تجارب الانتقال الديمقراطي في السودان

 


 

 




تنويه واجب:

-     طلب مني مركز دراسات الجزيرة (الدوحة) المُساهمة بورقة في ملف "فشل تجارب الإنتقال الديمقراطي"، فأعددت هذه الورقة وأرسلتها لهم، ولا أدري حتى هذه اللحظة هل تم نشرها أم لم ترق إلى مستوى النشر، أم أنها لم توافق رؤيتهم!!، مع أنهم أرسلوا لي نموذج طلب تحويل بنكي لتعبئته حتي يرسلوا لي أتعابي (600 دولار) ورفضت تعبئة النموذج حتى تنُشر الورقة وقلت لهم (من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل).

-     تابعت فعاليات اللقاء التفاكُري ولم أجد جديداً إلا في ورقة ومداخلة الأستاذ/ الحاج وراق؛ (خلال استضافة قناة الجزيرة -برنامج في العُمق للدكتور/ حسن التُرابي) – وسوف أُضيف في مقال قادم ما يدعم مقولة الأستاذ بعدم وجود نظرية إقتصادية إسلامية وعدم وجود نظام سياسي إسلامي، بل أن الرسول لم يدع ذلك وقال "أنتم أدرى بشئون دنياكم" و "إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق".

-    ينعقد بالعاصمة القطرية "الدوحة" بعد أيام مُنتدى أكاديمي لقادة تيارات الإسلام السياسي بهدف مناقشة تجارب نُظُم الحُكم الإسلامي  في العالم العربي– ألا يحق لنا أن نتساءل لماذا لا يناقش المنتدون تجربة الحُكم الإسلامي في قطر وكيفية قسمة السُلطة والثروة في ظل نظام الأُسر الحاكمة!!. فقديماً قيل "إبدأ النُصح بنفسك؛ فالأقربون أولى بالمعروف" 


