بداية ونهاية الثورة!
د. زهير السراج
18 March, 2023
18 March, 2023
manazzeer@yahoo.com
* يعتقد الكثيرون أن الثورة تنتهي بسقوط الحاكم او النظام السياسي الذي ثارت عليه الجماهير، بينما يكون سقوط النظام (في الغالب) هو البداية الحقيقية للثورة وليس العكس، ومن ثم الشروع في تحقيق الاهداف واحدة تلو الأخرى التي من اجلها ثار الناس مثل إزالة المظالم وتحقيق العدالة الاجتماعية وتأسيس نظام ديمقراطي وسيادة دولة القانون واحترام حقوق المواطنين ..إلخ، وقد يأخذ ذلك الكثير من الوقت، وإذا أخذنا على سبيل المثال بعض الثورات الكبرى مثل الثورة الامريكية والثورة الفرنسية في القرن الثامن العشر والثورة الروسية والثورة الصينية في القرن العشرين، نجد أنها لم تتوقف عند سقوط او زوال الانظمة التى ثارت عليها، وإنما استمرت فترات طويلة تجاوزت في بعض الدول مئات السنين لتحقيق الاهداف الكاملة لها!
* الثورة الامريكية (مثلا) لم تتوقف بانتهاء الاحتلال البريطاني في عام 1783 وتأسيس الولايات المتحدة من ثلاثة عشر ولاية، كما يعتقد الكثيرون، ولكنها استمرت الى ان وضعت حدا لنظام الرق وتجريمه دستوريا لدرجة ان امريكا شهدت حربا اهليه شرسة في القرن التاسع عشر استمرت لمدة خمسة سنوات (1860 – 1865 ) بين معارضي الرق ومناصريه (او بين ولايات الشمال المعارضة للرق، والولايات الجنوبية الرافضة لإلغائه)، بل تجاوزت ذلك الزمن الى مرحلة إعطاء المرأة والسود حقوقهم الاساسية كمواطنين امريكيين في القرن العشرين!
* كما ان الثورة الفرنسية لم تتوقف بسقوط الامبراطور (لويس السادس عشر)، ولا حتى بعد شنقه بسنوات من سقوطه وإنما تجاوزت ذينك الحدثين بأكثر من قرنين كاملين، وتحقق لفرنسا النظام الاجتماعي السياسي الذي من اجله ثارت الجماهير الفرنسية، وحدثت خلال تلك الفترة الطويلة الكثير من التقلبات الحادة مثل عودة النظام الامبراطوري مرة أخرى على يد الجنرال (نابليون بونابرت) مع وجود عدد من الاختلافات بينه وبين النظام الامبراطوري القديم الذي كان يضع كل السلطة في يد الامبراطور المسنود برجال الدين، الى ان استقر الحال لاحقا بعودة النظام الجمهوري المسنود بنظام سياسي علماني مطلق.. إلخ، وكذا الحال في الثورتين الروسية والصينية اللتين لم تتوقفا بانتهاء الاحتلال الياباني للصين أو حكم القياصرة في روسيا وانما استمرتاعقودا طويلة شهدت فيهما الدولتان اللتان تبنتا النظام السياسي الاشتراكي احداثا متباينة وتقلبات كثيرة، مثل الثورة البروليتارية الثقافية في الصين التي بدأت في منتصف الستينيات من القرن العشرين وكادت تشعل حربا اهلية في الصين وانتهت بوفاة الرئيس الصيني (ماوتسي تونج ) في منتصف السبعينيات وسقوط عصابة الاربعة وصعود (تنج هسياو بنج) الى سدة السلطة، ويَعتبر الكثير من علماء التاريخ السياسي ان سقوط الاتحاد السوفيتي والنظام الاشتراكي في روسيا من مراحل الثورة الروسية التي بدأت في اكتوبر 1917، رغم التباين الكبير بين البداية والنهاية!
* سقت هذه المقدمة لاصحح خطأ شائعا بين الكثيرين بأن الثورة تنتهي بسقوط الحاكم أو النظام السياسي التي ثارت ضده الجماهير، كما ان الثورة يمكن ان تبدأ بحدث معين مثل التذمر من الاوضاع الاقتصادية أو الضرائب العالية او غلاء المعيشة ثم تأخذ اشكالا أخرى وتتغير مطالبها واهدافها، غير انه من الصعوبة ان نحدد وقتا او حدثا معينا تبدأ او تنتهي به، وقد يستغرب البعض من ان سقوط سجن الباستيل واغتيال محافظ السجن بواسطة حشد من العمال الباريسيين الناقمين من الاوضاع الاقتصادية والغلاء والاستبداد انضم إليهم عدد من الجنود المتمردين في ظهيرة 14 يوليو عام 1789 كان بداية الثورة الفرنسية وليس نهايتها كما يعتقد الكثيرون، ويقال ان الامبراطور لويس السادس عشر عندما سمع الضجة من قصره سأل أحد وزرائه (هل هذا تمرد؟)، فأجابه (لا يا سيدي، إنها ثورة) !
* نخلص من هذه المقدمة القصيرة الى أن ثورة ديسمبر المجيدة لم تنته بسقوط المخلوع وزبانيته، ولا يستطيع احد ان يزعم أنها ستنتهي بسقوط البرهان وحميدتي واعوانهما، او بالتوقيع على الاتفاق النهائي بين العسكر والقوى المدنية، بل ربما تكون تلك هى البداية، والى حين أن يأتي الوقت الذي نقول فيه او يقول غيرنا أنها انتهت ويؤرخ لها، فإنها لا تزال مستمرة ومستعرة ولو تغيرت أشكالها وانماطها!
