحداث لم تستهدف الوطني ولكنها كانت ضد كل ما هو شمالي.
4/ الحركة ظنت أنها ستستخدم القوى الشمالية كورقة ضغط على الوطني. فإذا بالقوى السياسية ذات الخبرة الطويلة في الصراعات، تستفيد من مجمل الموقف لتحقيق مصلحتها هي، بقطع خطوات مهمة تجاه تهديد مشروع الشريكين «اتفاق نيفاشا» وحكومته الإنتقالية.
كم تبقى من الزمن؟
1- المؤتمر الوطني عليه أن يتنازل عن ذكريات (الاقرع وبلل) ويراجع تصوره، بأن مجموعة باقان وعرمان واجهة من واجهات الحزب الشيوعي.
وقد أشار الرئيس البشير في خطابه بالمؤتمر العام للوطني الى دور يرتجى القيام به من قبل الشماليين في الحركة والجنوبيين في الوطني، لدعم خيار الوحدة ومن الممكن تطوير هذا التصور لخطوات أكثر عملية.
2- وعلى مجموعة (باقان وعرمان) أن تراجع موقفها تجاه البحث عن فرص خارج فضاء نيفاشا، فذلك سيكون ضياع للمعلوم، أثناء البحث عن مجهول.
3- وعلى القوى السياسية أن تتراجع عن الزراعة الموسمية في المساحة الفاصلة بين الشريكين. لانها مساحة يسهل نزع ملكيتها..!
إذاً..عليها البحث عن خيار خاص بها. لا يكون رهناً على تقلبات طقس العلاقة بين الشريكين..!
ترى..هل الوقت يكفي لبدايات جديدة..؟!!!