تجربة الإنتقال الديمقراطي في العالم العربي
(الحالة السودانية مثالاً)
تمهيد:
تزامن إنتهاء الحرب العالمية الثانية مع إرتفاع الأصوات المُنادية برحيل الإستعمار من إفريقيا والعالم العربي، ومنذ ذلك الحين برزت إلى الوجود الدولة العربية القُطرية بحدودها السياسية الحالية وتباينت ما بين نُظم حُكم ملكية (مصر، السعودية، الأردن، العراق، ليبيا، المغرب، اليمن) وأنظمة جمهورية (سوريا، لبنان، تونس، السودان) بينما بقيت دول المجموعة الثالثة تُناضل من أجل التحرر من الإستعمار والحماية الدولية (الجزائر، اليمن الجنوبي، موريتانيا، إمارات الخليج العربي) وفي مُنتصف الستينيات تمكنت مُعظم الدول العربية من التحرر من الإستعمار المُباشر. ولكن أعقب هذا التحرر شيوع ظاهرة الإنقلابات العسكرية في العالم الثالث، ولم يكن العالم العربي إستثناءً بل رُبما نال قصب السبق والريادة، بدءاً من سوريا ومصر والعراق والسودان وليبيا، وصولاً إلى آخر إنقلاب عسكري في موريتانيا، وأطلق كُل قائد إنقلاب على حركته إسم الثورة، وأصبح كُل شهر من شهور العام يحمل إسم ثورة عربية، ولم يشذ السودان عن القاعدة فكانت ثورات (إنقلابات) نوفمبر 1958 ومايو 1969 ويونيو 1989، ولكن تفرد السودان وتميز بحدوث أول إنتفاضة شعبية وهبة جماهيرية تمكنت من إزالة نظام حُكم عسكري شمولي في 21 أكتوبر 1974 حيث تمت الإطاحة بنظام الفريق/ إبراهيم عبود،، وأُطلق على هذا التغيير إسم ثورة أكتوبر المجيدة، ثُم تكرر ذات السيناريو في 05 أبريل 1985، حيث تمكنت الجماهير من الإطاحة بنظام المُشير/ جعفر النميري. وهكذا نُلاحظ ووفقاً لهذه التسميات الخاطئة أن هُنالك خمسة ثورات في السودان خلال ثلاثين عاماً فقط (1958-1989)!!. وإذا ما توافقنا والتزمنا بالتعريف السليم لمُصطلح الثورة بإعتبارها عملية تغيير جذرية شاملة تهدم ماكان قائماً من نُظم حُكم سياسية وعلاقات إقتصادية ومُسلمات أيدولوجية ووشائج إجتماعية ومرجعية ثقافية، وتستبدلها برؤي جديدة وأنساق جديدة، لنزعنا صفة الثورة عن الإنقلابات العسكرية، والهبَات/الإنتفاضات الشعبية التي تفشل في إحداث تغيير حقيقي في بُنية المُجتمع وفي نظامه السياسي ومناهج تنميته، حتى وإن نجحت في إسقاط نظُم الحُكم السابقة لها وتغيير القيادات الحاكمة؛ ولعل مُقارنة سريعة بما حققته الثورات الفرنسية والبلشفية، بل وحتى الثورة الأمريكية ونقيضها الثورة الكوبية- وما أحدثته من تغييرات هيكلية جذرية مُستدامة- بما أنجزته إنتفاضة أكتوبر (ثورة) المجيدة في السودان على سبيل المثال!! تؤكد صدق زعمنا بأن الثورة لم تحدث بعد في العالم العربي، وأن إنتفاضات الربيع العربي ليست أكثر من إرهاصات وبشائر للثورة الفعلية.
نُبذة تاريخية عن كيفية تشكُل السودان الحديث:
ليس من أغراض هذا المبحث سرد تاريخ السودان، ولكن من المُفيد توضيح كيفية تشُكل هذا القُطر الذي ظل حتى 09 يوليو 2011، أكبر دولة إفريقية بمساحة تُقدر بحوالي مليون ميل مُربع وبعدد سُكان يربو على الأربعين مليون نسمة، فتاريخ وجُغرافية أي بلد وكيفية تشكُله تلعب دوراً محورياً في حاضره ومُستقبله.
ظل السودان عبارة عن مجموعة مستوطنات بشرية وممالك صغيرة مُتفرقة حتى بداية القرن السادس عشر الميلادي، وتعتبر مملكة علوة المسيحية وعاصمتها سوبا (جنوب ولاية الخرطوم الحالية) آخر الممالك المسيحية في السودان، والتي دمرها أول تحالف زنجي/عربي (خراب سوبا) بقيادة قبيلتي الفونج والعبدلاب، وأقام على أنقاضها مملكة سنار (السلطنة الزرقاء) في العقد الأول من القرن السادس عشر كأول نظام حُكم سوداني يتكون من تحالف وإمتزاج العرقيتين الزنجية والعربية، وقد اتخذ هذا الحلف الخُلاسي من الإسلام ديناً والعربية لُغةً والسودانوية هويةً، وتزامنت سلطنة سنار مع ممالك؛ الفور في غرب البلاد، والمُسبعات في إقليم كُردفان، وتقلي في جبال النوبة.
استمرت السلطنة الزرقاء لأكثر من ثلاثة قرون (1504-1821)، ولم تسقط رايتها إلا بعد تدميرها على أيدي جيوش دولة الخلافة العُثمانية/الإسلامية- عبر مُمثلها في مصر الخديوي / محمد علي باشا- وتوغل جيشه (بقيادة إبنه إسماعيل) جنوباً حتى حدود دولة جنوب السودان الحالية بحثاً عن الذهب (الثروة) والأرقاء لإستخدامهم جنوداً لحماية ( السُلطة).
في عام 1881 ثار رجُل الدين السوداني/ محمد أحمد عبدالله، وأعلن نفسه مهدياً وقاد ثورة وطنية/دينية ضد الحُكم التُركي/المصري وفي خلال أربعة أعوام تمكن من الإستيلاء على الخرطوم في يناير 1885.
وقد استمر حُكم المهدية بقيادة الخليفة/ عبد الله التعايشي، لمُدة ثلاثة عشر عاماً، حتى سقوط الخرطوم في معركة كرري الشهيرة عام 1898 (علماً بأن المهدي توفي بعد ستة أشهُرٍ فقط من تحرير الخرطوم)، وبسقوط الخرطوم اكتملت عملية إعادة فتح السودان بقيادة اللورد البريطاني/ كتشنر، وخضعت البلاد للحُكم الثُنائي (الإنجليزي/المصري) حتى إعلان الإستقلال في الأول من يناير 1956 بعد نضال سلمي قادته النُخب المتعلمة التي انتظمت في ما يُعرف بمؤتمر الخريجين، وقد انتهى المطاف بالخريجين إلى التوزع بين أحزاب الطائفتين الدينيتين– أحزاب الأشقاء العديدة برعاية زعيم الطائفة الختمية، السيد/ علي الميرغني، وحزب الأمة برعاية إمام طائفة الأنصار، السيد/ عبد الرحمن المهدي- بينما انتظمت القوى اليسارية والديمقراطية في حركة التحرر الوطني (حدتو) والنقابات العُمالية والمهنية.
تُوِج هذا الحراك الوطني بإبرام إتفاقية الحُكم الذاتي للسودان في فُبراير 1953، التي سمحت للسودانيين بحُكم أنفسهم ومنحتهم حق تقرير المصير بعد فترة إنتقالية مُدتها ثلاث سنوات، وبناءً على ذلك تم إنتخاب أول برلمان سوداني عام 1954، وتم إعلان إستقلال السودان من داخل البرلمان في أغسطس 1955، ويُذكر أن الأحزاب الجنوبية أيدت الإستقلال بعد تلقيها تأكيدات بحصول الجنوب على حُكم فيدرالي، ولكن حكومات السودان المُتعاقبة نكثت بوعودها (في سابقة أصبحت عادة)، مما أدى إلى أول تمرد جنوبي مُسلح في أغسطس 1955 تفجرت على إثره حرب أهلية استمرت لسبعة عشر عاماً (1955-1972)، ولم تتوقف إلا بعد حصول الجنوب على الحُكم الذاتي (إتفاقية أديس أبابا- 1972).
فاز الحزب الوطني الإتحادي بزعامة/ إسماعيل الأزهري، بالأغلبية المُطلقة في أول إنتخابات عامة قبل الإستقلال (1954) وفي أول إنتخابات بعد الإستقلال (1958) فاز حزب الأُمة بقيادة/ عبدالله خليل، بأغلبية مقاعد البرلمان وتحالف مع حزب الشعب الديمقراطي (حزب الختمية) وشكل حكومة إئتلافية سلمت السُلطة للعسكر بقيادة المجلس الأعلى للقوات المُسلحة برئاسة الفريق/ إبراهيم عبود في نوفمبر 1958.
نسج نظام الفريق عبود (1958-1964) على منوال النُظُم العسكرية الرائج سوقها آنذاك، فرفع شعارات التنمية لجذب الجماهير التواقة للتطور والعدالة الإجتماعية بعد أن تحقق لها التحرر السياسي (الإستقلال) ولكن وبعد ستة سنوات من الحُكم العسكري وكبت الحُريات، تأكد للشعب أنه فقد حُريته ولم يحصل على التنمية الموعودة، وبلغت الأزمة السياسية ذروتها في النصف الثاني من عام 1964. 
من المُلاحظ إتسام تاريخ السودان الثقافي والإجتماعي بثُنائيات عرقية ودينية وثقافية ولغوية، بينما أتسم تاريخه السياسي بثُنائية عبثية بين حكومات عسكرية (يتطاول أمدها من حُكم عسكري لآخر) وحكومات مدنية قصيرة العُمر، وقد ظلت هذه الثُنائيات تُشكل أرضاً خصبةً للإستقطاب المُفضي للتمزق والتدمير والإنشطار، مع أن ذات هذه الثُنائيات قد تكون مصدر ثراء إذا اُحسن إستغلالها، ولكن يبدو أن هذا الأمل النبيل (الوحدة مع التنوع) سوف يظل عسير المنال حتى إشعار آخر، إذ يقف إنفصال جنوب السودان والثورات المُشتعلة حالياً في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، دليلاً دامغاً على فشل السودانيين في التعايش السلمي والتراضي على دولة ترتكز على المواطنة والعدالة والمساواة.
إندلاع ثورة أكتوبر 1964:
(لا شئ يوقف ثورات الشعوب سوى الديمقراطية والتنمية العادلة).
رحبت الطائفتان الدينيتان (الختمية والأنصار) بإنقلاب الفريق عبود (17/نوفمبر/1958) في بادئ الأمر، ولكن وبمرور الوقت اتضح لهما أن نظام عبود لا يختلف كثيراً عن الإنقلابات العسكرية التقليدية، فناصبتاه العداء رويداً رويداَ، وقد بلغ الخلاف ذُراه لدرجة الزج بقادة الأحزاب (12 زعيماً) وعلى رأسهم إسماعيل الأزهري (الوطني الإتحادي) ومحمد أحمد محجوب (حزب الأُمة) وعبد الخالق محجوب (الحزب الشيوعي) في مُعتقل نواقاشوط (بالقُرب من جوبا- عاصمة جنوب السودان) في منتصف شهر يوليو 1961، وينبغي أن نُشير هُنا إلى أن الحزب الشيوعي عارض إنقلاب عبود منذ اليوم الأول، ولكنه عاد فهادن النظام العسكري واشترك في المجلس المركزي الذي كان بمثابة البرلمان، ثُم بدل موقفه فعارض الحُكم العسكري مُعارضة شرسة حتى سقوطه بقيام ثورة أكتوبر التي كان للحزب الشيوعي والنقابات دوراً مشهوداً فيها، وتجدر الملاحظة إلى  تعدد محاولات الإنقلابات العسكرية الفاشلة خلال سنى الحُكم العسكري الأول، والذي استمر لستة أعوام حتى أسقطته ثورة 21 أكتوبر 1964 المجيدة.
هذا، وتُعد إنتفاضة 21 أكتوبر 1964، أول هبَة شعبية سلمية في العالمين العربي والإفريقي تُطيح  بنظام حُكم عسكري ديكتاتوري، وتفلح في إقامة نظام برلماني ديمقراطي ليحل محله.
يُقدم الأستاذ الجامعي والباحث الأكاديمي د. جعفر كرار أحمد، في الباب الثاني (الفصل الثاني) من كتابه تحت الطبع بعنوان "الربيع العربي، عود إلى بدء- التجربة السودانية "، تلخيصاً لمشهد إنتفاضة أكتوبر السودانية المجيدة، فيقول (وهكذا وبدخول العُمال والمُزارعين رسمياً وعملياً في حركة الإضراب السياسي العام في يوم 26 أكتوبر 1964، شُلت جميع أجهزة الدولة، وكان القُضاة والمحامون وأساتذة جامعة الخرطوم والأطباء والمدرسون والطُلاب قد بدأوا منذ 24/10/1964 في تنفيذ الإضراب)؛ ثُم يسترسل،،، (وملأت مواكب الغضب السودان مرة أُخرى، واتسعت حركة العصيان المدني وأخيراً استجابت الحكومة العسكرية وشكلت حكومة أكتوبر الإنتقالية الأولى التي ضمت مُمثلاً لكُل من؛ حزب الأُمة والحزب الوطني الإتحادي وحزب الشعب الديمقراطي وجبهة الميثاق الإسلامي والحزب الشيوعي، كما ضمت سبعة وزراء يمثلون النقابات والمنظمات المهنية ووزيرين من جنوب السودان، واهتدت الحكومة الإنتقالية بميثاق من سبعة بنود وافقت عليه القوى السياسية، ويقوم هذا الميثاق على؛ تصفية الحُكم العسكري وإطلاق الحُريات العامة ورفع حالة الطوارئ وإلغاء جميع القوانين المُقيدة للحُريات وتأمين إستقلال القضاء وإستقلال الجامعة وإطلاق سراح كافة المُعتقلين والمسجونين في قضايا سياسية، وأن تلتزم الحكومة الإنتقالية بإنتهاج سياسة خارجية مُعادية للإستعمار).
أسباب إجهاض ثورة 21 أكتوبر 1964:
أدى نجاح إنتفاضة 21 أكتوبر 1964، إلى تشكيل حكومة قومية إنتقالية لمُدة عام برئاسة السيد/ سر الختم الخليفة، وقامت حكومة سرالختم بإجراء إنتخابات لإختيار جمعية تأسيسية أُنيط بها وضع دستور دائم للبلاد- إذ كانت الحكومات التي تلت الإستقلال تعمل بدستور 1956 المُعدل عام 1964- ولعله لا تفوت على فطنة القارئ والمُراقب لأحداث الربيع العربي، أن الثورات العربية تقتفي أثر إنتفاضة أكتوبر السودانية- التي تفجرت قبل خمسة عقود.
ظل الحزبان الكبيران (الأُمة والإتحادي) في تشاكُس دائم رغم إئتلافهما أكثر من مرة بعد نجاح إنتفاضة أكتوبر، وفي لحظة فارقة في تاريخ السودان رضخ الحزبان لضغوط ومؤامرات جبهة الميثاق الإسلامي فأعلنا حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المُنتخبين من البرلمان (11 نائباً من دوائر الخريجين الخمسة عشرة، والتي تُمثل الصفوة المُتعلمة)، ونتيجة للتخبط السياسي والفشل الإقتصادي، أعلن العقيد/ جعفر نميري إنقلابه، الذي اتضح من الوهلة الأولى أن قوى اليسار المغبون تقف وراءه.
يُمكن إيجاز أسباب فشل إنتفاضة أكتوبر 1964، وعجزها عن إحداث تحول ديمقراطي حقيقي، في العوامل التالية:-
i.    إفتقاد الأحزاب التقليدية الكبيرة التي تولت زمام الحُكم بعد الهبة الشعبية، للمُمارسة الديمقراطية في داخلها، وفاقد الشئ لا يُعطيه (يُرجى مُلاحظة تسليم حزب الأُمة بزعامة رئيس الوزراء ووزير الدفاع/ عبد الله خليل، الحُكم للفريق عبود في عملية تسليم وتسلم لمجرد إحتمال سحب الثقة من حكومته، ومُشاركة عناصر الحزبين الكبيرين في كافة الحكومات الشمولية).
ii.    عدم قناعة الأحزاب العقائدية الصغيرة بالديمقراطية الليبرالية، وتلهفها لإستلام السُلطة بأقصر السبُل (وقد فعلت ذلك؛ حين أنقلب اليساريون على الديمُقراطية الثانية في مايو 1969، بينما انقلب الإسلاميون على الديمقراطية الثالثة في يونيو 1989).
iii.    غياب أي رؤية تنموية للأحزاب التي تولت الحُكم بعد ثورة أكتوبر، إذ لم يكُن لها برنامج واضح للتغيير والتنمية، فأضحى البقاء في الحُكم هو غاية مُرادها ولم تعرف البلاد خُططاً إقتصادية واضحة المعالم أو منهجاً مُحدداً للتنمية، وقد اعتمدت الحكومات الحزبية على التجريب الذي يُصيب حيناً ويخيب في غالب الأحيان، وفي هذا تتشابه جميع الأنظمة التي تعاقبت على حُكم السودان، عسكرية أم مدنية– ورُبما لهذا السبب دون غيره لا تزال البلاد تدور في حلقة مُفرغة.
iv.    بالرغم من تفجُر إنتفاضة أكتوبر 1964، في مناخ إقليمي تحررُي، حيث كانت حركات التحرر الوطني في إفريقيا تشتعل وتُحرز إنتصارات مُتلاحقة، إلا أن هذه الفترة تأثرت سلباً بشيوع ظاهرة الإنقلابات العسكرية في الدول التي نالت إٍستقلالها حديثاً، ولعل حكومة ما بعد أكتوبر 1964 بالسودان كانت هي الحكومة الديمقراطية الوحيدة في العالمين العربي والإفريقي. 
v.    من الأسباب المُباشرة التي قادت لإنقلاب 25 مايو 1969، حل الحزب الشيوعي، ولقد كان قرار حل الحزب الشيوعي عام 1967، تجسيداً عملياً لعدم إيمان الأحزاب التقليدية بالديمقراطية، كما كان رفضها لقرار المحكمة الدستورية العُليا (القاضي بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي) تأكيداً عملياً على عدم ديمقراطيتها، كما أكد أيضاً على إستهانتها بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية الليبرالية، ألا وهي؛ الفصل بين السُلطات، واستقلال القضاء واحترام قراراته.

