بعض أعجب ما في الإنقاذ: عن تأشيرات الخروج والحج والنصب … بقلم: د. محمد وقيع الله
25 October, 2009
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]
أعترف بأنني كنت أحد (بعض الأخوة) الذين استشارهم البروفسور عثمان أبو زيد عثمان، في مقاله المنشور هذا الأسبوع، بصحيفة (الرأي العام) و(سودانايل) بعنوان (تأشيرة الخروج للمواطن: أهي بدعة سودانية؟).
وأعترف بأنني كنت الذي قال له ساخطا متبرما من إجراءات الإذلال الفظيعة التي يمارسها أغبياء الإنقاذ ضد مواطنيهم: إن فرعون كانت لديه إجراءات صارمة في الخروج ... ألا تنظر ما قال القرآن الكريم عن ذلك، عندما رفض فرعون تسهيل الخروج، عندما قالوا له: أن أرسل معنا بني إسرائيل.
وأعترف أنني قد ذكرته أيضا بقول أبي الطيب المتنبي الذي سخر من حال كهذا في وقت لاحق بمصر، ووصف حاله، وشكى، وبكى، وأبكى، وقال:
فأُمسِك لا يطال له فيرعى ولا هو في العليق ولا اللجام
وإقامة شاعر الدنيا المسكين أبي الطيب المتنبي بمصر حددت لأسباب أمنية، وحرم من الحصول على تأشيرة خروج من مصر، إلى بلده العراق. وكانت الشبهة القوية التي حامت حوله، أنه على وشك أن ينشر عملا عدائيا ضد مصر، وضد نظامها السياسي، فقد كان على وشك أن ينظم هجائيته الشهيرة في عاهلها أبي المسك.
أما فرعون من قبل، فقد اضطهد بني إسرائيل أشد الاضطهاد، وذبح أبناءهم، واستحيا نساءهم، وحرمهم تأشيرة الخروج من مصر، إلى بلدهم فلسطين. وقد عانوا منه مثل ما عانى أحمد من كافور، فلم يُطال لهم فيرعوا، ولا أُعطوا عليقا يأكلون منه، وهم راسفون في لجام فرعون ذي الأوتاد.
من فعل هذا بدولتنا؟
ومثل هذا العسف المتجبر ما يفعله بعض البيروقراطيين الإنقاذيين المتحكمين بأبناء شعبنا الكريم الصابر.
ولعل أعجب ما في عقول (بعض) هؤلاء المسؤولين الإنقاذيين، أنك تجدهم في مجالسهم الخاصة، يشتكون من ممارسات دولتهم وجناياتها، ولكنهم قلما يفعلون شيئا لمنعها.
ولولا أن نقل أحاديث المجالس لا يجوز، لنقلت من ذلك الشيئ الكثير، بل لأنشأت منه مجلدا لطيفا، اتخذته دليلا على ذهول القوم، ووجومهم، وتخبطهم في قارعة الطريق.
واسمع غير مسمع:
ولا شك أن هؤلاء المسؤولين، سمعوا فوق ما سمعوا من بعضهم البعض، شكايات ضحاياهم، ومن ابتلوا برزاياهم، وسياساتهم التحكمية، اللا عقلانية من جمهرة الشعب.
ومنهم جملة المواطنين الشرفاء، الذين علقوا على المقالة الناقدة للأستاذ الدكتور عثمان أبو زيد. وقد قرأت منها ثمانية وعشرين تعليقا، ما منها إلا وهو مؤيد له فيما ذهب إليه.
فمن هؤلاء من أكد على كلام الكاتب بتجاربه الخاصة، فذكر أنه سافر في كل حدب وصوب، في أنحاء الدنيا، ولم يطلب منه أحد تأشيرة خروج.
ومنهم من أتانا بطرفة ذلك (الخواجة) الذي قال: كيف يلزم الشخص المغادر منكم داره أن يطرق على الباب؟ ويالها من تحفة سنية تطرف أولي الألباب.
غرامة الطفل الرضيع:
ومنهم من قال إن حكومتنا لا تهدف من وراء تأشيرة الخروج هذه، إلا إلى أكل أموال الناس بالزيف والباطل.
وعزز دعواه بحالة طفلته التي ما أكملت عامها الأول بعد، وما بليت من دنياها شيئا يذكر، غير أنها ابتليت بالإنقاذ، التي غرمتها لقاء منحها تأشيرة خروج سبعين ألف جنيه، ثم لم تقنع بذلك فغرمتها خمسة وثلاثين ألف جنيه، سمتها رسوم مغادرة، ولا ندري ما الفرق بين المغادرة والخروج؟ فلتفتنا في هذا كليات الآداب، وليفتنا في هذا مجمع اللغة العربية، ولا نقبل أي فتوى جهل يتبرع بها علينا المسؤولون بجهاز الجوازات.
