بريدو وبحلم بيه الوطن الحدادى المدادى! … بقلم: د.على حمد ابراهيم

 


 

 


  لو  بقيت  فى العمر  قوة   وقدرة  على  اجترار  الأسى  واحتمال  الأذى  اكثر  من هذا ،  فسوف  انفقها تأسيا  وتعزية للنفس  على  ما فاتها  من  مراتع  الصبا  فى تلك  الفلوات  البكر  والعمر  غض  نضير ونحن  نلعب  ونلهو  ، ولا نبقى  من  الفرح  شيئا . ولو كنا  نعلم الغيب  لاستدبرنا  امرنا  و لما  ابقينا  من   الحبور  شيئا . كان  الطيب  رحمة  واسطة  عقدنا  الفريد  ونحن  صبية  ناضجين ، يحفظ ويجيد  تقديم وتمثيل  المسرحيات  الفكاهية  فنضحك  ونتفلت  فى  الضحك  . و لا ندخر  منه  شيئا . ورجب  الجندى  الصارم  العابث   لا يضحك  الا  نادرا . هل كان  يخبئ   احساسا  بحزن  لم  يكن  يعرف  له  تفسيرا حتى  نعى الناعى  الطيب  رحمة  الذى  كان  يضحك  الصخر   ولا  يضحك  رجب الجندى .  وابراهيم  عيسى   الصغير  الحجم  ، كنا  نناديه  بابراهيم  التعايشة  على اسم  القبيلة التى انجبته   تفريقا بينه  وبين  ابراهيم  الشاهر الذى  كنا  نناديه  بابراهيم  نزّى  على  اسم  القبيلة التى انجبته.  ولكن  ابراهيم  عيسى  غادر دنيانا  فجأة . و يبكى  الصغا ر بجزع  صادق  كما  لا يبكى الكبار.  وعبد  الله  فضل  الصبى  الانيق  الذى كان  مشروع  ممثل  سينمائى  كامل  الوسامة ، مضى  هو الآخر سريعا  ةواخذ  معه  بهاءه   وذكاءه  وترك  فى  مكانه  الحزن  الكبير  لزملائه  الصغار. و تسابقنا  نحو  العوالى  . ارسلونا  الى  ملكال  بعد  ان  رسا  علينا  عطاء  الامتحان  الشديد . كنا بعض  فتية  تركنا  وراءنا  الامهات  والآباء  وذهبنا  نتعثر  فى  اغتراب حسبناه  بعيدا  وشاقا حسب  تقديرات عقولنا الصغيرة  : كنا بعض فتية  صغار : فرح اهلنا  واساتذتنا  بنجاحنا  وانتقالنا الى ملكل  الاميرية  النموذجية  التى ارادها  مفتش  عام تعليم  الجنوب  على  حامد  بوتقة  ينصهر  فيها ابناء  مديريات الجنوب الثلاث . كنا بعض فتية  صغار  حملنا  الكومر  الحكومى  من مدينة القيقر  الصغيرة الجميلة  الى مدينة  ملكال  الناعسة  فى اخضرار  حدائق  الرى  المصرى . كانت رحلة  شاقة . فالطريق لم يكن  معبدا .   والخيران  المنحدرة  من المرتفعات  الاثيوبية  ما زالت ترسل  بعض  مياهها  وعنتها . كنا بعض فتية من القيقر المتدثرة  باخضرار مشاريع  القطن  الزاهية  : كاتب هذه  السطور ،  التلميذ  البدوى  الاول  الذى ترسله    بوادى  دار محارب  عموم ،  احمد  سليمان  ، الدكتور الطبيب  فيما بعد ، الجعلى  عبد الماجد،  حامد  دراج ، ومحمد  سعيد  جوهر . فى ملكال انغمسنا  فى  محيطنا  الطلابى  الاكبر .  اقبلنا  نحو  بعضنا  البعض  بالفة  ومودة . كان محيطا صغيرا  ومتجانسا  تفاوتت  فيه  الاعمار  والخلفيات . من الشمال البعيد  جاء  شوقى  بدرى  ، فيما بعد  الكاتب الروائى  القاص  و المؤرخ  الشامل الذى  لا يخشى  فى التاريخ  لومة  لائم ،  الطالب الانسان   الذى  يمكن ان تأكل قلبه  بكلمة  واحدة  طيبة .  