قيام إنتفاضة أبريل 1985:
بلغ نظام العقيد/ جعفر نميري درجة من التخبط والفساد لم تنفع معها محاولات اللواذ بالشعارات الدينية وإعلان قوانين الشريعة الإسلامية في سبتمبر 1983 وقد بلغت غلواء الهوس الديني ذروتها بإغتيال الشيخ الثمانيني (الذي يجادل بالتي هي أحسن) الأستاذ/ محمود محمد طه (مؤسس وواضع لبنات الفكر الجمهوري). وعندما اشتد الكبت والإستبداد تداعت النقابات العُمالية - وليس الأحزاب السياسية التي أمسى جُل قادتها من أركان نظام النميري- وتصدت للنظام المحمي بجهاز أمن باطش وتحالفات دولية وإقليمية لم تنفع النظام شيئاً عندما أزفت الآزفة، فعمَت المسيرات الإحتجاجية البلاد من أقصاها إلى أدناها وأُعلن العصيان المدني، وانحاز صغار الضُباط وضُباط الصف والجنود إلى جانب الشعب، فسارع كبار قادة القوات المُسلحة بقيادة وزير دفاع النميري، المشير/ عبد الرحمن سوار الدهب، إلى إستلام السُلطة وإعلان المجلس العسكري حاكماً إنتقالياً للبلاد، مما حدا بقائد الحركة الشعبية الجنوبية المتمردة/ د. جون قرنق، إلى وصف الحُكم الجديد بــ مايو الثانية!! (وأثبتت الأحداث لاحقاً، أنه زرقاء يمامة السودان!!).

