تخريمات وتبريمات حول قلة الأدب وعدم الأدب (2)

 


 

فيصل بسمة
23 October, 2022

 

عدم الأدب

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

و يستمر الوقوف و تتواصل التأملات و بذات القدر يعمل صاحبنا أدوات التخريم و التبريم في مفهوم (عديم الأدب) و يخلص إلى أن الشخص عديم الأدب لا يمتلك من الأدب شيئاً على الإطلاق ، أو أنه و على أفضل التقديرات أحمقٌ يجهلُ أصلاً معنى الأدب و لا يعلم قيمته فلا يمارسه قولاً أو سلوكاً ، و هذا يطابق الواقع في الإشارة إلى أن عديم الأدب لا يمتلكه أصلاً و أنه مفلسٌ و خالي وفاض ، هذا الإفلاس لخصته أهل السودان في قولة:
ما عندو التَّكتَحَة...
و الغالب أن المفردة تَكتَحَة مشتقة من كَتَحَ يَكتَحُ كَتحاً ، و الكتح يفيد الرمي و الذر لأشيآء في الهوآء مثل التراب و الرماد ، و الكتح مثل الذر يتطلب وجود الرياح حتى يكون التشتيت و البعثرة مما يقود إلى التفريق و الفقدان و الضياع و العدم ، و لهذا فيبدوا أن هنالك حوجة مآسة إلى تعريف معنى العدم حتى تصبح الأمور أفضل ترتيباً و أكثر وضوحاً...
و قد فسرت بعضٌ من المعاجم العدم على أنه:
(فقدان الشيء و ذهابه و إختفآءه عن الوجود و كذلك الإفتقار إليه)
و قياساً على ذلك فإن الشخص عديم الأدب و ذلك المحكوم عليه بالإعدام يستويان في مرتبة العدمية ، و ذلك لأن عدم الأدب و حكم الإعدام يتفقان في نفي/حرمان الصفة عن الموصوف ، و هي الأدب عن قليل الأدب و الوجود عن المحكوم عليه بالإعدام ، فعديم الأدب قد ذهب عنه الأدب و اختفى ففقده و أصبح مفتقر إليه ، و المحكوم عليه بالإعدام قد نُفِيَ عن الوجود و حرم منه بقضآء الموت قتلاً فاختفى و ذهبت نفسه إلى برزخٍ و عالمٍ آخر بينما قبر جسده و ذاب و عادت عناصره إلى منشأها في التربة في إنتظار البعث:
{مِنۡهَا خَلَقۡنَـٰكُمۡ وَفِیهَا نُعِیدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ}
[سُورَةُ طه: ٥٥]
و قد خلص صاحبنا إلى قناعةٍ تفيد أن عديم الأدب هو عديمُ نفسٍ و أحمقٌ في ذات الوقت ، و المعنى الأخير ، الحماقة ، هو عين ما ذهبت إليه بعضٌ من المعاجم من أن الشخصَ العديمَ هو الجاهلُ الأحمقُ ، و هذا المعنى يتفق و ينسجم كثيراً مع تخريم و تبريم (ما ذهب إليه) صاحبنا في مقدماته عن قليل و عديم الأدب...
و معلومٌ أن أمرَ العدم تمرينٌ فلسفيٌ قديم ، و أنه مسارٌ شآق و شآئك ، و قد دار حوله الكثير من النقاش و الجدل ، فقد ذهب بعضٌ من المفسرين و الفلاسفة إلى القول بأن العدم لا يعني (اللامقدار) أو (اللاشيء) ، و خلصوا إلى أن العدم ليس هو خلاف الموجود ، و استنتجوا من إطلاعاتهم و إستيعابهم و فهمهم و فكرهم إلى:
(أن العدم شيءٌ و كمٌ معلومٌ و مقدارٌ موجودٌ)
و أشاروا و أكدوا إلى أن عدم إلمام الإنسان و علمه و إدراكه بوجود الأشيآء و المخلوقات مادياً لا يعني مطلقاً أنها من جنس العدم ، و ذلك لأن الأشيآء و المخلوقات تكون موجودة فعلاً في علم الله الخالق عز و جل لكنها تقبع خارج حدود وعي و إدراك الإنسان المخلوق...
و قد خلص بعضٌ من المفكرين و الفلاسفة و المفسرين و آخرين و استنتجوا في نهاية الأمر أن:
(العدم هو وجود الدال بدون مدلول)
و أن المدلول هو ما بلغ الوعي و الإدراك الإنساني من علامات و إشارات الدال الموجود حقاً في علم الله الحق ، و أنه و عندما يعلم الإنسان الدالات و المدلولات و الإشارات فإنه قد يعقلها و يدركها أو أنها ربما تفوق و تتفوق على قدرته و مقدرته على التحصيل و العقل و الإستيعاب ، و لهذا ذهب بعضٌ من المفسرين إلى القول بأن الله سبحانه و تعالى هو الحق الموجود خارج الوعي الإنساني ، و أنه:
{ لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَـٰرُ وَهُوَ یُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَـٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِیفُ ٱلۡخَبِیرُ }
