بيت العنكبوت الوهن ومحن السودان (الجزء الاول)
قبل الدخول في الموضوع، ولعدم الالتباس، لابد من الايضاح حول العنوان المقتبس من مقالتي" هل يمكن الخروج من بيت العنكبوت الوهن...؟ "المنشورة بتارخ 14 يناير 2010 بصحف : الصحافة، وسودانايل- منبر الرأي للاطلاع- وسودانيس اون لاين"، وكذلك الانترنت.
منذ عشية يوم تقرير المصير من الاستعمار، يتطلع ابناء الشعب السوداني الكريم، وبدون جدوى،إلى التخلص من أزمات وطنهم العالقة المستمرة، كالساقية الدائرة. واصبحت كل أزمة تخلق أزمة جديدة من سابقتها. وكل الذين تكالبو على دست الحكم وحتى اليوم، من المدنيين والعسكريين، شاركوا بإمتياز في بلورة حدة هذه الأزمات. وكانوا ولا يزالون بإعطاء الوعود البراقة لحل مشكلات الوطن الشائكة العاجلة، وإصلاح يحقق التقدم والازدهار، والعكس كان مواكبا حقيقيا لأفعالهم.
لقد كانت سياسات الإفقار والتهميش والفساد والاستبداد، سياسات طبقتها الدولة العميقة، من قبل جميع النظم التي حكمت السودان، بل تجاهر بها نظام الانقاذ خلال (30) عاما. وينتفض الشعب السوداني، "غاضبون، عارفون، مدركون، مطحونون، لم يبق منهم إلا الرمق الاخير. نظامهم الحاكم يتجاهلهم، ويريدهم مقيدين مسحوقين دائما، لكنهم يتربصوب به. وجاءت كلمة الجماهير الهادرة: "فليسقط النظام"، المعبرة عما في نفوسهم: " حرية، وسلام، وعدالة". نعم لقد إنتصر الشعب السوداني بدماء شهدائه على نظام "الانقاذ" في قيادة الدولة، ولكن لم ينتصر كاملا، لان براثن النظام الذى قضى (30) عاما عجافا في تسير أعمال الحكومة، لم يزل القوة العابثة بالاقتصاد، بل النافذة بمخالبها الحادة(التمكين) في تسير جميع الاجهزة، والخطر هو الاعلام عراف التسويف، الذي لا يزال تحت نفوذ النظام السابق، بل هناك بعض التغيرات طرأت كما تتغير لون الحرباء).
اقتبس الجزائريون (حراكهم) من انتفاضة الشعب السوداني، ولكن مع الفارق، وجود الراحل الفريق احمد قايد صالح(كان عليه الرحمة نائب وزير الدفاع- ووزير الدفاع هو رئيس الجمهورية أي انه وزير الدفاع الفعلي-، ورئيس هيئة اركان الجيش، الذي يضم جميع وحدات القوات المسلحة والشرطة وجميع اجهزة الامن(اقوى وأحدث جيش في افريقيا). لقد قاد الجزائر بحزم وثقة الى بر الأمان، بالمحافظه على الدستور، ولم يطلق رصاصة واحدة على الثوار ومقاطعي الانتخابات طوال عشرة اشهر، وكذلك لم ينطق قط بكلمة فرنسية، بل اودع الزمرة الفاسدة النافذة، المسيطرة على الحكم والاقتصاد السجن وحكم القضاء عليهم باحكام وصلت (20) عاما، حيث ابطل كيدهم وحولها الى سراب وخيال.ونظم إنتخابات مشهودة بالنزاهة، ليترجل بعدها في اليوم الرابع لملاقاة ربه(شَيعته الجزائر بجنازة رئيس دولة، لم تشهدها هذا البلد في تاريخه، وشاركت وبكته الملايين من كل الفئات بمختلف اتجاهاتم وانتماءاتهم في الداخل، وايضا دولياً).
