بكم لسان يتكلم حسن الترابي؟

 


 

 


وكيف تنسجم أفكاره مع أطروحات (أجراس الحرية)؟
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]
(1 من 3)
أعوذ بالله من الخذلان وسوء الخاتمة.
هذا ما رددته عقيب فراغي من الاطلاع على مادة الحوار الصحفي الذي أجراه المحرر اليساري الملحق بصحيفة (أجراس الحرية) الأستاذ أشرف عبد العزيز مع الداعية الإسلامي السابق وزعيم ما يسمى بالمؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي هداه الله.
وأبرز ما يلاحظه قارئ هذا الحوار هو أن كلا طرفيه كان مستعر العداء محرضا على الشمال ومتعاطفا مع حركة التمرد الجنوبي المسنودة بالقوى الصليبية والصهيونية وقواعد الهيمنة الغربية، التي تتخذها جميعا آلية وأداة لوخز الشمال السوداني، وزعزعة استقراره، وتهديد أمنه، وتعطيل منجزاته الاقتصادية النهضوية وتخريبها.
ولذا كان طبيعيا أن يستهل الطرفان حوارهما بمخاطبة القوى الدولية التي ما برحت تبتز بلادنا بوضعها تحت قائمة الدول الراعية للإرهاب، فاتجه المحرر اليساري بخبث ليسأل الداعية الإسلامي السابق قائلا:" متى توصف السلطة بالإرهاب؟".
وأجاب هذا قائلا:" السلطة العامة القائمة بحق مشروع مكلفة أيضا بتأمين المجتمع وما هي بإرهابية في معاقبة الجناة والعداة من بين رعيتها أو من خارجها وأخذهم بالقوة وفق النهج والحد المشروع، ولكنها تتورط في الإرهاب إن كانت تسخَّر القوة وتبسطها لاستلاب السلطة وتوليها بغير شرعية أو تعنف وتبغي لتردع المعارضة المشروعة لمحض الحفاظ على سيطرتها ".
وإذن فالسلطة في شمال السودان هي سلطة إرهابية لأنها قامت على انقلاب.
ولو درى الفقيه الدستوري البارع في استخدام اللغة وتحوير المنطق أن هذه الإجابة تدينه لما فاه بها.
فهذه العبارة تدينه لأنه هو الشخص الذي حرض الجيش على الانقضاض على الحكم (الديمقراطي) في عام 1989م.
وهو الشخص الذي أشرف على تعنيف المعارضة وردعها لمحض الحفاظ على سيطرتها فألغت الأحزاب واعتقلت قياداتها وشردتهم.
ولم ينصلح الحال إلا بعد إقصائه هو من السلطة، فحظيت البلاد بانفتاح ديمقراطي كبير، حيث عادت الأحزاب تعمل من داخل البلاد، وجرت انتخابات ديمقراطية، شهد العالم كله، وشهد الشعب السوداني - وهذا هو الأهم -  بنزاهتها وتعبيرها الحقيقي الصحيح عن الرأي السياسي العام الغالب في السودان.
فتوصيف الترابي للإرهاب إذن لا ينطبق إلا على عشريته الأولى في السلطة، التي يمكن أن يصفها إن شاء بأنها:" كانت تسخَّر القوة وتبسطها لاستلاب السلطة وتوليها بغير شرعية أو تعنف وتبغي لتردع المعارضة المشروعة لمحض الحفاظ على سيطرتها".
وإذا كان حسن الترابي قد وصم الحكومة السودانية بتهمة الإرهاب في إجابته عن السؤال الأول، فسرعان ما راح في إجابته عن السؤال الثاني يبرر استخدام العصابات العنصرية التي يعتمد عليها في دار فور للعنف والإرهاب.
