بلادنا ذهب نضار النار لا تزيدها إلا لمعانا !!

 


 

 

شيخ ثمانيني أراد أن ينهض من السرير فتعثر وكانت انزلاقة علي البلاط المبتل نتج عنها كسر بالساق وبدأت المتاعب مع المشافي والتطبيب بحيث لا يكاد أحد أن يصدق بأن حالنا في هذا المجال قد تراجع الي القرون الوسطى .
خطفته الأسرة المشفقة علي جناح السرعة وهو في غاية من الالم والمعاناة الي هذا المستشفي الحكومي ووجدوه كالعادة مكتظا بالمراجعين وحوله الباعة الجائلين و ( الفريشة) حتي أن الإسعاف عاني من مجرد اجتياز البوابة ووصل للطوارئ والمريض تكاد روحه تصل إلي الحلقوم ومرافقوه بلغ بهم الإرهاق حدا بعيدا وتذرعوا بالصبر الجميل عسي أن يطل عليهم معالج مسؤول يساهم في تخفيض درجة التوتر عند المصاب وأهله الذين كاد انفعالهم يناطح الثريا !!..
أسقط في يدهم عندما اطل من خاطبهم وكانما يرمي عليهم قنبلة عنقودية :
( ياجماعة شوفوا لي زولكم دا مستشفي تاني ماعندنا ليه سرير وكما ترون الزحمة قدامكم ماعاوزة ليها شرح وكمان عندنا هنا مركز عزل للكورونا وما عاوزين العدوة تزيد عشان كدة احسن ليكم تنفدو بي جلدكم ) !!..
وفعلا كان الجو خانق وكل اثنين من المرضي في سرير واحد والناس طالعة نازلة وتحس كانك في سوق ام دفسو وليس في مكان يتطلب أن تسوده النظافة والهدوء التام ورغم كل هذه المنقصات والاوجاع والآلام كان هنالك اضراب للأطباء فقلت في نفسي مادام أهل الجلد والراس غير متوفرين الهيلمانة دي كلها لزوما شنو ؟!
بعد ضياع ساعة أو أكثر والمسكين يئن من الالم الذي تزداد وتيرته كلما مضي الزمن من غير إسعاف حتي ولو اسعافات أولية ولكن عندنا هذه الأشياء عفي عليها الزمن وعلي الكل الصمت النبيل والألم المكتوم راي القوم أن يتجهوا لمستشفي حكومي اخر ربما تكون فيه بعض الرحمة وتخفيف معاناة هذا الإنسان المنكوب وبني عشيرته الأكثر نكبة .
وعند البوابة تكرر نفس الموقف كما حصل في المرة الأولى وياله من انتظار ممل وجمهور يسد عين الأفق وبعد شق الأنفس قالت لهم سلطات المستشفي لا تضيعوا وقتكم الثمين فنحن هنا الفينا مكفينا ولا يوجد عندنا موضع لقدم وجيشنا الأبيض مضرب وعليكم بالمستشفيات الخاصة فهي الحل !!..
توكل أهل الوجعة وقد نال منهم إلارهاق وهم يرون ابنهم يتلوي مثل الافعي والعرق يتصبب منه أنهارا وشلالات والله وحده يعلم مجمل معاناته في هذا الظرف العصيب !!..
طبعا في المستشفى الخاص اول المستقبلين ليس قسم الطواريء أو ملائكة الرحمة بل قسم الحسابات وهؤلاء تعاطفهم مع الحالة المرضية أقل من الصفر الى أن يتم الدفع المقدم وبعد ذلك تنفتح الشهية لتقديم الخدمات الممتازة !!..
قالوا لهم :
( رجاء إيداع مبلغ مليار جنيه كاش كامنية قبل إجراء العملية ) !!..
المؤلم أن تحديد المبلغ وكيفية دفعه كل هذا تم ولم يكن هنالك طبيب أو حتي ممرض قد رأي صاحب الساق المكسورة وغايتو يحار المرء في هذا التشخيص الميتافيزيقي غير المسبوق !!..
هنا تحرك بقية الأهل والأصدقاء والجيران وأهل الخير وكان المبلغ بالتمام و الكمال جاهزا علي منضدة المحاسب واخيرا وجد هذا الشيخ الثمانيني غرفة وسريرا تمدد عليه بعد رحلة عذاب طويلة في انتظار العملية علي امل الشفاء من إصابة الساق بالكسر وإصابة النفس أيضا بالهم والغم مما آل إليه حال مستشفياتنا حكومية أو خاصة !!..
ولكن العزاء أن بني السودان مازالوا ذهبا نضيرا لم تزده النار والأيام إلا لمعانا !!..

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com

 

آراء