المشاكس  الحنبريت  الذى  يمكن ان يرسلك الى الردى  اذا  تعديت  عليه  الحدود .  وجاء من الشمال البعيد  احمد محمد  الحسن  ، فيما بعد ، الشاعر  والناقد  الرياضى  الكبير .  وجاء من الشمال البعيد الفاتح  التجانى ، فيما بعد الصحفى  الكبير . وانغمسنا فى محيط  ملكال  الاميرية  المتنوع  التى توافد عليها  التلاميذ  من مديريات  الجنوب الثلاث  . من الاستوائية جاءنا  عبد  الكريم نوك.   ارسله  اهله  من  دينكا  بور . ومن  دينكا  بور جا ءنا  ايضا  الشيخ  بيش .  ويوسف  مين  . وجاءنا  جعفر عبد  الرحمن  اسماعيل من بور ايصا . وكان والده من تجارها  الكبار .  وكان  جعفر  كابتنا   كرويا  ماهرا . و كنا نسميه جعفر جوكس.   ومن  الاستوائية جاءنا كلك  تعبان  مايكا . وعبد السلام  عكاشة . ورجب  وانى .  ومن  بحر  الغزال  جا ءنا الحاج  كمنجى  وعلى  تمبم  فرتاك .  ومحمد عبدالرحيم  وعلى  عبد الله . واسماعيل  سليمان ، الذى كان يساريا بمستوى  اكبر من عمره . و  وجاء  رياك  قاى  من ديار النوير فى شرق  اعالى النيل . وكانت له سجالات  مع  شوقى  بدرى ، حكاها الكاتب  الكبير باسلوبه  المتدفق  كالنبع  المنحدر من علو شاهق  . كان رياك قاى  شاعرا  ورساما  وفكاهيا  مطبوعا .  ودرسنا  فى  ملكال الاميرية  على ايدى  اساتذة  شامخين : محمود برات ، فيما بعد  البروفسور محمود برات  الذى  وصل  الخلاف  بينه وبين  الشيخ الترابى  درجة تكقيره للشيخ الترابى . ودرسنا  على ايدى  الشاعر الغنائى المطبوع  عوض حسن  احمد ، مؤلف  روائع  عبد العزيز داؤد : فينوس   وصغيرتى وغيرها . ودرسنا على ايدى  هاشم محمد الحسن  حارس مرمى الفريق  القومى  والمريخ . كنا نعايره  نحن تلاميذه  الهلالاب  الضغار بهزيمته الكبيرة  على يد  لاعب  الهلال  دريسة . وكان يضحك  ملء  شدقيه  من دعابة  تلاميذه الهلالاب الصغار. ودرسنا على ايدى  عبد الله  ادريبس ، فيما بعد  فيلسوف الكتاب الاخضر ،  واللجان  الثورية الليبية .  ودرسنا على ايدى الاساتذة  الاجلاء  عبد الله  عبد القادر  الشيخ  الفادنى ،  وعبد الفضيل حسن  على  ، ومحمد  الغالى ،  ومحمد  التلب . وفيليب  كومى . وكان  الاستاذ  طه  لا يخفى  تفلته اليسارى امام  تلاميذه  الصغار .كنا  نتهامس بذلك  الشئ  سرا . اكتب  هذا   ويموج  فى صدرى احساس باليتم والفجيعة . فغدا  تنأى  عن  الخاطر والوجدان  تلك  اللمحات التى كانت فى سويداء  القلب  وشعابه .  وأخشى ان تصبح  اثرا بعد  عين . اذ  لا  يأمن  احد  تقلبات  الازمنة  والامكنة.  و لا ندرى  ماذا يكسب  الوطن  وانسانه غدا . ولا ندرى  على  اى  حال نمضى  ويمضى الوطن.   مشرئبة  كلها  حواسى  باتجاه  مراتع  الصبا  الباكر  تلك ، التى  اعطتنى  ذلك  الاشراق  الباكر  وما ابقت شيئا .

