تجريد الحسام لمن ؟ .. قوش … واذا الرؤوس قُطِّعت !! بقلم: علاء الدين بشير

 


 

 


ala-4506@hotmail.com
ربما بدا عصيا على الفهم اطلاق مدير جهاز الامن و المخابرات ، الفريق اول صلاح عبد الله (قوش) تحذيره شديد اللهجة لمؤيدى المحكمة الجنائية الدولية بتقطيع رؤوسهم و ايديهم و اوصالهم و التهديد بالعودة الى سيرة التطرف الاولى ، فى احتفال اعد خصيصا لتكريمه بمناسبة ترقيته للرتبة الاعلى .
ومدار استعصاء الفهم ان حديث قوش الخشن لا ينسجم مع الخط الذى ابتدره  جهاز الامن و المخابرات من اجل تغيير الصورة السالبة المترسخة عنه فى الاذهان ، و يستند هذا التحليل فى المحاولات الدؤوبة من مديره الفريق اول قوش نفسه  لكسر التقليد السائد عند قادة اجهزة المخابرات فى العالم الذين يستعصمون بالصمت عن الحديث لاجهزة الاعلام الاّ ما ندر ، وفى المقابل نجد ان  الفريق اول قوش كثرت اطلالاته الاعلامية  فى الاونة الاخيرة فى مناشط مختلفة من اقامة دورات رياضية فى كرة القدم ثم الى الحقل الثقافى بتكريم عدد من المبدعين ثم ظهوره فى البرلمان فى ابريل الماضى فى ندوة (الوجود الاجنبى فى السودان) و حديثه بالارقام عن ذلك الوجود و مخاطره على الامن القومى ، ثم حديثه من كسلا فى اكتوبر الماضى عقب مذكرة الاتهام التى اصدرها اوكامبو بحق رئيس الجمهورية ، و الذى بيّن فيه ان (ضغوطا غربية تمارس على النظام من اجل تغيير تركيبة الحكم فى البلاد) ، ثم تصريحه فى اعقاب احتجاج الصحافيين على الرقابة الامنية على الصحف فى نوفمبر الماضى و الذى ادى الى احتجاب احدى عشر صحيفة عن الصدور لمدة يوم واحد ، حيث نأى قوش بجهازه عن فرض الرقابة و قصره على تنفيذها فقط نتيجة للتكليف الذى وقع عليه بذلك من مؤسسة الرئاسة مع محاولة منه لتبرير دواعيها المتمثلة فى الممارسة غير المسؤولة التى تضر بالامن القومى و المصالح العليا للبلاد من بعض الصحف . وعاد قوش بعدها ليطل مرة اخرى فى يناير الماضى  من منزل الصحفى عمر الكاهن ليتحدث حديثا بدا و كأنه (تنوير خاص) عن مجمل الوضع السياسى و الامنى فى البلاد وقانون الجهاز المنتظر اجازته . وغير ذلك فقد تكرر الظهور لمدير المخابرات فى جولات و احاديث مقتضبة مرتبطة بملف الازمة فى دارفور لم تثر اهتماما كبيرا . ثم جاء الاحتفال الاخير لبعض ابناء الجنوب بالفريق قوش بالنادى الديبلوماسى بالخرطوم ، ولا يخفى على المراقب الرسالة السياسية خلف الاحتفال و التى اراد الجهاز و مديره العام التأكيد فيها على الابعاد القومية للجهاز و مديره العام  كما نصت اتفاقية السلام و وقوفه مع السلام  و الاستقرار فى الجنوب و مع حقوق الجنوبيين و مع وحدة السودان فى مقابل اصوات نشاذ اخرى داخل حزب المؤتمر الوطنى  (يصنف قوش و اغلب عناصر جهازه بأنهم موالون له)  ، يتهمهم الجنوبيون و الحركة الشعبية بدعم تكتيكات و ممارسات من اجل تقويض الامن و الاستقرار فى الجنوب و السعى لفصل الشمال عن الجنوب ، بجانب دلالة المكان (النادى الديبلوماسى) حيث بدأت لهجة التهديد و الوعيد غير منسجمة مع الخطاب العام الذى القاه و كأنى به اقحمها اقحاما من اجل ارسال رسائل و لكن لمن ؟ هذا ما اجتهدت تحليلات الاسبوع الماضى بأسره فى محاولات لاستكناه الجهات الموجهة اليها .