أسباب إجهاض إنتفاضة أبريل 1985:
لقد كانت إنتفاضة الجماهير في مارس/أبريل فعلاً ثورياً حقيقياً، ولكن من الخطل وصفها بالثورة، إذ أنها ومع تمكنها من إسقاط نظام الحُكم القائم إلا أنها فشلت في تحقيق أي تغيير حقيقي في بُنية الحُكم وتوجهاته، فعادت الأمور إلى ما كانت عليه بذات السياسات مع تغيير الشخوص والأوجه لاغير، فالثورة عملية تغيير طويلة الأمد تحتاج إلى نفَس طويل ورؤية واضحة وخارطة طريق لإنجاز عملية التحول الديمقراطي الحقيقي والتنمية العادلة المُستدامة (كما أسلفنا).
لقد ذكرنا في صدر هذا المبحث خمسة أسباب أدت لفشل إنتفاضة أكتوبر 1964، وهي ذات الأسباب التي أدت لإجهاض إنتفاضة أبريل 1985، ونضيف إليها:-
1.    عدم مُشاركة الحركة الشعبية لتحرير السودان- التي حملت السلاح ضد حُكم النميري- في النظام البرلماني الذي انبثق عن إنتفاضة أبريل. وبغض النظر عن مدى صوابية أو خطل موقفها، فإن عدم المُشاركة قاد إلى إضعاف النظام البرلماني وسهل عملية إنقضاض الإسلاميين عليه، إذ يرى بعض المُحللين أن إنقلاب يونيو 1989 (بقيادة العميد/ عُمر البشير)، ما كان ليتم بالسهولة التي تم بها لو أن جيش الحركة الشعبية كان مُستوعباً في الجيش القومي.
2.    ويُضاف إلى ما تقدم؛ ضعف القوى الحديثة بعد الضربة الهائلة التي وجهها نظام/ جعفر نميري، للقوى الحديثة مُمثلةً في النقابات العُمالية والحزب الشيوعي، الذي نال النصيب الأكبر من التصفية الجسدية والمُلاحقة والحظر، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل إمتد القمع والإرهاب ليشمل كافة القوى الديمقراطية والليبرالية بعد إعلان قوانين الشريعة الإسلامية (1983).
أسباب إجهاض الإنتفاضتين السودانيتين (الأولى والثانية) وتعسر الثورة الثالثة:
تتشابه العوامل التي أدت إلى إنتفاض الشعب السوداني مرتين خلال عقدين (أكتوبر 1964 وأبريل 1985) مع العوامل التي أدت إلى إنتفاضات الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، بل إن الأوضاع الحالية في السودان أسوأ وبما لا يُقارن بالأوضاع في هذه الدول، ولهذا تساءل المُتسائلون بإندهاش وحيرة عن أسباب تأخر الإنتفاضة السودانية، والتي بدأت تباشيرها في حركة الإحتجاجات المتواترة إعتباراً من 16 يونيو 2012، والتي قد تخبو حيناً ثُم تستعر وهكذا حتى تندلع أسوةً بغيرها، طالما ظلت الأسباب الجذرية للأزمة السياسية/الإقتصادية قابضة بخناق النظام.
وبصدد نجاح الإنتفاضات الشعبية السودانية في إسقاط أنظمة الحُكم الشمولية بكافة أشكالها ودُثرها، وعجزها عن إنجاز عملية التحول الديمقراطي "أي الثورة بمعناها الحقيقي"  يقول بروفيسور/ عطا الحسن البطحاني، في كتابه الصادر حديثاً (أزمة الحُكم في السودان- أزمة هيمنة أم هيمنة أزمة؟!)؛ الفصل التاسع بعنوان "الفترات الإنتقالية في السودان: إلى أين؟ - ص 243-244:
"شهد السودان العديد من فترات الحُكم الإنتقالية، ففي الفترة الإنتقالية الأولى (1953-1956) إنتقلت السُلطة من الإستعمار الثُنائي إلى حكومة وطنية أعلنت إستقلال البلاد، وفي الفترة الإنتقالية الثانية (1964-1969) تمكن تحالف سياسي/نقابي من إسقاط النظام العسكري الأول (1958-1964) وإقامة نظام برلماني (1964-1969) ما لبث أعواماً قليلة حتى تمت إزاحته بواسطة النظام العسكري الثاني الذي حكم لمُدة ستة عشر عاماً (1969-1985)، وجاء الإنتقال الديمقراطي الثالث عام 1985 ليُعيد التحالف السياسي/النقابي العريض التجربة السابقة ويتمكن عبر إنتفاضة شعبية من إسقاط النظام المايوي، ولم تُكمل الحكومة البرلمانية المُنتخبة دورتها حتى أجهز عليها إنقلاب عسكري في 30/يونيو/1989 من تدبير حزب الجبهة القومية الإسلامية التي حكمت تحت مُسمى نظام الإنقاذ حتى تاريخه-2012"، ثُم يسترسل البروفيسور/ البطحاني فيقول "إن الطبيعة البنيوية للأزمة السياسية في السودان وتأرجح ميزان القوى المُصاحب للفترات الإنتقالية، ساهمت مع عوامل أُخرى، في فشل فترات الإنتقال وعجز الحكومات الديمقراطية عن تحقيق المهام المطروحة والمنوط بأنظمة الإنتقال تحقيقها (وحدة الوطن، الدولة المدنية العصرية، التنمية الإقتصادية) فتؤجل المهام لفترات قادمة. وتزداد مهام الإنتقال صعوبةً بقيام الأنظمة العسكرية بتصفية القوى الوطنية والديمقراطية في كُل مرة تعتلي فيها كراسي السُلطة، حيث يبز كُل نظام عسكري في هذا المجال من سبقوه، فيتآكل الرصيد التراكُمي لــ (الديمقراطية والثقافة المدنية) وبالتالي تتعاظم المهام وتقصر القامة، وكأننا نتقدم إلى الخلف، فقد قفزت مهام مرحلة الإنتقال الأولى (1953-1956) لتتصدر مهام مرحلة الإنتقال الحالية (وحدة الوطن، الدولة المدنية العصرية، التنمية الإقتصادية)". 