*** جهد ضائع ضائع !

 . لم يبق على موعد اقتراع  تقرير مصير الجنوب الا  اقل من  شهرين . هكذا باغتنا  الموعد سريعا .   وحاصرنا  على حين غفلة  كأننا  لم نكن نعرف انه قادم .   خمس سنوات كاملة  اضاعها  ولاة  امرنا  بالاكراه   فى التهاتر مع  اهلنا  الجنوبيين  حول ابجديات واضحة  .وكان ذلك  زمنا  كافيا و كفيلا  بان يمهد طريق  السودان  الى الوحدة  الطوعية  التى  جفت  السنتنا  بالحديث  عنها  .  لقد جاءت   فى  مكانها وبديلة  عنها  خمس سنوات من  المكايدات  والمهاترات  جذبت  الجنوب بعيدا عن  مضمار  الوحدة  الطوعية .   فقد رأى الحنوبيون  بعيون جزعة   كيف  كانت حكومة  الشمال  قادرة  دائما على لى اياديهم  بقوة  سلطتها  المعنوية  و المادية  ،  و تمرير  ما  تريد من   من اجراءات  بالاصرار والعناد . او عن طريق استغلال  اغلبيتها  الميكانيكية فى  البرلمان المعين  التى اعطاها  لها  الوسطاء  فى  غرف نيفاشا  المغلقة ولم  يعطها لها الشعب  السودانى  فى انتخابات  حرة  وصحيحة  وخالية  من ( الخج )  إياه . الآن  يعرف القاصى والدانى  ان  الجنوبيين  قد  اغلقوا  مسامعهم  تماما  عن  سماع  اى  حديث عن الوحدة  بعد أن  أطروا  تماما  شكل  دولتهم  الجديدة. وبعد أن  وضعوا لها  نشيدها  الوطنى،  وصمموا لها علمها ، ورسموا على اوراقهم  رمزها .   انه جهد  ضائع  ذلك الذى  تقوم به حكومة الخرطوم  لتسويق ما لا يمكن تسويقه من  بضاعة  الوحدة  المزجاة . و  يعرف  القائمون  بهذا الجهد  الضائع  انهم  لا يخدعون  انفسهم  بهذا العمل ، فهم  ايضا يعرفون  أن الجنوب  قد  اتخذ  قرار ه  بالانفصال  . وينتظر فقط  موعد  اعلان  الطلاق  البائن  . و يعرف  القائمون بهذا  الجهد الضائع  انهم   لا يخدعون  به  احدا من  البشر . انهم يعرفون  انهم  يمارسون  الظهور بمظهر  من  حاول  المستحيل  للابقاء  على الوحدة .  ولكنه  لم يفلح  بسبب  اصرار  الآخر على الفراق  والطلاق . كان الاصح من هذا الجهد الضائع  هو أن  يكرس  الوقت الباقى  لتأمين  العلاقات  الازلية  بين الشعبين  فى المستقبل . فمن  الافضل  مثلا ان يطوف المسئولون فى  حكومة  الشمال  وفى حكومة الجنوب – ان  يطوفوا  على  تجمعات الجنوبيين  فى  الشمال  وتطمينهم  على امنهم  وممتلكاتهم  وان  لا يستجيبوا لأى استفزازات قد تصدر من بعض الجماعات الشمالية  التى  قد يجرحها  قرار الجنوبيين  بالانفصال  ويحملها على ان تتصرف  تصرفا  اخرقا . كما يجب ان  تخاطب حكومة  الشمال الشعب فى الشمال بأن انفصال الجنوب اذا وقع لا يعنى نهاية العالم  . وان العلاقات الاخوية  بين الشعبين  يجب ان تبقى . وانه غير  مسموح فى كل الاحوال بالمساس بها مهما كان القرار الجنوبى فى صبيحة  الثانى عشر من  يناير  القادم . كما يجب ان يراعى المسئولون فى الجانبين عدم ازكاء  المشاعر  المتوجسة والمتوترة بمزيد من التصريحات الملتهبة  مثل تلك التصريحات  السالبة التى تبودلت بين الطرفين  فى  الاسابيع القليلة الماضية وهى تنقل توترات لا تليق  بان تصدر من مسئولين  يتوجب عليهم  التوكيد على ما  يحفظ  امن  المواطنين  وتهدئة  مشاعرهم  لا العكس من هذا . لماذا لا يذكر المسئولون  السودانيون  فى الشمال والجنوب  الشعب السودانى  فى الشمال والجنوب  بالسلوك  الحضارى الذى  سلكه شعب تشكوسلوفاكيا القديمة عند الانفصال . لقد قال ذلك الشعب الحضارى انهم اخوان واشقاء . وجلسوا الى بعضهم البعض  ولم نسمع  حتى اليوم  بأى منغصات  صاحبت  عملية  ذلك الانفصال الودى الشفيف . يمكننا ان نفعل ذلك. نعم ، يمكننا ان نفعل – كما كان السناتور الامريكى اوباما  يردد فى حملته  الانتخابية حتى قاد نفسه  الى البيت الابيض بين مصدق ومكذب .