فقد سأله المحرر اليساري المغرض عن النظرية أو القاعدة التي توضح الفرق بين الإرهاب وبين الجهاد المشروع  لدفع الظلم.
فأجابه قائلا:" الجماعة الخاصة إذا كانت تقاوم بالفعل العنيف مدافعة ومعادلة بالقوة قوة الجبروت والعدوان والظلم الواقع عليها من حملة السلطة العامة الذين لا سبيل للمصالحة والمسايسة معهم لبلوغ الحرية والسلامة والعدل، فذلك فعل مشروع في هدي الدين والسياسة الإنسانية، ما دامت تلك المجاهدة والثورة من أجل الصالح العام سعياً لتغيير واقع متسلطن بالقوة الحرام ولقيام خلف مشروع للحرية والمساواة والتشاور والسلام بين كل المتواطنين وجوداً في أرض السلطان المختلفين مذهباً المتنافسين لولاية السلطة بالرضا الغالب والسياسة الحرة السمحة".
وإذن فجماعة العدل والمساواة التي يشرف عليها ويوجهها، ويسمي أعمالها كما قال في أحد لقاءاته بكودار حزبه أعمال مقاومة، هي أعمال جهاد مشروع وربما مبرور.
وربما لهذا السبب رفض أن يدين غزو هذه الجماعة الإرهابية الهمجية المارقة لأمدرمان، وقتلها لأكثر من مئتي مواطن برئ ليس لهم بها شأن ولا بالسلطة ولا بالقتال :" ولا قوة الجبروت والعدوان والظلم الواقع عليها من حملة السلطة العامة"
وهاهو يزداد ضلالا في فتواه الضالة المضلة التي تبرر الإرهاب، فيقدم تبريرا آخر لجحافل الإرهابيين ساقه إليه حاديه اليساري عندما سأله:" بم يوصي الإسلام عند التعرض للظلم..؟ وعلى من يقع وصف الارهاب حقاً؟؟"
فقال:" سلطان الحكومة قد تتولاه فئة متغلبة بقوتها متعصبة لعرقها وثقافتها تستسخر وتستكبر علواً على فئة مستضعفة وتذلها وتستأثر دونها بالسلطة والثروة ولا تساويها بل تظلمها عنوة، والدين لا يوصي المستضعفين بالذل والمسكنة بل بالمقاومة أو المهاجرة".
فالتبرير الذي يقدمه الترابي للإرهاب الذي يوجهه حزب المؤتمر الشعبي من دار فور هو أن الدولة السودانية - التي أقصته من السلطة - دولة عنصرية تتعصب لعرقها العربي وثقافتها الإسلامية وتتعالى على الآخرين  وتذلهم وتظلمهم.
ولا نريد أن نقول: ماذا ترك حسن الترابي للوبي الصهيوني في واشنطون ولمراكز الضغط التابعة لليمين النصراني الأمريكي والأوروبي لتقول عن السودان بعد هذه التهم الغليظة التي وجهها للبلاد؟!
ولكن نريد أن نسأله سؤلا بسيطا سيعجز لا محالة عن الإجابة عنه.
وهو: هل بدأت الدولة السودانية تتعصب لعرقها وثقافتها وأخذت تستكبر علوا، وتذل أهل دار فور فقط بعد قررات رمضان المباركة التي أطاحت به وبأنصاره، والتي أعقبها فورا تكوين حزب المؤتمر الشعبي المارق لعصابات العدل والمساواة، أم أن كل ذلك كان موجودا في عشريته الأولى ولكنه كان يغض الطرف عنه لأنه غير معني به وغير مهم على الإطلاق؟!
وأيا ما كانت إجابته فهي تدينه وتسيئ إليه.