وتساءل هذا المواطن الكريم الحائر بعد ذلك قائلا: فهل معقول أن يكون الهدف من ذلك بخلاف القروش؟ ونقول له: كلا، وأي هدف أسمى من هدف غير القروش؟
الكومبيوتر الأصنج:
ومن أشد التظلمات التي وردت في التعليقات، قول أحدهم إنه طالما طاله اللوم من لدى أهله، لأن ظروف عمله لا تسمح له بأخذ إجازة أكثر من أربعة أيام، ولا يقدر أن (يساسق) فيها، ليحصل على تأشيرة الخروج، لأن كمبيوتر السفارة (مشاتر) مع كمبيوتر المغتربين، ولا يظهر سداد هذا المواطن الفاضل لكل ما فرض عليه من الإتاوات والجبايات، ولذلك يضطر إلى تخصيص يوم كامل من هذه الأيام القليلة، لإثبات أنه دفع عدلا ما فرض عليه ظلما.
وهكذا تبيع الدولة مواطنها هذا الشريف بيعا غير شريف: حشفا بسوء كيل.
وتحدث آخرون عن الإتاوة المسماة بضريبة قدوم، حيث يدفع المسافر مرتين: مرتحلا وقادما، وتساءل آخر لماذا لم يطالب مؤتمر المغتربين الأخير بشطب إتاوة تأشيرة الخروج، ومن يدري فربما طالبوا، بذلك ولكن شطبت المطالبة من البيان الختامي، فليسأل السائل من توفروا على صياغة ذلك البيان.
تأشيرة حج ونصب:
وهكذا كانت أكثر التعليقات تنساب في هذا الاتجاه.
وعلى حاشية ما ذكر هؤلاء الكرام، أشفع حكاية بدت لي فذة غريبة حينها، ولكني لا أجد الآن إلا أن أذكرها كمفردة صغيرة على حاشية هذه الأوابد المعجبة التي جاء بها الصحاب.
فقبل أعوام ثلاث كنت على أهبة السفر للإشتراك في مؤتمر عن الحج، ولأداء فريضة الحج معا، بدعوة مقدمة من وزارة الحج السعودية. وذهبت لآخذ تأشيرة الخروج إياها، من أحد مراكز الجوازت بالخرطوم، واندهشت لأنهم طلبوا مني مبلغا يزيد عن المليون جنيه، فسألت الضابط (المسؤول) عن السبب، فقال لأن تأشيرة الخروج تمنح لك في موسم الحج.
قلت له: ولكني لا أحج مع البعثة السودانية، ولا أتمتع (بخدماتها)، التي يتحدث بجودتها الحجيج، فلماذا أدفع هذا المبلغ الكبير إذن، قال الأمر لا يختلف لديك، وعليك أن تدفع فورا، وإلا فلا حج لك، ولا سفر.
ولم أجد إلا أن أدفع المبلغ ممتثلا مستجيبا، وذلك حتى ألحق بموسم الحج، فهذا الضابط المتجبر قد تلى مرسوما باطلا، وجلى سيفا صارما، وقال أجيبوا فقلنا نعم. وكيف يمكن أن أجادل (مسؤولا) لا يفهم ولا يعي؟
زبانية البعثة:
ثم ذهبت خلال الحج لزيارة أحد الزملاء، بما يسمى ببعثة الحج السودانية بمكة المكرمة، وهناك التقاني أحد زبانية البعثة، وطلب مني بلهجة آمرة، لا أدري إن كانت (جِبائية) أم (أمنية)، أن أسلمه جواز سفري، لما رآه بيدي، فأبيت، وواجهته قائلا: إني لم آت مع البعثة، ولا علاقة لي بها من قريب أو بعيد.
ولولا أنه لا رفث ولا جدال في الحج لقد كنت أدردف بقولي: ولن آت معها في أي يوم من الأيام إلى يوم الدين.
وعندما رأى هذا المسؤول (السائل) حزمي، وشدة تشبثي بجواز سفري، تغيرت لهجته إلى اللين والرفق، والتمس أن أسلمه جوازي، للحظة واحدة، لينسخ معلومة عنه ، وليرده لي على التو، فسمحت له، بينما لم أغفل عن جوازي طرفة عين.
ولا أدر فلم فعل ذلك الموظف فعلته التي فعل، ولكن ربما كان للأمر صلة بحسابات الجبايات، والإتاوات، التي يجمعونها من الخلق بغير الحق.
وهذا غيض من فيض مكر هؤلاء المقتدرين بغير الحق، والمتجبرين بغيره، وهم ما برحوا في غيهم لا يسمعون، ولا يعون، ولا يرعوون، ولا ينتهون.