تأجيل الانتخابات

 


 

 

تأجيل الانتخابات

 

ظروف موضوعيه، وخلق أوضاع استثنائية

 

خالد البلوله إزيرق

 

dolib33@hotmail.com

 ما بين تاجليها وإجراها في موعدها، حالة ظلت تسيطر على المشهد السياسي بتكويناته المختلفه، وبعيد اقتراب موعدها المحدد في الدستور والاتفاقيه أصبحت كفة تأجيل الانتخابات عن موعدها المحدد دستورياً أكثر واقعية مع دعوات هنا وهناك تدعو لذلك التأجيل بدواعى واسباب محتلفه، فما بين التعلل بالظروف المناخيه كعائق لإجراءها، وربطها بمستحقات أخري متعلقه بزاهتها وشفافيتها تبدو خطوات التاجيل الاكثر قرباً لملامسة الواقع السياسي الذي ستجري فيه هذه الانتخابات.فبعد أن كانت تكهنات القوي السياسيه تشير الى استحالة قيامها في ظل تعقيدات الوضع الراهن بمستجداته المختلفه، أخيراً أفصحت المفوضية القومية للإنتخابات عن إجراء الانتخابات في موعدها، ولكنها لم تقف بعيدة في تصريحاتها الصحفيه تلك من ملامسة الواقع الذي سيعتري قيام الانتخابات حينما اشارت الى انها ستنتظر نتائج الاحصاء والترسيم الحدود التى يمكن أن ترجئ اجراءات الانتخابات، فيماجعلت الباب مشرعاً لكل الاحتمالات بما فيها التاجيل بعد دراستها لظروف قيامها في الموعد المحدد لعدة شهور ليتم اجراءها خلال هذا العام بحسب ما نصت الاتفاقية والدستور الانتقالي.وفي الوقت الذي يذهب فيه سياسيون الى استحالة قيام الانتخابات في موعدها لعدة اسباب تعتريها، ويشيرون الى ان العمود الرئيسي الذي ستقوم عليه هذه الانتخابات هو التعداد السكانى الذي يعتبر مربط الفرس في اتفاقية السلام 2005، فعن طريق هذا الإحصاء يمكن تحديد حصة كل طرف في السلطة والثروة، كما أن الانتخابات المقررة يوليو القادم، والتي تعتبر أول انتخابات ديمقراطية في البلاد منذ 23 سنة، ستتم على ضؤ نتائج هذا الإحصاء، وهو الاحصاء الذي يخوف الجنوبيين من ان تقود نتائجه لتؤثر على الأوضاع القائمة في حصتهم المكتسبه بموجب اتفاقية السلام الشامل، لذا يخوف مراقبون أن يؤدى اعلان نتائج الاحصاء السكانى اذا تم رفضها من قبل الحركة الشعبيه لإحداث حالة احتقان سياسي وأزمة جديده ربما تعصف بالانتخابات وتدخل البلاد في دوامة ازمة جديده، وخاصة أن الإحصاء قبل عملية ترسيم الحدود التى سيعتمد عليها في تحديد الدوائر الانتخابيه ومعرفة عدد سكان الجنوب وكذلك الشمال لعمليات الاستفتاء التى ستجري 2011م. في وقت يشير فيه قانويين الى حق مفوضية الانتخابات في تأجيل الانتخابات لعدة شهور دون أن يؤثر ذلك على الوضع الدستورى بإعتبار أن الاتفاقيه تنص على اجراء الانتخابات في السنه الرابعه، وذهب القيادي بالمؤتمر الوطنى وعضو المجلس الوطنى الأستاذ عبد الله بدري في حديثه لـ"الصحافه" الى أنه لو حدث تاجيل لفترة زمنيه قصيره ولأسباب موضوعيه يكون مقدور عليه خاصة اذا استحال اجراء الانتخابات لظروف موضوعيه، وقال اذا كان من الضرورى أن تأجل الإنتخابات يمكن للمجلس الوطنى أن يمدد دورته الى ما بعد يوليو للإطلاع بواجباته الدستورية والتشريعيه بإتفاق الشريكين، مشيراً الى ان الشريكين من حقهم يعملوا أى شئ بموجب الاتفاقية والدستور، وقال إن في تاجيل الانتخابات هناك جهة ثالثه هى مفوضية الانتخابات هى المسئوله عن ذلك التأجيل واذا رأت أن تؤجل الانتخابات يمكن للشريكين ان يتفقوا على ذلك فكلها معادلة خاضعه لحسابات موضوعيه، وقال إن المؤتمر الوطنى ينادي مثلاً بقيام الانتخابات في موعدها ولكن اذا كانت هناك ضرورة اقرتها مفوضية الانتخابات لتأجيل الانتخابات سيستجيب لها الموتمر الوطنى".