 ***  المعارضة السودانية  و تداعى اوضاع السودان!
فى  هذه  اللحظة التى  تتداعى  فيها اوضاع  السودان الداخلية  اخذ  السودانيون يضعون وزر اضاعة  وحدة بلدهم  على اكتاف  حكامه ومعارضيه على حد  سواء  .  السودانيون شعب عاشق  للديمقراطية . ولكن  العسكر المسيسون لم يتركوا لهم  الفرصة لكى ينعموا بها لوقت طويل . فمن سنوات الاستقلال البالغة  حتى الآن  اربعة وخمسين عاما  حكم العسكر السودان حوالى الخمسة  واربعين  عاما !  ومازالت عقارب الساعة تكر تحت حكم العسكر! لكن  الغريب حقا  ان السودانيين  فى نقاشاتهم  السياسية  مازالوا  يهاترون الاحزاب !   وينسون ان الديمقراطية  لم تقتل منهم  سودانيا واحدا؟. ولم  تزجهم  فى بيوت الاشباح .  ولم  تعدمهم رميا بالرصاص  او بغيره . ولم تعلقهم على اعواد المشانق فى فجر العيد  او فى  أى فجر آخر . ولم  تعدم  احدا منهم لأنه تلبث بجريمة حيازة بعض الدولارات .ولم  تصادر صحيفة . او تزج ببعض الصحفيين  فى غيابات الجب.  ولم تعذب معتقلا . هذه النعم المفقودة  تماما تحت حكم العسكر ينساها السودانيون  فى حواراتهم السياسية التى لا تنقطع ، السطحى منها والعميق . بل انهم  لا يسألون انفسهم  من حكم السودان حقيقة خلال نصف القرن الماضى .  وان كان من خراب  خلال نصف القرن الماضى  هل يسأل عنه  الذين  حكموا السودان اكثر من خمسة واربعين عاما  من سنوات  الاستقلال التى لم تتعد الاربعة وخمسين عاما  حكما مطلقا . ام يسأل الذين  حكموا عن طريق برلمانات منتخبة عشر سنوات فقط على ثلاث  فترات متقطعة ،  لم  يستطع خلالها  اى برلمان منتخب ان يكمل  فترته القانونية  ومن  ثم يعرض نفسه لحكم الشعب عليه فى انتخابات جدبدة. غير انه  من  الطريف جدا  ان نجد  ان الشعب السودانى  يهيل على  قادة  المعارضة  الشمالية  النصيب الاكبر من الذم  واللوم  كلما اشتدت  عليه  ضغط الشمولية . بحسبانها هى الجهة التى فرضت فى الديمقراطية وعرضته بالتالى لما هوعليه من مشاق وعنت . فى هذه الايام  التى يشعرالسودانيون فيها  بقلق عظيم  لجهة ما يحيط ببلادهم من مخاطر حقيقية ، يعود حديث  الشارع  السودانى عن المعارضة ومسئوليتها عن ترك الحبل على القارب لنظام  الانقاذ  لجر  البلاد الى هذا المصير  القاتم . يتحدث السودانيون عن حال المعارضة الشمالية  اليوم . و يعتبرونها  معارضة  تائهة  تماما  فى هذه  اللحظة  الحاسمة  من عمر البلد.  ويسخرون من مواقفها العاجزة  وطرحها  لحلول  لم  تعد  فى  متناول  اليد ، قياسا  بالزمن  المتبقى  قبل استفتاء الجنوب ، والذى  لا يسمح  بانجاز اى  من  تلك  الاطروحات   والبلاد  تسير نحو الهاوية  بسرعة مضطردة : مثل  مقترحاتها لحل مشكلة  دارفور قبل الاستفتاء !  