بكم لسان يتكلم حسن الترابي؟
وكيف تنسجم أفكاره مع أطروحات (أجراس الحرية)؟
محمد وقيع الله
(2 من 3)

الشيئ الوحيد الذي راق الترابي في أمر حكومة شمال السودان، التي يسرف في عدائها بالحق وبالباطل، هو ذلك الحديث الذي ارتفع من بعض الأوساط الأمنية، وتم شجبه وشطبه من قبل الحكومة نفسها حول إمكان التنازل عن تطبيق الشريعة الإسلامية.
وهو الحديث الذي أعجب به أيضا المحرر اليساري فاتجه إلى سوق الترابي واستدراجه بسؤال منكر قال فيه:
:" اللغط الذي دار حول حديث الأمين السابق لمستشارية الأمن بأن الأحزاب إذا لم ترد الشريعة فليكن كيف تفسره؟"
وفسره الترابي قائلا:" إذا كان الرأي الغالب والأعظم للشعب رافضاً للشريعة فحديثه صحيحاً (يقصد صحيح .. والخطأ ليس من الترابي بالطبع وإنما من التقاط المحرر اليساري) والمولى يقول للنبي الكريم (ما انت عليهم بجبار) (ولست عليهم بمسيطر)... لاحد يستطيع ان يمنع الناس حريتهم أو يسلبها وينصب نفسه نائباً لله في الأرض، واليهود من قبل وصل بهم الأمر إلى الحديث بأن (يد الله مغلولة) و(الله فقير ونحن أغنياء) وقالوا عن الرسول الكريم (هو اذن) يعني بلغتنا الدارجة (انه اضينة) ولكن الرد لم يكن بالجبروت وانما باللسان (قل هو اذن خير لي ولكم) هكذا تحدثنا لغة القرآن".
الإسلام والثيوقراطية
وهذه الإجابة أكثرها تخليط في تخليط، ونسأل الله تعالى أن يعصمنا من تخليط نهايات العمر.
فالترابي يقرن بين تطبيق الشريعة وبين الحكم الثيوقراطي في التجربة الحضارية الغربية.
وهو الحكم الذي ينصب الحاكم فيه نفسه نائبا عن لله تعالى في الأرض.
وهذا أمر ما سمعنا به في التاريخ الإسلامي من عهد الخلافة الراشدة حتى اليوم، حيث لم نسمع بحاكم نصب نفسه نائبا عن الله تعالى في الأرض.
وإنما كان حكام الحضارة الإسلامية يسمون الخلفاء (خلفاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عن الله تعالى) أو يسمون بالأمراء أو السلاطين أو الملوك.
ولم يسم أحد منهم نفسه امبراطورا بلْه أن يتعالى إلى منصب النيابة عن الله تعالى.
فهذه فرية ترابية أراد بها - لغرض في نفسه - أن يسقط التجربة الغربية (القروسطية) على التاريخ الإسلامي وعلى حاضر القطر السوداني.
التفسير المغلوط للآيات

أما الآيات الكريمة التي استدل بها الترابي فليست مما يعضد زعمه.
فالآية الأولى التي شاء أن يقتطعها، كما كان محمود محمد طه يقتطعها، ويستدل بها للغرض نفسه، تمامها هو:( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيد). آخر سورة ق .
وقد قال ابن كثير في معناها:" ولست بالذي تجبر هؤلاء على الهدى وليس ذلك ما كلفت به".