اول ما يبدر الى الاذهان ان قوش يوجه رسالته الخاصة بتقطيع الرؤوس و الاوصال و الايدى للمؤيدين للمحكمة الجنائية و الذين يريدون تنفيذ اجندتها ، انه يقصد بهم الخصوم السياسيين فى البلاد ، لكن قوش اردف فى حديثه ذلك عبارة (تنفيذ اجندتها بالقوة) وهو يعلم ان لا حول ولا قوة مادية تمكن خصومه السياسيين من تنفيذ اجندة المحكمة ، فغالبية القوى السياسية كانت ايدت قرار المحكمة الجنائية الدولية فى طلبها توقيف الوزير احمد هارون و على كوشيب ، و دعت الحكومة للتعاون معها قانونيا و لكن عادت تلك القوى السياسية لترفض مذكرة الاتهام و قرار القضاة المرتقب بحق رئيس الجمهورية ، فيما التزم بعض منها الصمت دون تحديد موقف بعينه بينما بقيت قلة قليلة على موقفها الاول الداعى لمبدأ التعامل القانونى مع المحكمة الدولية وعدم الدخول فى مواجهة مع المجتمع الدولى . ومع ان قوش ترك الباب مفتوحا لمن يريد تأييد المحكمة سياسيا فقط الا ان واقعة اعتقال زعيم حزب المؤتمر الشعبى ، الدكتور حسن الترابى فى اعقاب حديثه لوسائل الاعلام الاجنبية بالخرطوم الذى دعم فيه المحكمة الدولية و طالب فيه الرئيس البشير بالمثول امامها و تجنيب البلاد مواجهة مع العالم ، تدحض امكانية السماح حتى بمساحة للتأييد السياسى فقط للمحكمة كما صرح بذلك مدير المخابرات ، و رغم ان التوضيح الرسمى للاسباب التى كانت وراء اعتقال الترابى انه على صلة بحركة العدل و المساواة ، الاّ ان التطورات التى نجمت عن مفاوضات الدوحة قضت باطلاق سراح السجناء و الاسرى فى بادرة على حسن النية بين الطرفين وهو ما لم يحدث فى حق الترابى ، بل ان مسؤولا حكوميا هو الدكتور امين حسن عمر الذى كان  ضمن الوفد المفاوض ذكر ان الافراج عن السجناء لا يشمل منسوبى المؤتمر الشعبى و انما عناصر العدل و المساواة فقط وهو اقرار ضمنى بفض الاشتباك بين الشعبى و العدل و المساواة . وقد عاد وكيل وزارة الخارجية ، الدكتور مطرف صديق ليؤكد نفس الحديث و يطالب زعيم العدل و المساواة بالاقرار ان اعضاء الشعبى هم جزء من حركته حتى يتم اطلاق سراحهم ، الامر الذى يعزز الرأى القائل  ان اعتقال الترابى كان لتصريحاته المؤيدة للمحكمة الجنائية الدولية.
و سوى ذلك فان قوش بحكم موقعه فى الدولة اول العالمين ان الخصوم السياسيين لا قوة لهم لتنفيذ قرار بخطورة توقيف الرئيس البشير ، ورغم ان تصريحات فى هذا الاتجاه نسبت لزعيم العدل و المساواة  ، الا انها جاءت بعد حديث قوش و اغلب المراقبين يعتبرونها ضربا من التهويش السياسى لا قبل لخليل و حركته به مع ان الرجل لا يزال يتبنى الخيار العسكرى فى العمل السياسى وحاول فى مغامرة عسكرية سابقة ان يستلم السلطة بالقوة فى الخرطوم . و اضافة الى ذلك فان مدير جهاز المخابرات يعلم ان المهام الاكبر التى احتاجت المحكمة الجنائية الدولية القيام بها داخل البلاد حتى الان استندت فيها على تعاون الحكومة السودانية نفسها حيث ذكر المدعى العام للمحكمة فى تقاريره السبعة السابقة التى قدمها امام مجلس الامن و فى متن مذكرة الاتهام بحق رئيس الجمهورية و فى لقاءاته المختلفة ان مكتبه قام بخمس مهام الى الخرطوم اثناء التحقيقات التى اجراها و انه خلال تلك المهام التقى مسؤولين حكوميين بينهم شخصيتان رفيعتان احداهما مدنية  و الثانية  عسكرية ، و انه تحصل على تقرير مفصل من وزارة الدفاع عن تحركات القوات المسلحة فى دارفور  و نظام اصدار الاوامر داخلها و كذلك تحصل على محاضر اجتماعات لجان الامن المحلية فى دارفور و على تقرير لجنة  التحقيق الوطنية التى شكلها رئيس الجمهورية للتقصى فى الانتهاكات التى وقعت فى دارفور برئاسة رئيس القضاء الاسبق ، دفع الله الحاج يوسف و المعدات التى جمعتها تلك اللجنة و تسجيلات لمسؤولين فى الحكومة و غيرها ، و كل هذه المواد يصعب الحصول عليها من اى مصدر سوى الحكومة السودانية نفسها فى اطار التعاون (السابق) بينها و بين المحكمة الجنائية الدولية .