//////////////////////////
* يعتقد الكثيرون أن الثورة تنتهي بسقوط الحاكم او النظام السياسي الذي ثارت عليه الجماهير، بينما يكون سقوط النظام (في الغالب) هو البداية الحقيقية للثورة وليس العكس، ومن ثم الشروع في تحقيق الاهداف واحدة تلو الأخرى التي من اجلها ثار الناس مثل إزالة المظالم وتحقيق العدالة الاجتماعية وتأسيس نظام ديمقراطي وسيادة دولة القانون واحترام حقوق المواطنين ..إلخ، وقد يأخذ ذلك الكثير من الوقت، وإذا أخذنا على سبيل المثال بعض الثورات الكبرى مثل الثورة الامريكية والثورة الفرنسية في القرن الثامن العشر والثورة الروسية والثورة الصينية في القرن العشرين، نجد أنها لم تتوقف عند سقوط او زوال الانظمة التى ثارت عليها، وإنما استمرت فترات طويلة تجاوزت في بعض الدول مئات السنين لتحقيق الاهداف الكاملة لها!
* الثورة الامريكية (مثلا) لم تتوقف بانتهاء الاحتلال البريطاني في عام 1783 وتأسيس الولايات المتحدة من ثلاثة عشر ولاية، كما يعتقد الكثيرون، ولكنها استمرت الى ان وضعت حدا لنظام الرق وتجريمه دستوريا لدرجة ان امريكا شهدت حربا اهليه شرسة في القرن التاسع عشر استمرت لمدة خمسة سنوات (1860 – 1865 ) بين معارضي الرق ومناصريه (او بين ولايات الشمال المعارضة للرق، والولايات الجنوبية الرافضة لإلغائه)، بل تجاوزت ذلك الزمن الى مرحلة إعطاء المرأة والسود حقوقهم الاساسية كمواطنين امريكيين في القرن العشرين!
* كما ان الثورة الفرنسية لم تتوقف بسقوط الامبراطور (لويس السادس عشر)، ولا حتى بعد شنقه بسنوات من سقوطه وإنما تجاوزت ذينك الحدثين بأكثر من قرنين كاملين، وتحقق لفرنسا النظام الاجتماعي السياسي الذي من اجله ثارت الجماهير الفرنسية، وحدثت خلال تلك الفترة الطويلة الكثير من التقلبات الحادة مثل عودة النظام الامبراطوري مرة أخرى على يد الجنرال (نابليون بونابرت) مع وجود عدد من الاختلافات بينه وبين النظام الامبراطوري القديم الذي كان يضع كل السلطة في يد الامبراطور المسنود برجال الدين، الى ان استقر الحال لاحقا بعودة النظام الجمهوري المسنود بنظام سياسي علماني مطلق.. إلخ، وكذا الحال في الثورتين الروسية والصينية اللتين لم تتوقفا بانتهاء الاحتلال الياباني للصين أو حكم القياصرة في روسيا وانما استمرتاعقودا طويلة شهدت فيهما الدولتان اللتان تبنتا النظام السياسي الاشتراكي احداثا متباينة وتقلبات كثيرة، مثل الثورة البروليتارية الثقافية في الصين التي بدأت في منتصف الستينيات من القرن العشرين وكادت تشعل حربا اهلية في الصين وانتهت بوفاة الرئيس الصيني (ماوتسي تونج ) في منتصف السبعينيات وسقوط عصابة الاربعة وصعود (تنج هسياو بنج) الى سدة السلطة، ويَعتبر الكثير من علماء التاريخ السياسي ان سقوط الاتحاد السوفيتي والنظام الاشتراكي في روسيا من مراحل الثورة الروسية التي بدأت في اكتوبر 1917، رغم التباين الكبير بين البداية والنهاية!
* سقت هذه المقدمة لاصحح خطأ شائعا بين الكثيرين بأن الثورة تنتهي بسقوط الحاكم أو النظام السياسي التي ثارت ضده الجماهير، كما ان الثورة يمكن ان تبدأ بحدث معين مثل التذمر من الاوضاع الاقتصادية أو الضرائب العالية او غلاء المعيشة ثم تأخذ اشكالا أخرى وتتغير مطالبها واهدافها، غير انه من الصعوبة ان نحدد وقتا او حدثا معينا تبدأ او تنتهي به، وقد يستغرب البعض من ان سقوط سجن الباستيل واغتيال محافظ السجن بواسطة حشد من العمال الباريسيين الناقمين من الاوضاع الاقتصادية والغلاء والاستبداد انضم إليهم عدد من الجنود المتمردين في ظهيرة 14 يوليو عام 1789 كان بداية الثورة الفرنسية وليس نهايتها كما يعتقد الكثيرون، ويقال ان الامبراطور لويس السادس عشر عندما سمع الضجة من قصره سأل أحد وزرائه (هل هذا تمرد؟)، فأجابه (لا يا سيدي، إنها ثورة) !
* نخلص من هذه المقدمة القصيرة الى أن ثورة ديسمبر المجيدة لم تنته بسقوط المخلوع وزبانيته، ولا يستطيع احد ان يزعم أنها ستنتهي بسقوط البرهان وحميدتي واعوانهما، او بالتوقيع على الاتفاق النهائي بين العسكر والقوى المدنية، بل ربما تكون تلك هى البداية، والى حين أن يأتي الوقت الذي نقول فيه او يقول غيرنا أنها انتهت ويؤرخ لها، فإنها لا تزال مستمرة ومستعرة ولو تغيرت أشكالها وانماطها!
//////////////////////////