وترسيم الحدود ! وتحقيق  التحول الديمقراطى!  وحل مشكلة ابيى ! ويرى السودانيون ان  استمرار المعارضة  فى ترديد هذه  المطالب حتى هذا الوقت  المتأخر ما هو  ترديد  لا سطوانة مشروخة  و طرح بائس ،   وعديم الجدوى ،   ولا يدل  الا على  حالة  التيه  والتكلس  التى تعيش فيها  قيادات المعارضة الشمالية التى  يتبدى عجزها فى هذه اللحظات بصورة مؤلمة  وتوحى  بافول  نجم وزمان   قادة  المعارضة  التقليديين  الوشيك . عشرون  عاما غبرت  من حكم الانقاذ  قبل  فيها  قادة  المعارضة  التقليديون  بحالة الاقصاء  القسرى التى فرضتها عليهم  الانقاذ .  وفشلوا على مدى عقدين من الزمن  فى  ان  يتحدوا  الانقاذ بصورة جادة  حتى  ولو   بمسيرة  احتجاجية  واحدة  ذات  بال تصرخ   مجرد  صراخ   فى  الشارع العريص وتطالب  بحق  المعارضة  المشروع  فى التواجد  فوق ظهر البسيطة السياسية. بل كان  عجز  هؤلاء  القادة  فى  النزول  الى الشارع  وتحريكه  ضد التدخل  الاجنبى الكثيف ، كان عجزا  معيبا لابعد  الحدود  عندما وضح ان محادثات  نيفاشا  كانت بمثابة  خارطة طريق  بائنة  لتمزيق الوطن . وعندما وضح ان   بروتوكول مشاكوس كان (الشاكوش) الاول فى جسد الوحدة .  لقد  اوعزتهم   الحيلة  من ضعف . وتدنت عندهم مقدرة التصميم على المواجهة  فى سبيل الوطن  . لقد  تدنت  قوة المراس  عند هذه  القيادات الشائخة  العاجزة  لأنه  لم  يعد  بينها  وبين  قواعدها  غير خيط  رفيع  لا يتعدى  سمكه  تصريحات عرجاء مكرورة  لا تضيف  جديدا فى لحظة كان  الوطن يحتاج  فيها الى قيادات شابة تدفع عنه الكيد  المدروس .  لقد   ادرك  النظام  مدى عجز هذه  القيادات عن  تحريك  قواعدها  الحزبية . وادرك ايضا اسباب هذا  العجز  واحتفظ  بها  لنفسه .  وعمد الى ادارة  شئون  البلاد بصورة انفرادية فرط فيها بكثير  من الثوابت  الوطنية  مقابل الاحتفاظ  بالسلطة مثل  الخضوع لمخططات مركز الدراسات الاستراتيجية والعالمية  الامريكى الذى هندس  اتفاقية نيفاشا التى  ابعدت الشماليين  من اى  وجود فى دائرة  الاحداث وجعلتهم متفرجين من على السياج  واوضاع بلادهم  يقرر فيها  فى غيابهم التام  . وشكل كل  هذا المدخل الذى دخل منه الريح الذى  سيطيح  فى نهاية  المطاف بوجود  البلد بحدوده  الموروثة عن الآباء والاجداد .  ضعف  القيادات التاريخية  زاد من غلو   النظام  وانفراده  بامور البلد  وادى الى اقصاء كل ابنائها عن المشاركة   فى حل مشاكلها بل و تحقيرهم   والسخرية منهم .