وثمة تحليل اخر يحيل رسالة قوش تلك الى الوجود الاجنبى بالبلاد خاصة و انه كان قد حذر من مخاطره فى ندوة نظمتها لجنة الامن و الدفاع بالبرلمان فى ابريل الماضى ، غير ان قوش نفسه عاد ليقول فى متن حديث التهديد و الوعيد  (ان الوجود الاجنبى يستند على اتفاقات و مواثيق) . و يدعم  ذلك ان الوجود العسكرى الدولى فى البلاد  وهو الاخطر يستند على تفويض محدد و نطاق انتشار بعينه حيث يستند تفويض يونمس على مراقبة تنفيذ اتفاق السلام فى الجنوب و النيل الازرق و جنوب كردفان و ابيى بجانب كتيبة واحدة لتأمين رئاسة البعثة بالخرطوم و التفويض المخول لها بموجب الفصل السادس و فصلت المهام  بينها و بين الحكومة فى اتفاقية وضع القوات . و ما يمكن ان يقال عن يونمس يقال ايضا عن يوناميد مع الاختلاف فى ان تفويض الاخيرة جاء بموجب الفصل السابع لحماية المدنيين فى دارفور التى لا تزال العمليات العسكرية فيها مستمرة غير ان نطاق انتشار تلك القوات هو دارفور بجانب ان مجلس الامن لم يمحضها تفويضا واضحا بملاحقة المطلوبين للعدالة الدولية .
ولم يتبق بنظر المحللين من الفرضيات سوى ان قوش رمى بحديثه ذاك الى ارسال رسالة تطمين للرئيس البشير على وقوفه وجهازه الى جانبه درءا للشائعات التى تنطلق بان الخلافات تنتظم الصف الانقاذى حيال مقاربته لقضية المحكمة الجنائية الدولية ، وهى رسالة شبيهة بتلك التى كان اطلقها قوش نفسه قبل نحو عامين فى وقت كانت معركة رفض القوات الدولية فى اوج احتدامها حينما خاطب استعراضا لعشرة الاف من القوات الخاصة لجهاز الامن و المخابرات بحضور رئيس الجمهورية ليؤكد له فيها ان الجهاز معه فى رفضه لدخول القوات الدولية الى دارفور و انهم (قبل ذهابهم لقتال القوات الدولية فى دارفور سيبدأون بالطابور الخامس و الخونة و العملاء)  ، غير ان القوات الاجنبية دخلت دارفور و ينتظر ان تصل نسبة وجودها فى الاقليم المضطرب الى 80 % فى مارس القادم بعد يومين  بحسب تصريحات مسؤولين دوليين .