- الدور الخارجي في تعويق مسيرة الإنتقال الديمقراطي في العالم العربي:
i.    لعل من أكثر العوامل الخارجية تأثيراً على إستمرار النُظُم الشمولية في العالم العربي، إشتداد الصراع بين المُعسكر الشرقي بقيادة الإتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المُتحدة الأمريكية، وإستعار أوار الحرب الباردة بين المُعسكرين وما رافقها من إستقطاب حاد لدول العالم الثالث النامية والمُتخلفة. فقد دعم الإتحاد السوفيتي وبقية دول المنظومة الإشتراكية التي تدور في فلكه الإنقلابات العسكرية والأنظمة الشمولية التي رفعت شعارات الثورة والإشتراكية ومُعاداة الرأسمالية الإمبريالية، وعلى الجانب الآخر لم تتوان الولايات المتحدة وحُلفائها في دعم الأنظمة الملكية،،،، وفي كلا الحالتين ظلت قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان في ذيل قائمة إهتمامات الطرفين، ولم تتغير هذه النظرة إلا مؤخراً بعد سقوط الإتحاد السوفيتي وإنهيار المُعسكر الشرقي، وتبني حكومات المُحافظين الجُدد لشعار حقوق الإنسان.
ii.    وكذلك من العوامل التي ساهمت مساهمة فعالة في إستطالة آجال الأنظمة الشمولية في العالم العربي/الإسلامي، النزاع العربي/الإسرائيلي، الذي اتخذته مُعظم الأنظمة العربية/الإسلامية كقميص عُثمان ذريعة لتكميم الأفواه، رافعةً شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فكانت النتيجة حرمان المواطن من حقوقه السياسية والإنسانية وخلق بيئة صالحة للفساد والتسلط؛ وفشلت هذه الأنظمة في تحرير فلسطين خارجياً كما لم تنجح في تحقيق التنمية داخلياً، فصار حالها أي كما يقول المثل العربي "كالمُنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى "؛ وأتت هزيمة يونيو 1967 المُزلزلة لتكشف زيف الإدعاء.