فالنهي هو عن إجبار الناس على الإسلام لا عن تطبيق الشريعة عليهم بعد أن آمنوا.
وأما حكم تطبيق الشريعة على الناس بعد أن يؤمنوا فهو الوجوب.
وأما الآية الثانية، وقد كان محمود محمد طه يحب أيضا الاستشهاد بها للمعنى ذاته، وهي قول الله تعالى:( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ). الغاشية: 21-22. فقد نقل ابن كثير في تفسيره لها تفسير ابن عباس ومجاهد وغيرهما لها بأنه:" أي لست تخلق الإيمان في قلوبهم".
وقال القرطبي في تفسيره: أي لست بمسلط عليهم فتقتلهم.
فالأمر بمبدأ الإيمان وليس بتطبيق الشريعة الإسلامية كما يدعي الترابي.
وليس متعلقا بتطبيق الدستور الإسلامي كما كان يدعي محمود محمد طه.
هل نسي ما قال قديما؟
هذا ولا زلت أذكر محاضرتين حضرتهما للترابي في عام 1983م، عقدت إحداهما بجامعة الخرطوم، والثانية بجامعة أم درمان الإسلامية، رد فيهما على جواز التطبيق الجبري الفوري للشريعة على المجتمع.
واستشهد على ذلك بأن الشريعة طبقت على أهل المدينة بالرضا والتدريج، وأما على أهل مكة فقد طبقت بعد الفتح على الفور بلا تدريج.
فهل نسي الترابي مقولته هذه التي صفق لها الناس يومئذ كثيرا أم تنازل عنها ليرضي أنصاره الجدد من العلمانيين واليساريين والصليبيين؟
وفي كل حال فلا أظن أن كبرياءه الشخصي يسمح له بأن يقول بأنه كان على خطأ يومها وإنه يتنازل الآن عما أخطأ يومذاك؟
كراهية الترابي للعلماء
وعندما لم يعجب المحرر اليساري ومعه الدكتور الترابي قيام العلماء بالتصدي للدعوة للتخلي عن الشريعة، سأل الترابي عن موقف علماء الشرع وفقهائه.
فاستدعى مرة ثانية التجربة الأوروبية (القروسطية) قائلا:" نفس الأمراض القديمة القرآن تحدث عن (الربانيين والاحبار) الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله في كل أوربا الغربية، العلماء تحالفوا مع الاقطاع ومن ثم مع البرجوازية وحللوا الربا المحرم في الدين المسيحي، وفي الإسلام ذات الظاهرة تتكرر من حين لآخر وعلماء السلطان كتبوا الأحكام السلطانية ليتمكن معاوية من توريث أبنائه وفقا للدستور شريطة موافقة خمسة من أسرته ومن يعترض على ذلك تقطع رأسه، هكذا حال هؤلاء العلماء على مدار التاريخ".
فهو لا يرى خصوصية للتاريخ الإسلامي مثلما يعتقد المستشرقون.
فما حدث في أوروبا لابد أن يكون قدر الناس في كل مكان!
وعندما أراد الترابي أن يأتي في ذيل حديثه بمثال من التاريخ الإسلامي لم يأت إلا بمثال نحسبه من ضروب الخيال.
إذ لم نقف على طول دراستنا للتاريخ الأموي على أثر صحيح لما قال.
ومن علائم تدليسه إقحامه للفظ الدستور فيما قال.



