بُرهة من الصفاء … بقلم: عبد الله الشقليني

 


 

 

 

    على شباكِ العُمر يرتمي الصيد حُباً في المكيدة . تقول الأسفار القديمة إن صِحاب الرُسل والتابعين و رفاق الأنبياء يُحبون الصيد الذي يأتي طواعيةً . يحسبون النَمل في كفة الأصدقاء ، والخُنفُس جار لا يضُر ، والهُدهُد رسول   غرام . الأسماك دون غيرها تموت ولا يحس العامَّة بحيواتها الراحلة إلا من يعرفون الكون حق عِرفانه ، يحبون ألا تُزهق الروح !.

   بيني وبين الصفاء جُرعة من رحيق العُمر . تأخذني النشوة ولا أتجرعها .الكؤوس والأطباق من صناعة الأرواح : لا لون ولا صوت ، لكنكَ تحسّها حين تكون جائعاً للصفاء .

    المعدة لا تجوع عند العِرفانيين . لا لحم ولا حليب . تأكل أنتَ من أوراق النبات ما تيسر . وزن كُتلتك دون المُتوسط ، والقامة كالمُعتاد : تُراوح بين الطول والقِصر .

   جلستُ مُتقَرفِصاً . صورتي في مرآة الفكر نظرتها ، خالية من ترهُل السنين . الفكرة تأسرني ، حين بدأت التخلُص من قيود ( الجنّدر ) . الروح ترفَّعت عن رغائب الأجساد .

   قلت لنفسي هذا يوم للصفاء ، وللراحة من عجلات الطحين ، لنعُد أدراجنا إلى راحة النفس والبدن . تنفستُ جُرعات من أكسيد الحياة عُدة مرات .تمددت الرئتين واستعدت الروح للحضور . نـزعت نفسي عن الشوائب والكدر . أغمضتُ عيناي وتذكرت محبوبةً من فصيلة النبات ( الأرومي ) ، تَعبُق بالروائح . تفتحت الأبواب ودخلت روحها إلى مجلس صفائي ، حَضرَة في كامل هندامها . بسمتها لؤلؤية . مرآتها رشفٌ من الجنان الموعودة . غسلت كَآبتي بصابون عِرفاني ، فتنضرت بَشرتي .

    عيد النيروز كان أقرب الأعياد إلى يومي هذا . إنه يوم التقويم العاشق في نفسي . بدأ لقاء الأرواح ، وتصاعدت مُتآنسة ، والجسد تسامى و فقد نِزاع الشهوة وحُب التملُك  . الرغبات هجرت الجسد إلى بطن الذاكرة الدفينة ونامت . يقولون الرغبة تُسايركَ على الدرب المُمهَد ، وعند المُنعطفات تصرخُ فاردة خيلها والصهيل يملأ الفضاء . اليوم نامت الرغبات الدفينة منذ هبت نسمة الصفاء ودخلت أكوانها مُتعبداً.

   من يصنَع من الإنسان  عاشقاً مُتوهجاً بروحه . مزّقت الروح  الجسد وركبت جناحي طائرٍ ورحلت  . من بين تلافيف الذهن نبت ملاكٌ حالِم ، تَسامى كرُهبان التبِتْ  ، و من نوره أفصَح مُشرقاً  . سبحتُ مع النور . الحمَّام النوراني أخرجني من ضباب الغضب القديم وأوجاع  الهزائم ، وخيبات العُمر .

     دخلتُ الآن كهفاً ، أرضه من نِصال ناعمة على الحُفاة ، متصوفاً اعتـزلت الدُنيا بُرهة زمان . غسلت بشرتي من تضاريس الخطايا و وخِزات الذنوب . دخلت الكهف مُتلصصاً . كانت هنالك ذئبة تُربي صغارها ، حسبتها أول مرة تنظُرني نظرة عدوٍ جاء يُفسد موجة حنان تدفق .  عمَّ السلام نفسي والبدن .سلّمتُ عليها  دون خوف و رأيت الرحمة في العيون المُفترسة . عرفتني جئتُ في ضيافة رحمان  .

نطقت فارتجَّ الكون من حولي وصحوت .

25/06/2006 م

abdalla shiglini [abdallashiglini@hotmail.com]

 

آراء