من منا لا يعلم من هو الطيب مصطفى؟ وهو الذي أضرم عبر منبره "السلام العادل" نار التفرقة والإنفصال، والتي ما امتلأت حتى عقيب استقلال جنوب السودان وذهاب أهله نحو نيران جديدة، انطلقت شرارتها وما انطفأت حتى يوم الناس هذا!
ومن منا لا يدري أن الطيب مصطفى يحمل في قفصه الصدري شيئاً آخراً بخلاف ما يحمله البشر، لذلك لا نستغرب أن يأتي بأي فعل ينفث من خلاله بعضاً مما بين حناياه، كره، حسد، بغض أو روح انتقامية! فكل هذا بعض من طبائع الاستبداد ويمكن التعامل معه كلوثة لا علاج لها إلا في أماكنها المعلومة؛ إلا أن ما أتى به في مقاله بصحيفته "الخاصة" (الصيحة) بتاريخ 12 ديسمبر الماضي وعنوانه(حذارِ من اللعب بالنار يا سفارة ترمب)، يعد جريمة مكتملة الأركان في عرف الدول التي تقيم القانون وتتمثله، وتحريض مبطن بالنصح والتحذير يعاقب عليه القانون! فعلى الرغم من تغطيته لنواياه تلك بعبارات من شاكلة: أحذِّر، استفزاز المسلمين، وإن أمريكا على موعد رباني مع عذاب أليم، إلى آخر العبارات الإرهابية المحرِّضة، إلا أن روح المقال تنضح بالأماني غير الطيبة والرغبة في التشفي غير المحمود!
لا ندافع عن أمريكا ولا عن سياساتها ولا ينبغي لنا، فأساليبها ومواقفها خصوصاً بعد اعتلاء ترامب لكرسي رئاستها تدعو لكثير من الريبة وهو باب مفتوح للنقد وإتخاذ المواقف، ولكننا ندافع عن حق أي إنسان وفي أي مكان بالشعور بالأمان والطمأنينة، فكيف يكتب الطيب ما كتب وذكرى مقتل الدبلوماسي الأمريكي غرانفيل على الأبواب، هو وسائقه السوداني عبدالرحمن عباس الذي نعرف سيرته وسريرته ليس من الصحف ولا من خلال حادثة مقتله مع غرانفيل، بل من خلال علاقة دم لصيقة ووثيقة؟!! لقد قال الطيب من خلال مقاله إن غرانفيل وسائقه قُتلا لأن الأمريكي استفز " شباب سودانيين" وأن غرانفيل (قضى نحبه قبل سنوات برصاص شباب سودانيين استفزهم عبثه بأعراض فتيات السودان في أحد ملاهي الخرطوم في حفل أُقيم بمناسبة رأس السنة الميلادية حيث كان يقضي ليلة حمراء اصطحب في خاتمتها في سيارته بعض الفتيات السودانيات فتابعه أولئك الشباب وأردوه وسائقه قتلى)!! هذا بهتان عظيم وقول ينضح بالتشفي والغل، ويخلو من الحساسية والذوق السليم - أي ذوق؟!!- والتحريض غير المباشر لآخرين ليكرروا الفعلة! كما إن للحادثة شهود عيان، رووا ما يخلو من هذه التهمة، والتحقيقات أثبتت أن الصدفة المحضة هي ما جعلت غرانفيل وعبدالرحمن ضحايا لهذه الحادثة المقيتة، أما كاتب المقال فقد ألقى تهمته هذه دون تحقيق ودلائل، ودون وضع الاعتبار لسمعة أسر الشخصين الذين قُتلا غدراً، كما إنه وضع حجر الأساس لمنصة التبرير لكل جاني محتمل كي يصطاد أي مجني عليه محتمل! وبمعرفتي لعبدالرحمن أستطيع أن أقول إنه يتمثل الإسلام بأفضل من كثير من المدعين وأحدهم (عَتِل)، ويرعى الله الذي يعرفه معرفة العابد المستقيم لا معرفة التجارة بالدين، فعبدالرحمن لم يستفد من إسلامه في الاستثمارات وأكل أموال الناس بالباطل، ولم يبرر لنفسه المتاجرة باسم الدين، ولم يلوث إسلامه بشتيمة الناس واغتيابهم في حياتهم ومماتهم!
ماذا يريد الطيب مصطفى ومن هم على شاكلته من هذه البلاد، وما هي مشاريعهم بعد أن سوموا على الشعب فسرقوا أحلام شبابه وأماني كهوله وقنصوا لأطفاله؟! أقول إننا لا يجب أن نسمح لأمثال الطيب مصطفى بأن يشوهوا صورتنا أمام العالم، فالشعب السوداني لم يعرف التجلي في صنع المكائد والأذى إلا مع مثل هذه الأفكار الهدامة. لن نسكت على خلط الورق الذي يقوم به الطيب مصطفى، فمالها وقضية الأقصى بقتل الأبرياء في طرقات السودان، وما الذي يجعل مشروع الدولة الأمريكية في الشرق الأوسط مطية ومبرراً لاستدعاء حادثة غرانفيل البشعة؟! وما الرسالة التي يريد الطيب((البرلماني)) تضمينها من ذكر فرقة الجاز الأمريكية مقترنة مع موقف ترامب من القدس؟! شتان بين عازفين وموسيقيين جاءوا بتأشيرات دخول رسمية لإقامة حفلات في البلاد وبين الموقف السياسي لرئيسهم، فالأول نشاط سلمي ثقافي للسلطات كامل الحق في أن تسمح به أو تمنعه حسب الرؤية التي تراها، أما الثاني فشأن سياسي له أماكنه وطرق التعامل معه!!
أخلص من هذا المقال بالقول، إن شبهة التحريض التي حملها المقال، يجب أن يُنظر إليها كشبهة جنائية يتحمل عواقبها الطيب مصطفى، وعلى السلطات السودانية أن تحترز من مثل هذه التصرفات الرعناء بما يضمن عدم إلحاق الضرر بالدولة السودانية، فالدولة السودانية تحتاج للخروج من تُهمة رعاية الإرهاب، ولكن مثل هذه التصرفات تجعل هذا الأمر عسير المنال!
baragnz@gmail.com