بكم لسان يتكلم حسن الترابي؟
وكيف تنسجم أفكاره مع أطروحات (أجراس الحرية)؟
(3 من 3)   

بعد أن أسرف حسن الترابي في العداء والازدراء وكيل التهم جزافا لتلاميذه الذين خرجوا عليه وخرج عليهم عاد ليمدح نفسه ويزكيها ويقول:" انا لا أحقد على أحد، من قبل عملت مع النميري وحرضوه ضدي وأكثر فترات اعتقالي كانت في عهده ومع ذلك لم أذكره بسوء ... والخلافات بين الإسلاميين وقعت (نتيجة الخلاف) على مبادىء وأصول الحركة التي تقوم على الحرية والشورى والطهر والوفاء بالعهود والمواثيق والاختيار وفقاً للمشيئة حتى في إمامة الصلاة ولكنهم نقضوا الايمان بعد توكيدها".
وما ذكره في هذه الفقرة غير صحيح البتة.
فقد ذكر نميري بكثير من الاستهزاء والهجوم، وما فتئ يسخر منه طوال عهده، وكان أكثر هجومه عليه يوم سقط.
ومحاضراته بالميدان الشرقي بجامعة الخرطوم وغير من الميادين والساحات شهود على ذلك.
ولم يذكر الترابي قط أنه قد عفا عن النميري أو تجاوز وصفح عنه، كما فعل الأئمة من فحول الأتقياء كابن تيمية الحراني، رضي الله عنه وأرضاه، الذي عفا عن كل من سجنوه من الأمراء، وصفح عن كل من حرضوا عليه من مقلدة العلماء والفقهاء.
الغيظ البركاني
وأما محنة الترابي الحالية التي طالت وستطول - كما يبدو - مع تلاميذه الأقدمين، فقد فجرت براكين حقده وغيظه بشكل بركاني مهول، فأمسى لا يفضي بحديث إلا في أمر صراعه المرير من أجل السلطة، وما يشكو من ادعائه بسلبهم قياد السلطة من بين يديه وخيانتهم عهد الولاء له.
وهو من عشر سنين أو زهائها قد ذهل عن كل أطروحاته التجديدية، وعن مضامين رسالته الفكرية، التي كانت علامة ميزته على الوسط السياسي السوداني، فعاد على إثر ذلك سياسيا عاديا تقليديا، كقادة الحزبين التقليديين والحزب الشيوعي، لا هم لهم إلا السعي إلى نيل السلطة اغتصابا، وفي سبيل ذلك نصبوا الكيد لمن هو على سدتها، وأشعلوا في الوطن حرائق التمرد والخراب.
التلاعب بالعامل العنصري
وشخصيا كان أكثر ما أثارني على حسن الترابي، وأفقدني الثقة به نهائيا، هو اتجاهه للتلاعب بالعامل العنصري الذي لا يتعامل به سياسي شريف.
وإذا كان ساغ لحسن الترابي، ولبعض أتباعه الكذب، وإنكار اعتمادهم على العامل العنصري، وتجييشهم لعصابات العدل والمساواة العنصرية، فإن في لحن القول الذي يصدر عنه ما يكشف خفاياه وطواياه.
واسمع إليه يجيب المحرر الشيوعي المتواطئ مع حركة التمرد الجنوبي عن سبب اعتقاله الأخير، وما إذا كانت السلطات الأمنية قد حققت معه بقوله:" العنصرية غلبت علينا".
فهل يقصد الترابي بقوله هذا أن الحكومة عنصرية لأنها اعتقلته مع أتباعه من أعضاء حركة العدل والمساواة ومخربيها؟
أم أراد أن يقول الحق، كل الحق، ولا شيئ غير الحق، فيؤكد أن العنصرية قد طغت على حزبه الموصوف زورا بالشعبي، والذي فقد كل سند شعبي، وأمسى لا يعول إلا على سند قبلي جهوي عنصري  يشحنه بدعوى التهميش ويستغله لإشعال الحروب.
التظاهر بالوداعة
وعندما سأله المحرر الشيوعي السؤال المحرج الوحيد في حواره، وهو السؤال المركز على أسباب غفلته (التاريخية!) عن تآمر تلاميذه عليه، حتى فوجئ بانتزاع السلطة منه، أجاب إجابة قاصرة وغير أمينة.
حيث لم يعترف بأنه هو الذي ابتدر التآمر، وفجر أول فصول الصراع، بتألبيه لعشرة آلاف شخص ضد عشرة أشخاص!
وتظاهر بأنه كان غرا وديعا يحسن الظن بالآخرين، وقال: "طبعا بيننا عهد الاخوة ورابطها الوثيق وكنا نغلب حسن الظن في إخواننا ونستبعد كل الاحتمالات بوقوع خيانة (ماكان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).
وهكذا جاءت إجابته تتسربل بسرابيل المثالية الكاذبة، التي علل بها انهزامه أمام إخوانه وتلاميذه.
وأما الآية الكريمة التي ساقها فلعلها تنطبق عليه دون الآخرين!
وتماشيا مع خيوط المثالية المتهافتة، ادعى الترابي في إجابة عن سؤال آخر قدمه له المحرر الشيوعي (الغيور على العمل الإسلامي) قال فيه:"ما مدى تأثيرالفتنة على المشروع الاسلامي؟ ادعى الترابي أنه كان يريد أن يجدد حكم الخلفاء الراشدين!