ولكن الذي يتأمل في الوضع الدستورى والسياسي للبلاد حال تأجيل الانتخابات تبدو الصورة مربكة شيئاً ما، وربما تستدعي إعمال كثير من النظر، وكيف يؤثر تاجيل الانتخابات على الوضع القائم في الشراكة الساسيه وكذلك الوضع الدستورى للبلاد، الأستاذ أتيم قرنق نائب رئيس البرلمان قال لـ"الصحافه" أن هناك اشياء كثيرة لم تنفذ في الاتفاقيه ولم يعدل الدستور مثل قضية ابيي، وبالتالى لو تأجلت الإنتخابات ليست هناك ضرورة تدعو لتعديل الدستور أو الاتفاقيه، لأن تاجيل الانتخابات سيكون قرار فنى ستوضحه مفوضية الانتخابات وغالباً ما تكون اسباب قاهرة لا تدعو لتعديل الدستور، فتأجيل الانتخابات يجب أن لا يؤثر على أى شئ خاصة وأن المفوضية لم تقل رأيها بعد، وفي حال التأجيل من المفوضية لا يعدل الدستور، وقال هناك من يريدون أن يدفعوا البلد لحالة فراغ دستورى وهذا يمكن التغلب عليه بتمديد عمر المجلس الوطنى لأن عدم المتديد له ربما يخلق حالة فراغ دستورى، لأن الدستور ينص على أنه إذا حدث مكروه لرئيس الجمهورية فإن رئيس المجلس الوطنى سيكون الرئيس لحين انتخاب رئيس جديد فإذا حدث ذلك وكان المجلس قد تم حله من سيكون الرئيس، كما ان البعض يسعي الى أن لايكون هناك مجلس وطنى حتى يحكم الرئيس بقرارات جمهورية، واضاف اذا حدث طارئ بتأجيل الانتخابات لوقت اطول هذا يتطلب ان ينظر الناس في نظام الحكم وان يتم بأى اساس اقليم ام جهوى ام حزبي.ويشير البعض الى أن التأجيل يتطلب تعديلا في الدستور، في إشارة إلى نص في الدستور الانتقالي يوجب إجراء الانتخابات في السنة الرابعة من اتفاقية السلام الشاملة الموقعه عام 2005م. وفيما يري البعض أنه حال تأجيل الانتخابات فإن المخرج القانونى والدستورى للوضع القائم للحكم يكمن في تشكيل حكومة قومية انتقالية لتسيير أمور الدوله وتهيئة البلاد للانتخابات القادمه بما يحفظ توازن القوى السياسية دون مراعاة نسب توزيع السلطة الواردة في اتفاقية نيفاشا بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، يذهب شريكا الحكم "المؤتمر الوطنى والحركة الشعبيه" الى أن تأجيل الانتخابات يعد قراراً فنياً تختص به المفوضية القومية للأنتخابات ولا يستدعى اجراء إى تعديل في الدستور أو التاثير على الوضع القائم. وبرغم أن الجميع يتفقون على ضرورة تاجيل الانتخابات ولكل مبرراته التى يسوغها لهذا التاجيل، يبدو الوضع الدستور في البلاد حال تم تأجيل الإنتخابات يحتاج لشئ من التشريح لمعرفة ما يترتيب على ذلك التأجيل، وعندما طرحت السؤال على مولانا محمد أحمد سالم استاذ القانون الدستورى بالجامعات السودانية واول مسجل لتنظيمات والاحزاب السياسيه في السودان قال لـ"الصحافه" إن التأجيل لن يحدث فراغ دستورى لأن مواعيد التأجيل الهدف منها تحديد سقف زمنى يجب الإلتزام به في ظل ظروف طبيعيه، أما إذا ظهرت ظروف استثنائيه او استحال قيام الانتخابات فالتأجيل لا يشكل فراغ دستورى لكنه يشكل مخالفه قانونيه "لأن الضرورات تبيح المحظورات". وقال إن هذا التأجيل يعتمد على الأجل أو الفترة التى يتم التأجيل إليها، فالتأجيل لفترة قصيرة ومحدده يتيح لمفوضية الانتخابات الاستفادة من هذا التأجيل للاستعداد للانتخابات، من تكوين اللجان الفنيه لها واعداد اللوائح وكل الاجراءات الفنيه المتعلقة بالعملية الإنتخابيه، وكذلك من الجهة الأخري يتيح للقوي السياسيه أن تستعد تنظيمياً وترفع كذلك من قيمة الوعى الانتخابي لجمهور، فالتأجيل لمدى معين يعطى الاطراف فرصه لأخذ انفاسها للانتخابات، خاصة اذا تم بقرار فني من المفوضية القومية للإنتخابات لن تكون فيه مشكله، لأن الشعور العام معظم القوي السياسيه غير مستعده للانتخابات وأى فترة تاجيل من شأنها تساعدهم في تهيئة انفسهم واستعداداتهم.