طريق المُستقبل وكيفية تعزيز عملية الإنتقال الديمقراطي:
نجحت إنتفاضات الربيع العربي في إنجاز الجُزء الأسهل من عملية التغيير، إذ تمكنت من إسقاط الأنظمة الإستبدادية الحاكمة (كما فعلت إنتفاضتا السودان) ولكي تستحق صفة الثورة، عليها إنجاز الجُزء الأصعب من عملية التغيير، ولن يحدث ذلك إلا بالتقيد الصارم بالمبادئ والأُسس التالية:-
a)    سيادة حُكم القانون والنظام والمساواة التامة بين المواطنين وإعتماد مبدأ المواطنة المتساوية وإنزال مقولة "مواطنون لا رعايا" إلى أرض الواقع.
b)    الفصل التام بين السُلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وإحترام المؤسسية، وخاصة القضاء (العدل أُس الحُكم) – كما فعلت جنوب إفريقيا.
c)    بما أن التنمية البشرية وتلبية إحتياجات المواطنين المادية وإشباع إحتياجاتهم الروحية، وإحترام كرامتهم الإنسانية، هي مناط ومُبتغى أي رؤية أو فكر أو عقيدة دينية أو غير دينية، وبما أنه إتضح أنه لا يُمكن تحقيق هذه الأهداف النبيلة إلا في بيئة آمنة ومُجتمع مُستقر تتساوى فيه الحقوق والواجبات، فلا بُد من تحقيق العدالة بإعتبارها شرطاً لازما ومُسبقاً للسلام والإستقرار، وفي هذا لا داعي لإعادة إكتشاف العجلة، فتجربة جنوب إفريقيا (والمغرب) في العدالة الإنتقالية تقف نموذجاً ساطعاً إستطاع تضميد الجراحات التي أحدثها أسوأ نظام حُكم عرفته البشرية في تاريخها الطويل (نظام التمييز العُنصري). هذا مع العلم أن العدالة الإنتقالية لا تعني أبداً "عفا الله عن ما سلف".
d)    نشر وتعميق ثقافة الديمقراطية عبر تعزيز نشاطات منظمات المُجتمع المدني وتفعيل دورها، ودعم (وعدم تعويق) النشاط السياسي والفكري في الجامعات والمعاهد العُليا والمدارس الثانوية، وتضمين مواثيق حقوق الإنسان والديمقراطية والحوكمة الرشيدة وحماية البيئة والمساواة بين الجنسين في مناهج التربية الوطنية، بإعتبار ذلك من أكثر الوسائل والآليات فعالية في بث الوعي والإستنارة والثقافة الديمقراطية.