وقال:" كل الثورات الفكرية في العالم شابتها عيوب في مرحلة من مراحلها، الثورة الفرنسية جاءت بشعارات ولكنها سرعان ما تحولت لضدها وسقطت في الفتنة، كذلك الشيوعية تمددت ثم تراجعت وانهار المعسكر الشرقي وكذلك البعث في العراق والأمثلة لا تعد ولا تحصى، وكان الناس ينظرون الينا بأننا أول نواة لدولة تعيد سيرة الحكم الراشد، لكن حقيقة لم تكن لدينا تجارب سابقة ولم نعتبر بعبر التاريخ والفتنة التي ضربت الصحابة بعد حكم الراشدين، وبالرغم من دراستي القانونية وإلمامي بالدستور المقارن لم تكن لدى فكرة انتقال بالفكر الديني لفتن السياسة".
وهذا المر فيه نظر لأنه احتوى على مبالغة شاسعة.
فمن كان يظن أو يأمل أن الحركة الإسلامية السودانية بكل عُجَرِها وبُجَرِها يمكن أن تجدد عهد الخلفاء الراشدين؟
لم يقل بذلك حالم ولا يقظان. فأكثر ما كان مطلوبا من الحركة الإسلامية السودانية هو أن تحمي أرض السودان من تغول حركة التمرد الجنوبي، التي غدا الترابي وحزبه يتحالفون معها الآن.
وكان مطلوبا منها أن تجتهد بعد ذلك قدر الإمكان في تطوير الاقتصاد الوطني، والتقدم بالوطن حثيثا على درب الدعوة والتنمية والازدهار.
ولم يكن مطلوبا منها وما كان بمقدرتها ولم جزء من برامجها أن تحيي عهد الخلافة الراشدة بالسودان!
فهذا جزء من مِراء الترابي الذي أصبح يدمنه ويدمن التعلق بالشعارات والمثاليات، كحديثه الذي لا ينتهي عن بسط الحريات والفيدرالية.
تزكية الذات
وفي عود منه لتزكية نفسه قال إنه على غزارة علمه ندَ عنه أن يدرس موضوع الفتن في عهود الانتقال.
قال هذا وكأنه يعني ضمنا إنه إن لم يدرس هذا الموضوع المهم بنفسه فلا أحد غيره قادر على دراسته أو الإلمام به.
فهو وحده ولا شخص غيره المفكر الأوحد، الذي ينبغي يدرس المسائل النظرية الشائكة، ويحلها، ويقرر فيها وفي الأمور الكبار، تماما كما هو دأب الصادق المهدي في حزب الأمة وكيان الأنصار.
ولذلك قام الترابي عمدا في الماضي بتعطيل النشاط الثقافي والعلمي في الحركة الإسلامية السودانية، التي كانت تحتاج في طورها القديم إلى الكثير من الدراسات والمدارسات النظرية من هذا القبيل.
والتف بمهارة سياسية بارعة على كل طلب منا لتحقيق شئ مثل ذلك، وسخر منا  سرا بأننا (مفكراتيون) لا يجيدون سوى التنظير.
الغارة على السلفيين
ولأن حسن الترابي أصبح في حلف مع حركة التمرد الجنوبية، وعملائها في الخرطوم، من أمثال محرر (أجراس الحرية)، فقد توجب عليه أن يبدي انزعاجه
لما ينزعجون منه.
ولذلك قدم له المحرر طرف الخيط عن السلفيين ووصل به هو إلى  غايته القصوى.
وهكذا بدا الطرفان: طرف المؤتمر الشعبي، وطرف الحركة والشعبية، منزعجين انزعاجا شديدا من انتشار حركات الأصالة الإسلامية السلفية وتغلغلها في البلاد.
وقد جاء استدراج المحرر الشيوعي  للترابي بهذه الصيغة:" هناك انعطاف تجاه الحركة السلفية ورموزها د. عبد الحى يوسف ومحمد عبد الكريم".
وجاء تأكيد الترابي على قول المحرر الشيوعي واستكماله له بهذه الصيغة:" السلفيون ينتقدون قباب الصوفية المساكين ولكنهم يسكتون عن قباب القصور والفساد الذي تحتها... ومنهم من يخرج أحياناً معبراً عن احتجاجه ولكن سرعان ما تتغير خطبهم ويمدحون السلطان إذا حضر".
فأي اختزال أقل أمانة وموضوعية لتاريخ الحركات السلفية من هذا الاختزال، الذي أجاب به الترابي عن شبه السؤال، الذي وجهه إليه المحرر الشيوعي، المتفق معه ابتداء في الجواب؟!
ولابد أن نذكر أن حسن الترابي الذي عرفناه قديما لم يكن يأبه بالحركة السلفية ولا يعيرها أدنى اهتمام.
ولكن لما بدا أن حركة التمرد يهمها أمرها فقد تحتم عليه أن يبادلها الاهتمام.
وأصبح متوجبا عليه بحكم هزيمته السياسية أن يتماهى مع حركة التمرد الجنوبية وينسجم معها على التمام.
وليس مهما أن ندافع عن الحركة السلفية هنا، فهي أولى بأن تدافع عن نفسها، وإنما كان همنا تفنيد أقوال هذا الزعيم الذي فقد ظله، وأصبح يترنح بأقوال يخبط بعضها على بعض!

 

آراء