وكانت الأحزاب السياسيه المعارضة قد اعلنت منذ وقت مبكر تحفظها على إجراء الانتخابات العامة بالبلاد يوليو المقبل وفقاً لما نصت عليه اتفاقية السلام الشامل لجملة من المبررات تري أنها لم تسكتمل حتى الآن من قبل شريكي الحكم "المؤتمر الوطنى والحركة الشعبيه" خاصة التحديات القانونيه والدستورية المتمثله في تعديل القوانين المقيده للحريات مثل قانون "الأمن والصحافه"، كانت لجنة من خبراء بالأمم المتحدة قد طلبت من شريكي الحكم "المؤتمر الوطنى والحركة الشعبيه" قبل شهر تمديد الانتخابات لأربعة أشهر عن موعدها المقرر لإستحالة قيامها في موعدها لظروف طبيعيه وسياسيه، وفي المقابل يبدو موقف شريكي الحكم "المؤتمر الوطني والحركة الشعبية" ظاهرياً متقاربا على نحو يرفض تأجيل الإنتخابات عن موعدها المحدد وفقاً لإتفاقية السلام والدستور الانتقالي 2005م، وهو ما يثير تخوف محللين سياسيين من تاثيرات إختلاف القوى السياسية السودانية وعدم اتفاقها واتخاذها لموقف موحد حيال موعد الانتخابات القادمه الذي من شأنه أن يحدث أزمة سياسيه تباعد بين الاطراف المختلفه. ولكن القيادي بالحزب الاتحادى الديمقراطى على السيد القيادي، قال لـ"الصحافه" أن كل الأشياء الظاهره في الساحة السياسيه تقرر تأجيل الانتخابات، فالتعداد السكانى لم يحسم بعد، وكذلك ترسيم الحدود، وقانون الاستفتاء لم يحسم حتى الآن، وكذلك القوانين المقيده للحريات لم تجاز، وكذلك الحرب مازالت مستمره في دارفور، والخلاف كذلك مستمر بين الشريكين، كلها اشياء تؤدي لتأجيل الانتخابات، وقال اذا تاجلت الانتخابات، الدستور الإنتقالي وإتفاقيه السلام الشامل، يعطوا الشريكين "المؤتمر الوطنى والحركة الشعبيه" الحق في مراجعة تواريخ بنود تنفيذ الاتفاقية، بما فيها الانتخابات، وقال أتوقع أن يجري الشريكين تعديل جزئي في الدستور فيما يتعلق بمواعيد اجراء الانتخابات بتحديد موعد لاحق، ولكنه قال إن الشريكين سيعتمدوا على مفوضية الانتخابات لتقرر في التأجيل وهذا من اختصاصها، لكن تأجيل الانتخابات هو قرار سياسي، وأضاف أن موقف الشريكين من الإنتخابات يبدو أن الحركة الشعبيه ليست في عجلة من أمرها لإجراء الانتخابات، لكن المؤتمر الوطنى يبدو حريص علي اجراءها في مواعيدها. واضاف فيما هو متعارف عليه فإن البرلمان يفترض ان يؤجز قبل ثلاثه أشهر قبل الانتخابات وهذا لن يحدث، لأن البرلمان سيعاود الانعقاد في ابريل وسيستمر الى يوليو، وبعدها يفترض يمضي في اجازة نهائية، ولكنه اذا عاود الانعقاد فهنا لابد من تعديل الدستور لتمديد عمر المجلس الوطنى، وهذا الحق يملكه الشريكين فقط، لأن الاتفاقيه تنص على أن أى تعديل للإتفاقيه أو الدستور يجب ان يكون بموافقة الشريكين، مشيرا الى أن تأجيل الانتخابات قرار سياسي وليس فني وإن كان لمفوضية الانتخابات الحق في تحديد تواريخ التأجيل، وقال إن الشريكين هما الأكثر استفادة من الوضع الحالى، لذا سيؤجلون الانتخابات فقط ولن يلجأوا لتكوين حكومة وحدة وطنيه وسيستمروا هم انفسهم ولن يعطوا فرصة لمشاركة أوسع في السلطه مع القوي السياسيه الأخري.