بثلاثة فقط.. خضها يا حزب الأمة! … بقلم: رباح الصادق

 


 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أصدر تجمع قوى الإجماع الوطني قرارا بمقاطعة الانتخابات مساء الخميس الماضي لغالب أعضائه بينما بقي قرار بعض الأحزاب مغايرا وبعضها معلقا وحسب الفقرة 2-ج من قرار قوى الإجماع المنشور في المنابر الإسفيرية والصحفية والفضائيات: (هناك أحزاب من قوى الاجماع الوطني قررت المضي بالمشاركة في الانتخابات مع اتفاقها التام مع بقية الأحزاب بأن الانتخابات غير نزيهة، وبانحياز المفوضية ولكنها تشارك فيها لمواصلة التعبئة وتوثيق الخروقات والقيام بالمقاومة عبر الانتخابات، كما أن هناك أحزاب تستكمل مشاوراتها عبر أجهزتها لتعلن موقفها خلال 24 ساعة.) حزب الأمة القومي انطبقت عليه الحالة الأخيرة حيث جلس أعضاء مكتبه السياسي طيلة نهار الخميس بدار الأمة منذ الثانية عشرة ظهرا وحتى الخامسة والنصف مساء يبحثون أمر مقاطعة الانتخابات أم الاستمرار ولم يصلوا لشيء ورفع الاجتماع لليوم التالي- الجمعة- بينما بمساء الخميس الأول من أبريل صدر بداره ذاتها قرار المقاطعة المشار إليه، ثم جلس المكتب السياسي للحزب طيلة يوم الجمعة –مصليا الجمعة  داخل الدار- لبحث القضية الشائكة حتى وصل لقراره بالمواصلة والإمهال حتى السادس من أبريل لمراجعة الموقف، ونحن هنا نتعرض لما دار ونقلب الممكن والمستحيل في معركة الانتخابات.

كنا نأمل بالانتخابات الحالية أملا كبيرا ونقول إنه لو توفرت فيها أدنى مطلوبات النزاهة فإننا سنكتسحها، وليتأكد السيد نائب رئيس المفوضية بروفسر عبد الله أحمد عبد الله كما كررنا إننا لا نطالب بانتخابات نزيهة مائة بالمائة وما في مقدرتهم ذلك وأنى لهم وهم ترتعد فرائصهم من صاحب السلطان كما نرى وكما أوضحنا خاصة في نقاش ردهم الفضيحة على مذكرة الأحزاب بمارس الماضي.. قلنا تكفينا 50% نزاهة، بل وحتى 30% نزاهة تكفينا لنقلب للمؤتمر الوطني الطاولة على رأسه.. وبعد أن تدنت درجة النزاهة لما يقارب الصفر والـ5% في كل مراحل الإحصاء والترسيم والتسجيل والحملة الانتخابية فنحن نطالب بدرجة أكبر من النزاهة في الاقتراع بحيث تصل درجة النزاهة النهائية لذلك الحد الأدنى (30%).

الناظر لمطالبات القوى التي أعلنت انسحابها يرى أنها تتحدث عن النزاهة بدرجة 70% لذلك طالبت بحكومة قومية، وتعديل قانون الانتخابات، وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات ومعالجة خروقات الإحصاء والسجل وتقسيم الدوائر، وتأجيل الانتخابات حتى نوفمبر 2010م لإجراء هذه الإصلاحات.. وهي مطالبات عالية السقف، وتميل إلى مقاطعة الانتخابات ما لم تكن راجحة النزاهة، وهو هدف في حد ذاته مشروع لكنه يتناقض مع المعلوم بالضرورة من أوضاع الانتخابات الحالية البغلية والتي تأتي في هجنة شمولية ديمقراطية شائهة قبلنا بها منذ البداية.

أما حزب الأمة القومي في قراره الذي صدر في بحر الـ24 ساعة المفروضة فقد جاء بإعطاء مهلة حتى اتخاذ القرار النهائي، والغريب أن غالبية الصحف رأت في قراره  تراجعا من سحب مرشحه الرئاسي بينما لم يكن قد سحبه وإن جرى خلط في الأفهام لدى بعض المحررين بوسائل الإعلام فقرار قوى الإجماع واضح أن هناك أحزاب لم تقرر بعد وكلام حزب الأمة القومي كان واضحا أن مكتبه السياسي لم يكن قد وصل لشيء.

حزب الأمة القومي بعد انتهاء نقاشه للوضع قرر المواصلة في حملته الانتخابية على كافة المستويات ثم وضع ثمانية شروط لإكمال الشوط حتى النهاية هي: تجميد الأحكام الأمنية القمعية أثناء الانتخابات بأمر جمهوري- تفعيل المادة (67/2/ج) من قانون الانتخابات بتمويل الأحزاب من الدولة- تفعيل المادة (69) بحظر استعمال إمكانات وموارد الدولة حزبيا والمادة (67/3) بوضع سقف للصرف الانتخابي- عدم الزج بالاستفتاء لتقرير المصير في المساجلات السياسية وإزالة الشعارات والملصقات التحريضية والتكفيرية والتخوينية- الاعتراف بنقص الانتخابات في دارفور والالتزام بمعالجات لاحقة-  تكوين مجلس دولة يلزم المفوضية بضوابط لنزاهة الاقتراع- وتمديد مواعيد الاقتراع لأربعة أسابيع لإجراء هذه المطلوبات. وقال إذا لم يستجب لهذه الشروط حتى الثلاثاء السادس من أبريل فإنه سيقاطع الانتخابات ويعلن عدم اعترافه بنتيجتها.