حكاية السجم  والسجمانين :
  احكى  بهذه المناسبة  تفاصيل  حديث  وحادثة   السجم  والسجمانين  التى حدثت  فى منزل  السفير السودانى  فى  واشنطن والتى كان بطلها وزير الخارجية .  واعجب كيف تسنى للبعض ان ينفوا   ذلك  الحديث نيابة  عن  وزير الخارجية  دون ان ينفيه هو شخصبا . لقد كنت صاحب السؤال  الذى اخرج الوزير عن طوره  وجعله يصف  قادة الاحزاب بالسجمانين . حدث  ذلك عندما علقت تعليقا مطولا على   حديث  الوزير عن انحياز امريكا  واوروبا  والوسطاء  ضد حكومة الانقاذ .  وذكرته بأن الانقاذ هى التى ذهبت الى هذه الدول والى اؤلئك الوسطاء  بالقضية السودانية . و كانت هى  التى  دولت القضية  بجريها وراء الوساطات الخارجية   واقصاء  كل  جبهتها  الداخلية عن المشاركة فى حل  مشاكل بلادها . وهنا انفعل الوزير وقال ماقال عن قادة المعارضة  مما نقله  مراسلوا الاعلام الاليكترونى فى حينه . .ولكن الذى سيحزن السيدين بالذات ، واللذين  خصهما  الوزير  تحديدا  بالسخرية  القاطعة  ، هو  ذلك الاستحسان الذى وجده  حديث الوزير من الحاضرين  وضحك بعضهم  وانتشائهم  .  وكان معظمهم  من المعارضين .  وكثيرون  منهم كانوا من عضوية  الحزبين  التاريخيين . بل ان  عضوا فى احد الحزبين استحسن شطط الوزير و علق  بقوله  " يستاهلوا "!  وهو موقف  يقول الكثير . لقد  وصل عجز هذه القيادات   قمته فى ابريل الماضى  عندما  عجزت عن  ان تقوم  بأى  عمل  احتجاجى ضد ما حدث  فى الانتخابات  من تزوير فاضح . اذ لم  تستطع هذه القيادات حتى اخراج مظاهرة  احتجاجية  تعبر فيها عن رأيها فى تلك  الانتخابات  التى شاهد العالم  كله  موظفى  الانتخابات  انفسهم وهم يخجون صناديق الانتخابات  بعد أن  حشوها بالبطاقات المزورة  حتى فاضت . ومع ذلك خرج  علينا هؤلاء  القادة  العاجزين   بتصريح ضعيف يقولون فيه  انهم  لا يريدون التحرك  فى  الشارع  حتى لا تنزلق البلاد  فى   الفوضى !  حقيقة  الامر انهم  عاجزون  عن  تحريك الشارعة  وغير  قادرين  لأن  النزول  الى الشارع  والشوارع  ليس من مكونات  شخصياتهم  . كان اجدر بقادة المعارضة  أن  يقولوا  ذلك  صراحة . اقل  من شهرين  ويجد بعدها السودانيون الشماليون  انفسهم  فى قبضة  نظام  الانقاذ  الفولاذية  وقد  انفرد  بهم هذه  المرة  تماما ،  فى غياب  كامل  لأى  معين   الا من   معارضة بائسة  لا  تخدش ولا  تجرح   باكثر  مما   تخدش به   الريح  المرسلة  وتجرح . أخ  ياوطن .


Ali Hamad [alihamad45@hotmail.com]
 

 

آراء