وتذهب أحزاب المعارضه في تشكيكها في قيام الإنتخابات في موعدها المحدد بحسب الدستور الى جملة محددات تري فيها أن الشريكين تأخرا في إنفاذ متطلبات إجراء الانتخابات المتمثلة في إصلاح بعض القوانين وكذلك عدم ظهور نتائج التعداد السكاني وعدم اكتمال ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب بجانب الحرب في دارفور والظروف المناخية في السودان حيث أن الموعد المضروب للانتخابات يتزامن مع فصل الخريف الذي تصعب فيه الحركة في كثير من اقاليم السودان. ولكن القيادي بالحزب الشيوعي الاستاذ سليمان حامد، قال لـ"الصحافه" أنه ضد تأجيل الانتخابات، لكن بقراءة الوضع السياسي لا يمكن ان تقوم الانتخابات في موعدها، وهذا يتطلب التفكير في الأسس التى أدت لتأجيل الانتخابات، من أجل عمل الأسس السليمه لقيام الانتخابات، وقال اذا تأجلت الانتخابات يجب ان تحدث مراجعه لدستور الانتقالي الذي ينص على مواعيد الانتخابات والاستفتاء والشراكة في السلطه، واذا تاجلت الانتخابات يجب ان يذهب الوضع الاستثنائي لصالح وضع مستمر، واضاف أن التأجيل فيه تهديد خطير للدوله لأنه سيحدث فراغ دستورى، أو تحكم البلد بقرارات جمهوريه وهذه غير مقبوله، وأضاف كذلك فيه تهديد خطير للوحده بين الشمال والجنوب بإعتبار أن هذا خرق للاتفاقيه، فاذا حدث التأجيل سيكون هناك فراغ دستورى، متسائلاً كيف سيملئ هذا الفراغ هل بإصدار قرارات رئاسيه؟، وقال سليمان أن اى انتخابات تجري تحت ظل القوانين الحاليه لن تكون انتخابات نزيهة، فالاعلام محتكر من قبل اجهزة الدوله، ولا تستطيع الاحزاب توصيل رأيها في ظل الحصار الاعلامى عليها، وكذلك الوضع في دارفور مازال متأزم وهناك صراعات قبليه مسلحه في الجنوب، وكلها اشياء مقدور على حلها، فبقرارات جمهورية يمكن اصلاح الوضع، بقرار جمهوري يمكن تعديل القوانين وحل جل المشاكل القائمه لتهيئة المناخ لإجراء الانتخابات بإحداث تغييرات حقيقيه، فهناك اجماع من كل أهل السودان مثلا حول مطالب أهل دارفور ويمكن ان تخرج بها قرارات جمهوريه وما يتعزر يمكن ان تجري عليه المفاوضات.في الوقت الذي يدعو فيه البعض الى أهمية توافق القوى السياسية الوطنية في اتخاذ قرار بشأن الانتخابات وإجراء مشاورات بين كافة القوى السياسية من أجل الوصول لمعادلة لما وصف بالمخرج من ذلك الوضع "إذ لا يمكن للشريكين وحدهما أن يقررا مصير الوطن"، لأن تأجيلها أصبح أمرا واجباً بعد أن أصبح قيامها غير منطقي في الظروف الراهنة"، ولكن الدكتور شيخ الدين شدو استاذ القانون بجامعة الخرطوم، قال لـ"الصحافه" أن التأجيل يعد خرق دستورى لاتفاقية السلام وسيؤدى لفراغ دستورى ولكن على الرغم من وجهة النظر هذه لتهئيه القوي السياسيه للانتخابات يمكن ذلك التأجيل، وقال لو تاجلت الإنتخابات لأسباب موضوعيه مثل قضية دارفور وابيي والاحصاء السكاني والخريف، وهذه اسباب يمكن ان يتفق حولها الناس، ولكن هناك مستحقات التحول الديمقراطى المتعلقه بتعديل القوانين لتهيئة المناخ للانتخابات، مشيراً الى ان الانتخابات في ظل هذه الظروف قد تكون غير متاحه بجانب تداعيات المحكمة الجنائية الدوليه وتطورات قضية دارفور، وأضاف الانتخابات لابد ان يكون لها استحقاقات وأولها تعديل القوانين حتى لاتؤدى نتائجها بنا للرجوع للمربع الاول اذا مورست بطريقة غير ديمقراطيه كما حدث في كينيا". أسابيع ربما تفصح مفوضية الانتخابت عن قرارها بشأن موعد اجراء الانتخابات، في وقت يستعد فيه مجلس الاحزاب لبدء اجراءات تسجيل الاحزاب التى ستستمر لمدة ثلاثه أشهر، فهل تتغلب المفوضية على الظروف الموضوعيه وتعلن قيام الانتخابات في موعدها، أم أنها ستلجأ لتأجيلها ريثما يتهيئة المناخ لإنتخابات نزيهة وشفافيه لتفتح الباب لجدل أخر من جديد!.   

 

آراء