لقد كنا وعلى الدوام لدى مناقشة أمر الانتخابات نؤيد الاشتراك فيها مشروطة، مع تقليل سقف الشروط لأقصى درجة ممكنة لتسمية الانتخابات بهذا الاسم.

ونعتقد أن شروط حزب الأمة واقعية لدرجة ما ويمكن الاستجابة لها لو وجدت أدنى إرادة سياسية لإقامة انتخابات بدرجة نزاهة تساوي 50% أو أقل بقليل. وهي بعد كما ترى انتخابات معيبة في فترة الإحصاء وفي الترسيم وفي السجل وفي الحملة الانتخابية، ولكن ما لا يدرك جله لا يترك كله!

نعتقد أن هذه الانتخابات المعيبة مع عيوبها هذه الكثيرة التي سار بها الركبان يمكن أن تخاض وتأتي منها نتيجة ما للشعب السوداني حتى بمزيد من إنزال سقوف المطالبات لتصل للـ30% نزاهة أو أقل..

شروط ثلاثة نرى ألا يتنازل عنها حزب الأمة القومي مهما كان هي:

الشرط الأول: تمويل الأحزاب وذلك لأن مفوضية اليابا (أو مفوضية البشير) خططت مراكز الاقتراع بشكل مفصل على حاجة المؤتمر الوطني فقلصت أعداد المراكز لنحو النصف وصيرت تمويل الترحيل للأحزاب بند صرف أساسي  وضخم يكلف بضعة مليارات (ملايين بالجديد) للأحزاب التي تخوض في كافة المستويات والولايات، إذ رفعت المفوضية يدها عن تمويل ترحيل الناخبين وهذه الحالة مع وضع الأحزاب السودانية التي صودرت ممتلكاتها وأموالها وحوربت عضويتها وشردت وأفقرت معناه أنه حتى العضوية التي سجلت بالعون الذاتي طيلة شهر ويزيد في عدد مراكز أكثر ستجد صعوبة بالغة في الحشد للاقتراع في الأيام الثلاثة المقررة في عدد مراكز أقل، وسيصوت في الغالب عضوية المؤتمر الوطني والمحشودون بعرباته التي تيسر لها إمكانيات الدولة.

الشرط الثاني: إلزام المفوضية بضوابط نزاهة الاقتراع. وعلى المجلس أو اللجنة المعنية بذلك أن تضمن إعادة طباعة بطاقات الاقتراع التنفيذية (للرئيس والولاة)  بالخارج وتحت رقابة دولية ومحلية متفق عليها من قبل الجميع لأن المفوضية طبعت هذه البطاقات في مطبعة حكومية تحت سيطرة أمنية، ونحن لا نريد أن نوزع الاتهامات يمينا ويسارا وتكفينا شهادة من أهلها شهدها من قبل البروفسر حسن مكي ومؤخرا الأستاذ المحبوب عبد السلام وغيرهما من فطاحلة الإنقاذ فالتزوير ثقافة رائجة لدى القوم وأنت لو وضعت نفسك وأهواءك الحكم بين الحق والباطل لزهق الحق وجاء الباطل وكان الحق زهوقا على نحو ما ساستنا الإنقاذ.. أي طباعة لبطاقات اقتراع بيدي هؤلاء القوم وبدون الحديث عن تلاعب في العطاءات وحتى لو كان عطاء مطبعة الإنقاذ الأفضل فنيا والأجدى ماديا فإنه يجب رفض هذا الخيار الإنقاذي بدون أية مساومة، الامتحان لن يكون مكشوفا فحسب، بل والمصحح مطعون في ذمته، وورق الامتحان (بالتنزيل)! كما يجب التأكد من سلامة حبر التصويت وألا يكون مضروبا ومأتي به مع ما يمسحه بما يضمن تكرار التصويت! ويتعلق بنزاهة الاقتراع أيضا وجود توقيع إضافي لتوقيع ضابط الانتخابات في كل مركز من قبل مندوب تتفق عليه لجنة تضامن مرشحي الرئاسة وهذا ممكن ويزيل الريب والتخرصات بل والأقاويل المشاعة من صناديق مزورة معدة بليل إمضاءاتها مكتملة من ضباط مكريين أو موالين للمؤتمر الوطني تستبدل الصناديق الحقيقية.  وأخيرا حراسة الصناديق فلا تحول بوجود مراقبين حقيقيين.. نزاهة الاقتراع وضوابطها يجب أن تكون خطا أحمر وإلا لآلت نزاهة الانتخابات كلها إلى صفر بالمائة، ولا داعي لخوضها من الأساس.