-    أما عن إنجاز وإستدامة التحول الديمقراطي في السودان فيوجز د. منصور خالد؛ في كتابه؛ النُخبة السودانية وإدمان الفشل – الجُزء الثاني (ص 446-448)، خارطة طريق للخروج من النفق المُظلم الذي ظل يقبع فيه السودان منذ الإستقلال وحتى الآن؛ إذ يقول:-
(السودان قُطر فُسيفسائي- تتنوع أصول أهله وأعراقهم ودياناتهم ولُغاهُم- وهذا السودان القديم هو الأساس المتين لبناء السودان الجديد، على أن هذا البناء لا يتم إلا بتواصل الحوار بين كُل أقوام السودان دون أي إمتياز أو تمييز، كما أن هذا الحوار لا يتأتى إلا في جو من الديمقراطية السخية القائمة على نفي كل ضروب الإرهاب الفكري بإسم الدين أو أي مُعتقد وضعي، وإشاعة الديمقراطية في مؤسسات المُجتمع المدني – لأن المؤسسات التي تفتقد الديمقراطية الداخلية لا تقوى على الدفاع عنها، وأخيراً الإنضباط الذاتي "أي المصداقية"- بمعنى تحكيم المسئولية في كُل الممارسات السياسية والنقابية). 
ونضيف إلى ذلك، أهمية التنمية العادلة، القادرة على تلبية إحتياجات غمار الناس، بدون الوقوع في مصيدة التصنيفات العقائدية، والتخفف من ثقل الايديولوجية، فقضايا الشعوب العربية (ومن بينها السودان بالطبع) من البساطة بحيث لا يختلف عليها عنزان، فمطالب عامة الناس لا تخرج عن المُطالبة بــ: مدرسة، مستوصف صحي، مركز شُرطة، بئر ماء، وطريق مُعبد، والتعبير عن الرأي (إذ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان) أما الجدل العقيم حول الهوية ومرجعية الدستور وشكل الدولة، فهذا أمر يحسمه الإختيار الديمقراطي الذي لا ولن يتحقق إلا بسيادة القانون والنظام وإحترام حقوق الإنسان عبر نظام ديمقراطي نزيه وشفاف، ومن بعد ذلك فليقرر الشعب ما يُريد؛ ولنتذكر أن بريطانيا (مهد الديمقراطية الليبرالية) تُحكم بلا دستور مكتوب، فالعبرة بالمُمارسة لا بالنصوص. 


