تجار الكوارث

 


 

 


منصة حرة

 

يتاجرون في الأزمات والكوارث، يراكمون ثرواتهم، يستغلون ظروف المنكوبين والمتضررين دون ضمير أو وازع ديني أو أخلاقي، تماماً كتجار الحرب و"تجار الدين" الذين نعرفهم بسيماهم.

مرتزقة يستترون خلف المنظمات الخيرية، مستغلين علاقاتهم بالمنظمات والدول لجلب ملايين الدولارات باسم البسطاء، ثم لا تذهب هذه الأموال إلى من يستحقها.
وتماماً كما يستثمر تجار الحرب الخلافات السياسية والنزاعات، ويصبون الزيت في النار لتشتعل الحرب، وبذلك يجدون سوق مربحة لمنتجات القتل والدمار، ينشط تجار الأزمات أيضاً لاستغلال الكوارث، والعمل على زيادة الأضرار وفبركة التقارير باحترافية للتكسب من ورائها.
تابعنا جميعاً ما كان يحدث في العهد البائد عندما تهبط طائرات الإغاثة والمعينات، ويجتمع حولها المرتزقة، وخلال ساعات قليلة نجدها تباع في الأسواق وتوزع للمنظمات، وهناك من تخصص في سرقة الإغاثات.
مليارات الدولارات كانت تأتي كمساعدات للمنكوبين، كان يذهب منها الفتات لأصحاب الحق، وبقية الأموال يتقاسمها تجار الأزمات.
شاهدت إعلانات لمنظمات وجمعيات "خيرية" داخل عدد من الدول تطالب بالتبرعات المادية لمساعدة المتأثرين بالسيول والفيضانات في السودان، وكل منظمة أو جمعية تجتهد في إبراز أرقام حساباتها البنكية لتحويل الأموال مباشرة دون رقيب أو أنظمة تضبط هذه الأموال، وكلمة "خيرية" التي تتزيل أسماء مئات المنظمات لن تشفع لها التعامل بحرية مطلقة مع هذه التبرعات.
نعلم أيضاً أن السودان في مرحلة انتقال من دولة شمولية كانت تسيطر على كل شيء إلى دولة ديمقراطية، وهذا الوضع الانتقالي عطل الكثير من الأجهزة الرقابية في الأسواق وكذلك الأنظمة القانونية، والكوارث الحالية تمثل بيئة خصبة جداً لظهور "تجار الكوارث"، ليستثمروا هذا الوضع في جني مكاسب سريعة تحت عنوان "دعم المتضررين".
وعطفاً على ما سبق، نناشد ونطالب وننبه، كل من يريد الدعم وتقديم العون، بأن تكون المساعدة مباشرة بينة وبين المتضررين أي كان موقعهم، مع المتابعة اللصيقة والتأكد من وصول المساعدة إلى المتضرر.
الأزمة الحقيقية خلال الكوارث التي تمر علينا، هم الوسطاء وسماسرة وتجار الأزمات، يجيدون التملق، ويبرعون في كتابة الشعارات العاطفية، ويضحكون ويتظاهرون بالحماسة والتعاطف، ولكن المحصلة على أرض الواقع صفر كبير، وبعد إنتهاء الأزمة يخططون لاستغلال أزمة أخرى اقتصادية أو سياسية أو حتى اجتماعية ليمارسوا هواية الاستغلال.
أحذروا هؤلاء، فهم كتجار الحروب، يسعون باستمرار لتصبح الكارثة أسوأ وأعمق، ويجتهدون ليزيد الضرر، فكلما زادت الأزمة، ارتفعت أسهمهم في الداخل والخارج، وكلما سمعوا صراخ الأطفال والكبار ونداءات الاستغاثة، زادت شهيتهم لجني المزيد من الثروات الطائلة.
ونطالب الجهات الأمنية والسلطات المختصة، متابعة كل هذه الجهات التي تجمع الأموال باسم كارثة السودان في الداخل والخارج، ومراقبتها، والتبليغ عنها، ومراجعة حسابتها البنكية، ومعرفة كل دولار أو جنيه تم دفعه تحت بند الأزمة الحالية، أين صرف ومتى وكيف ولمن؟.. وتذكروا أن الثورة ضمير ووعي ووطنية قبل أن تكون شعارات يمكن لأي انتهازي استغلالها.. حباً ووداً..

الجريدة
نورالدين عثمان
manasathuraa@gmail.com

 

آراء