الشرط الثالث والأخير هو تأخير الاقتراع لثلاثة أو أربعة أسابيع حتى يتسنى إعادة طباعة البطاقات التنفيذية بالخارج، ويتسنى للأحزاب الاستفادة من التمويل الذي تتلقاه في تدريب مراقبيها وتثقيف ناخبيها بعملية الاقتراع المعقدة والترتيب لترحيل الناخبين أيام الاقتراع.

كافة الشروط حول الإعلام واستخدام إمكانات الدولة وسقوف صرف الانتخابات هي شروط مطلوبة للصحة ولكننا نرى أنها بعيدة المنال، ثم هي من بعد ليست ضرورية لحركة الأحزاب نحو الانتفاضة الانتخابية ودونها تستطيع أن تدير على الشمولية الدوائر. ما معنى الحديث عن سقوف الصرف والمؤتمر الوطني قد بز كل هذه السقوف؟ بالأمس أنزلت المفوضية القومية للانتخابات بتوقيع رئيسها قرارا مؤرخا في 31 مارس حول سقوف الصرف، وقالت إن حملة المرشح الرئاسي يجب ألا تتعدى الـ17 مليون جنيه سوداني (مليار بالقديم).. وهو سقف على علوه لكافة المرشحين الموجودين إلا أنه مهزلة لو راجعناه بصرف السيد عمر البشير، فتقديرات بعض خبراء الإعلان أن تكلفة دعايته في الشاشات الكبيرة المضيئة (في المواقع الرئيسية في ولاية الخرطوم وحدها) يساوي أكثر من مليون جنيه (مليار بالقديم). وقدر آخرون أن تكلفة صور السيد عمر البشير الكبيرة في الطرقات تساوي 50 مليون جنيه سوداني (50 مليار بالقديم) ناهيك عن تكلفة الدعاية اليومية في قناة النيل الأزرق لو علمنا أن تكلفة الدعاية في تدشين حملته بنادي الهلال كانت 75 ألف جنيه (75 مليون بالقديم) واستمرت هذه الدعايات يوميا (هذا بخلاف الدعاية المجانية في التلفزيون القومي والذي أكدت دراسة كونسرتيوم السودان أنه يحوز على 75% من البث الموجه لكل مرشحي الرئاسة). هذا بدون أن نضيف الرحلات بالطائرات، والحشود التي تصرف عليها مئات الألوف من الجنيهات (الملايين بالقديم) دعك عما يقدم من رشوات انتخابية معلنة بالمشاريع أو مخفية. إننا سندهش لو وجدت أية لجنة مهنية معنية بالدعاية والإعلان أن السيد عمر البشير صرف في حملته الانتخابية أقل من 500 مليون جنيه سوداني (500 مليار بالقديم).. وهذا موجود على الطرقات لا يمكن نكرانه ولا يجدي الحديث عن أنه تبرعات من أفراد أو شركات فالتبرعات العينية نفسها لها قيمة مادية تحسب في حساب الدعاية والإعلان الانتخابي في الدنيا كلها.. فكيف بالله أصدر السيد أبيل ألير قرارا يعلم أنه قد تم دكه سلفا؟! تماما كالمنشور الذي أصدرته المفوضية ليقيد أنشطة الأحزاب ويسري عليها بينما لا يسري على المؤتمر الوطني حيث ملأ الطرقات بصورة مرشحه الرئاسي وهو يحمل وثيقة السلام جزلا بها، وعليها صقر الجديان ما يؤكد أنها وثيقة رسمية للدولة بينما يحظر المنشور استخدام وثائق الدولة الرسمية في الدعاية الانتخابية!

الشاهد، إن المطالبات بعدالة الإعلام وعدم استخدام موارد الدولة لا تقدر عليها مفوضية اليابا هذه، ولا هي ضرورية لأننا نراهن على أن أصحاب العقول والقلوب والضمائر الحية  يرجحون كفة أصحاب القنابير والذمم المكرية وإن لم يكن ذلك كذلك فهي بلاد تستحق فعلا أن يتخلى الله عنها!

أما مطلوبات دارفور فهي التزامات أدبية ومستقبلية ولو تمت انتخابات بأدنى درجة نزاهة لجاءت بمن سينفذونها في حينها والعكس صحيح لو طبخت الانتخابات لاستمر حال دارفور كما هو. ونفس الشيء ينطبق على الاستفتاء فلو فاز أهل الزج به في الصفقات والمساجلات والرقصات الهستيرية لعاودتهم الشنشنة  حتى لو التزموا اليوم باللسان!

إنها انتخابات معيبة ومعيبة جدا، ولكن لو تحققت شروط تمويل الأحزاب، ونزاهة الاقتراع، وتأجيله أسابيع فعليكم يا ناس حزب الأمة القومي وعلى جميع القوى ذات الشعبية أن تخوضها، وإلا فلا، لا وألف لا.. دي مهزلة، كما تقول الأهزوجة القديمة.

حفظ الله وطننا من أهل المهازل والإحن ووقاها شر الفتن.

وليبق ما بيننا.

 

Rabah Al Sadig [ralsadig@hotmail.com]

 

آراء