المراجع:
1.    الشاطر بُصيلي عبدالجليل؛ معالم تاريخ سودان وادي النيل- مكتبة الشريف الأكاديمية للنشر والتوزيع- القاهرة.
2.    د. حيدر إبراهيم علي؛ الدين والديمقراطية- مركز الدراسات السودانية.
3.    ك. د. د. هندرسون؛ كيف أُعد السودان الحديث (حياة ومُراسلات السير/دوجلاس نيوبولد)- مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي- أُم دُرمان- السودان.
4.    د. التيجاني عبدالقادر حامد؛ نزاع الإسلاميين في السودان.
5.    د. منصور خالد؛ النُخبة السودانية وإدمان الفشل- مطابع سجل العرب.
6.    د. منصور خالد؛ جنوب السودان في المخيلة العربية.
7.    د. عبدالمجيد عابدين؛ تاريخ الثقافة العربية في السودان- مطبعة التمدن المحدودة-الخرطوم.
8.    د. أبوالقاسم حاج حمد؛ السودان: المأزق التاريخي وآفاق المُستقبل.
9.    بروفيسور/ عطا الحسن البطحاني؛ أزمة الحُكم في السودان- مطبعة جامعة الخرطوم.
10.    الخاتم عدلان؛ ما المنفى وما الوطن (إعداد د. الباقر العفيف)- مركز الخاتم عدلان.
11.    الخاتم عدلان؛ آن أوان التغيير.

12.    Fadwa A. Rahman Ali Taha- Between past, present and future: The Sudan’s Role as a middle-stream country. International Journal of African Renaissance Studies- Volume 5 Number 1. June 2011.
13.    Abdel Salam Sidahmed- Institutional reform and political party engagement: Challenges to democratic transformation in post-CPA Sudan. International Journal of African Renaissance Studies- Volume 5 Number 1. June 2011.
14.    Regime Change in Libya- African.org (Issue 15-2011) - Institute for Security Studies (ISS) - Pretoria, South Africa.
--------------
مهدي إسماعيل مهدي عُثمان
بكالريوس إقتصاد زراعي (كلية الزراعة- جامعة الخرطوم)- 1977
ماجستير إقتصاد زراعي (تخطيط التنمية) جامعة لندن 1980 (Wye College)
(باحث دكتوراه: "إدارة الموارد الطبيعية والنزاعات-/ كُردفان الكُبرى نموذجاً) - جامعة جنوب إفريقيا/ كُلية الدراسات العُليا ومركز دراسات نهضة إفريقيا)
Mahdica2001@yahoo.com
بريتوريا: 25/08/2012

 

آراء