اما الرسالة الاخرى و التى بدت ايضا غريبة من مدير جهاز الامن و المخابرات فهى قوله (كنا اسلاميين متطرفين ، وصرنا معتدلين نؤمن بالسلام و الحياة للجميع ، و لكننا اذا دعت الضرورة فلا محالة سنعود لما كنا عليه ، و ما ايسر ذلك علينا) ، فغير الاعتراف الصريح بما مضى ، لكن وجه الغرابة الاكبر  بنظر كثير من المراقبين يكمن فى التلويح بالعودة الى التطرف مجددا رغم ان حديث قوش تضمن استحسانا للاعتدال و الايمان بالسلام ، بل ان حديثا سابقا لمدير المخابرات لصحيفة (الاحداث) فى اكتوبر 2007 و لاحقا بمنزل الصحفى عمر الكاهن فى يناير الماضى ذكر فيه ان الجهاز يتبنى منهجا اصلاحيا مع المتطرفين دينيا يقوم على الحوار الفكرى و العمل الثقافى بواسطة العلماء و المفكرين ، وهو ما يتقاطع تماما مع التلميح الذى اورده بالعودة الى التطرف حيث ان البداهة تقول انه لا يمكن لشخص ان يعود الى ما اقتنع بانه خطأ تعافى منه  وطفق يصلح منه الاخرين ، بل ان مدير المخابرات نفسه كان قد اشار فى حديثه (للاحداث) الى ثمار ذلك الاعتدال وهو التعاون المخابراتى مع الغرب فى الحرب على الارهاب بأنه جنب البلاد مخاطر محدقة . و يرى كثيرون ان التلويح بالعودة الى التطرف سيؤكد رأيا قديما ان الاعتدال و السير فى طريق السلام لم يكن عن قناعة فكرية و سياسية اصيلة ومنهجا اصلاحيا متبعا ، و انما نتاج الضغوط الدولية و الاقليمية على الانقاذ . بينما يرى البعض ان التلويح بالعودة للتطرف ليس موقفا اصيلا لمدير المخابرات و انما هو تكتيك اراد به ارسال رسائل ايضا الى اطراف بعينها اولها الجماعات الاسلامية السلفية التى ربما ضعف تأييدها  للانقاذ ، فرغم ان قوش كان قد دحض فى حديث سابق ان يكون ثمن تعاونهم فى الحرب على الارهاب خسران الراى العام الاسلامى فى الداخل و المنطقة ، الاّ ان وقائع محاكمة قتلة الموظف الامريكى مايكل غرانفيل و سائقه السودانى عبد الرحمن عباس ، اثبتت خلاف ذلك حيث شن المتهمون الشباب هجوما عنيفا على النظام و اعتبروه المسؤول الاول عن ما اقترفوه من جرم لانه كان يحرض فى خطابه السياسى على قتال الامريكان ، وقد طال الهجوم قوش بصورة شخصية على اعتباره واجهة النظام فى ذلك التعاون من اجل الحرب على الارهاب . و غير المتهمين بقتل غرانفيل فان الشريط الذى تحدث فيه الرجل الثانى فى تنظيم القاعدة ، ايمن الظواهرى قبل عامين و بثه عدد من المواقع فى الانترنت و تناقلته كبريات الصحف اتهم فيه صراحة نظام الخرطوم بالكذب و خذلان المسلمين حينما سمح بدخول القوات الاجنبية الى دارفور بعد ان كان رفضها و دعا للجهاد ضدها . وعليه فربما استشعر مدير المخابرات خطورة الموقف واراد ارسال تطمينات للراى العام الاسلامى المتشدد . او وفقا لتحليلات اخرى انه يريد ارسال رسالة الى الغربيين الذين يرى انهم تنكروا لتعاونهم معهم فى الحرب على الارهاب وعادوا ليكأفئوا نظامه بالضغوط المشددة و على رأسها المحكمة الجنائية الدولية و اراد بالتالى ان يترك الباب مواربا لما يمكن ان يحدث حال صدور مذكرة توقيف ضد رئيس الجمهورية ، رغم الالتزام الحكومى فى تصريحات المسؤولين  بحماية الوجود الاجنبى فى البلاد فى كل الاحوال مع ترك الباب مواربا بالاعراب عن الخشية من حدوث تفلتات من عناصر يصعب السيطرة عليها  ، او ربما اراد ايضا مخاطبة شركائهم فى الحكم الحركة الشعبية بأن عدم مساندة موقفهم الرافض للمحكمة الجنائية الدولية سيعيد البلاد القهقرى الى ايام التشدد و التطرف .
على اية حال فان حكمة العارفين  بالله تقول ان النهايات تشبه البدايات ولا تشبهها ، و يقول الفلاسفة ان التأريخ يعيد نفسه و لكنه لا يعيده بنفس الصورة  . و لذا فان امر العودة الى التطرف سيكون صعبا للغاية حتى اذا اراد المتشددون فى الانقاذ الركون اليه فى مقبل الايام .

 

آراء