لفت انتباهي ايضا مقالتي العم القامة الاقتصادية-السياسية ابراهيم منعم منصور(المصالحة الانسانية والمصالحة الوطنية)، ومناوشته للصديق الدكتور الشفيع خضر حول "الهبوط الناعم". نعم، ما أتى به العم ابراهيم منعم( هناك تجاهل وجهل الاستفادة من قامات اقتصادية- سياسية- اجتماعية يمكن ويحبذ الاستفادة من خبراتهم في حل ازمات الوطن والخروج من بيت العنكبوت الوهن، ويا حبذا لو تمت تلك من البداية، لما تعيش البلاد اليوم في هذه الاوضاع المذرية) يعكس عين الحقيقة حول هذا الهبوط بعد الانتفاضة الجماهيرية، والتي اتت بشركاء الحكم العسكري- المدني وإتسمت بطابع تناقض التصريحات والوعود الغير قابلة للتحقيق وتذهب في اليوم التالي ادراج الرياح، و التي خيبت آمال الجماهير، وتدهور الاوضاع الاقتصادية- السياسية- الاجتماعية بالكر والفر بين العسكر والمدنيين ، وأطراف الحرية والتغيير والمهنيين والحركات المسلحة خلال المحادثات الجارية في جوبا. ويظل البلاد بدون وزير دفاع منذ وفاة الصندوق الاسود. وهناك تقاطع متناقض بين مجلس السيادة ومجلس الوزراء، وتربص من الذين يسعون العودة للحكم. بل لا يعلم الا الله الي اين تتجه السفينه في بحر السودان. السياسات والازمات التي ادت الي قيام ونجاح انتفاضة الشعب السوداني(الكل يعرفها)، لا تزال تخيم وتحوم في سماء البلاد وازدادت سوءاً وحدةً، بل جاءت كابوس كارثة مرض " كورونا" ليجسدهم تعقيدا، وليعم الوباء اقتصاديا- سياسيا- اجتماعيا.
النصائح المطروحة من العم ابراهيم منعم، التي اتمنى، بل (يجب) أخذها محمل الجد، والاستفادة منها، لنجاح الثورة، وفاءاً لدماء الشباب وضحايا حروب الابادة في دارفور، والمنطقتين والشرق، وغدر انفصال جنوب السودان. هذه النصائح الغالية(اخوك او صديقك هو الذي يبكيك وليس الذي يضحكك). نعم، هي باقة نصائح اجبرتني للكتابة بعد اعتكاف مطول وقادتني للحديث ايضاً وبقصد عن الراحل الفريق احمد قايد صالح، الذي حافظ وأوصل "الحراك" الجزائري(المقتبس من إنتفاضة الشعب السوداني)، اوصلها لبر الامان وانتخاب رئيس جمهورية دستوريا، بالمحافظة على عقيدة جيش وطني حمى البلاد ومنع التدخل الخارجي والداخلي، والصراعات الايدلوجية والسياسية، ونحن لا نزال في مستنقع مغالطات الركود.
اتنهز هذه الفرصة لنعي الراحل المثقف الدبلوماسي القامة الدكتور منصور خالد الى جوار ربه، بعد ان خلف عطاءاً لا يستهان وتفتخر به المكتبة السودانية، ليس فقط وانما ايضا خارجيا. سبقني الكثير في رثائه بجدارة يستحقها، بل كرمته دولة جنوب السودان بتنكيس الاعلام لمدة ثلاثة ايام. واستوقفني واقشعر بدني لنعى السيد الصادق المهدي للقامة الراحل، ولم يجف ماء قبره يوماً واحداً، عكس الامام احمد المهدي الذي اوفى الراحل حقه. توقفت قليلا ورجعت بذاكرتي الى المسرب عن الصادق المهدي، من الراحل الشريف حسين الهندي وكمال عباس- ممثل حزب الامة في مؤتمر المائدة المستديرة، حول مواقفه وخاصة حول إلتزامه على ما اتفق، وانفصال جنوب السودان. الراحل كان من دعاة ومناصيري "السودان الجديد"، الذي كان يسعى له الراحل د. قرنق، ولم ينتمي ابداً للذين سارعوا وجاهروا بالعنصرية لانفصال جنوب السودان. نعم، فند سامي الصاوي في رد يشفي الغليل، ودحض بالتوثيق كل ما قاله الصادق عن الراحل المقيم.
لقد ختم الصادق المهدي نعيه للراحل ببيت شعر للبحتري، انها كلمات مشينة، لاتشبه الراحل المقيم. وعليه ان يعي، وهو امام الانصار ورئيس حزب الامة القومي(هنالك ايضا اماماً اخراً للانصار هو احمد المهدي).ِ ان الموت سنة الحياة، ونتذكر محاسن موتانا، ونترحم عليهم بالدعاء الحسن، بل ان القبر ينتظرنا جميعا؟
يتبع
Mohamedelsharif22@yahoo.com