بصدق .. (أني أعترف وأعتذر)

 


 

 

diaabilal@hotmail.com

 

أصعب قرار للكاتب الصحفي أن يجد نفسه في وضع يضطره للإعتذار عن شيئ كتبه..وفي مرات كثيرة نتحرج من نشر اعتذار عن خطأ وقعنا فيه سهواً أو غفلة أو لسوء تقدير..!

.لكن الاسوأ من ذلك أن يدفع بنا شح النفس للتمسك بأخطائنا، والثبات على موقفنا، رغم وجود يقين قطعي بأننا على غير الصواب. عزة كاذبة تغرينا بالتمادي وعدم إعادة النظر،  في احداثيات المواقف، وجدوى الاقوال.

قبل أيام كتبت في هذه المساحة تحت عنوان (الله يكضب الشينة) عن تنبؤ لصديق بأن فوضى شاملة ستقسم الخرطوم الى مناطق عسكرية . على  كل منطقة قائد متمرد. وعلى كل كوبري ضباط فصائل  يفرضون رسوم تنقل..كما يحدث في الصومال..والمتطرفون والحاقدون يخرجون قوائم التصفيات.

رغم ان الرؤية السوداوية منسوبة لصديق وقد اعلنت في المقال موقفي من تشاؤماته ،التي لا ترى الكوب من الاساس، وليس فقط نصفه الفارغ..لكنني وجدت  والصحيفة في الطريق للمطبعة، وأنا أخلد للفراش، بعد يوم مرهق،بأنني على غير ما أريد اسهمت في الترويج لتلك السيناريوهات  المفزعة، التي كما تقول أحلام مستغانمي : (كتابات تشتري للقراء تذاكر للهروب من الوطن).. ولقد تأكد ظني وأنا اتلقى سيلاً من الرسائل والتعليقات عبر موقع الصحيفة والايميل  الشخصي والموبايل.

 نعم.لقد اسهمت - دون وعي نابه- في تخويف عدد مقدر من القراء بالداخل ،تخويفهم من الغد الآتي. وقد أكون كذلك  اسهمت في تزهيد البعض في الخارج من العودة للوطن.. كما قالت لي أم محمد في رسالتها.

صديقي مصعب الصاوي حينما وجدني وأنا في تلك الحالة الحزائنية..قال لي : أنت لم تفعل ماهو سيئ..انت نبهت لمخاطر يجب أخذها في الحسبان.. وعضد تفسيره ذلك بأن أفضل شركة اختيرت لحماية المرشح الديمقراطي باراك اوباما أثناء حملته الانتخابية هي الشركة التي قيل إنها تبني خططها التأمينية على أسوأ السيناريوهات..قلت لمصعب لكن المواطن في حاجة لإسناد معنوي أكثر من حاجته لأجراس الانذار.

القدر وحده الذي ألقى  بنا في طرقات مهنة تستمد اعتبارها من نشر الاخبار السيئة، الحروب، التوترات الازمات،السيناريوهات المتوقعة..!

في مرة طالعت بالانترنت خبراً ان شاباً عشرينياً قد قام بإنشاء موقع، لا ينشر فيه سوى الاخبار السعيدة، الاكتشافات والابتكارات  وكل ما بمقدوره وضع ابتسامة مشرقة على وجه قارئ..(لا أعرف حتى الآن مصير تلك التجربة الصحفية).

قلت لنفسي وأنا أمضي لكتابة هذا الاعتذار.. هذا الشعب النبيل في حاجة لما يدعم صموده في مواجهة الاخبار السيئة التي تحملها له صحف الصباح ،السياسية تتوعده بالتشظي. والاجتماعية تبشره بالانهيار، والرياضية تزف اليه الهزائم..لماذا تضطره الصحافة لأخذ جرعة يومية من المحبطات؟!..صحيح يجب ان يبصر بالمخاطر وألا يختبئ في معية النعام.. لكن من الافضل الا تهزم ارادته في التعامل مع المصائب قبل قدومها.

الساسة.. هم الذين يجعلون الصحف تولول بالمصائب..لا يقدمون بارقة أمل ولا بصيص ضوء ولا حلوى وعد..يتشاكسون ويتصارعون دون احساس بحشيش الارض ولا بالورود اليانعة...!

 هل تعرفون الاستاذ بابكر صديق صاحب البرامج الاشراقية الجميلة (أصوات وأنامل) واخيراً (نجوم الغد) هذا الرجل هو الاعلامي الوحيد الذي ظل يعقد لنا مصالحات مع «القادم».

عزيزي القارئ:

أغفر لي ان كنت قد كدرت نهارك أو أفسدت منامك تلك الليلة..بصدق اني أعتذر.. وأعترف بأنني في مرات تقودني الاصابع على الكيبورد إلى الإتجاه المعاكس لمكان الهدف.

 

آراء