[سُورَةُ الأَنۡعَامِ: ١٠٣]
و أن إدراك ذلك و المعاني المرتبطة به و عقلها و إستيعابها حتماً يقود الأنفس المطمئنة و اللَّوَامَة إلى رحاب الإيمان و الرضا ، و في الجانب الآخر فإن حقيقة حق وجود الله خارج حدود الوعي الإنساني قد تفوق مقدرات الوعي و الإدراك و الإستيعاب و العقل الإنساني ، و أن ذلك ربما يقود في بعض من الأحيان بعضاً من الأنفس ، و فيها تلك الأَمَّارَة بالسوء ، إلى حالات من الإلتباس العقلي/الذهني التي ربما تفضي بصاحبها إلى العنآء و الشقآء و الإلحاد و الكفر أو أحياناً إلى الجنون المصحوب بذهاب العقل و الإدراك...
و الشاهد هو أن الله الحق لم يخلق و يبدع الأشيآء من العدم بل أن الأشيآء أصلاً و دوماً كانت موجودة في علمه اللامحدود الذي أحاط و وسع كل شيء:
{ ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَیُّ ٱلۡقَیُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَةࣱ وَلَا نَوۡمࣱۚ لَّهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِۗ مَن ذَا ٱلَّذِی یَشۡفَعُ عِندَهُۥۤ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦۚ یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡۖ وَلَا یُحِیطُونَ بِشَیۡءࣲ مِّنۡ عِلۡمِهِۦۤ إِلَّا بِمَا شَاۤءَۚ وَسِعَ كُرۡسِیُّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَۖ وَلَا یَـُٔودُهُۥ حِفۡظُهُمَاۚ وَهُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡعَظِیمُ }
[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢٥٥]
و قياساً ، فإن هذه المقدمات تقودنا في نهاية الأمر إلى إستنتاج و وعي و إدراك أن الأدب موجود بوفرة في الكون ، و أنه دالٌ و له مدلولات ملموسة مادياً و سلوكاً تؤكد على وجوده حتى و إن لم تدركها محدودية العقل الإنساني ، و أن الشخص عديم الأدب مفتقدٌ للأدب المتوفر و الموجود حقاً في البيئة التي تحيط به ، و أن الأدب الموجود رغم توفره ، و على أقل تقدير بكميات معقولة ، إلا أنه ليس من ضمن موجودات/مقتنيات/ملكات الشخص قليل الأدب الفكرية و لا هو من صميم قيمه الأخلاقية السلوكية ، و لهذا فإن مثل هذا الشخص يصنف عملياً في خانة عديم الأدب المفتقر إلى الأدب بشهادة أنه لا يمارس الأدب سلوكاً و معاملةً ليس لأن الأدب غير موجود أصلاً في بيئته بل لأنه أحمقٌ و جاهلٌ تأخر كسلاً عن التحصيل و المعرفة و تقاعس جهلاً عن عقل و معرفة الموجودات و الدالات و المدلولات (الأدبية) و أخفق إخفاقاً عظيماً في إدراك المعاني فأصبح ميتاً أخلاقياً و أحمقاً ، و قد خلص صاحبنا و كثيرون إلى أن حماقة و جهل عديم الأدب بوجود و توفر الأدب فيما حوله لا تعفيه من مسئولية التقصير في البحث عن الأدب و التعرف عليه و تعلمه و الحصول عليه و ممارسته سلوكاً (تفاعلاً و تعاملاً)...
و كانت الخلاصة أن عديمَ الأدبِ شخصٌ جاهلٌ ، و أن الجاهلَ أحمقٌ بالضرورة ، و لهذا يرى كثيرٌ من العارفين إلى أن الشخص العديم الجاهل الأحمق ضحية و مسكين ، و يرون أنه في حوجة ماسة إلى العون و الإرشاد ، و إلى من يسوقه (و يأخذ بيده) و يقوده إلى دنيا العلم و المعرفة ، و يعتقدون أنه عند و بعد البلوغ بالجاهل الأحمق إلى محطات العلم و المعرفة و الأدب (و مسكه الدرب) فإنه يجب إعانته و تشجيعه و تحفيزه على الإجتهاد في البحث عن و معرفة المزيد من الأدب الموجود في الكون و النهل من ما يصاحبه من كريم الأخلاق و تحصيلها و إمتلاكها و من ثم تعلمها و ممارستها عملاً و فعلاً/سلوكاً حتى يفلح و ينجو...
و يفيد هذا التمرين و ما سبق إلى أن التعليم و التعلم و تلقي العلم يجب أن يكون على يد معلمٍ ماهرٍ حتى لا يكون إنحرافٌ أو شططٌ أو لبسٌ أو ضياعٌ...
و يعتقد صاحبنا و كثيرون أنه و بعد الحصول على الدرجات الكافية من العلم و الأدب فأنه يجب الوقوف و التأكد من أن ذلك الشخص يمارس حقاً ما تعلم و حصل عليه من العلم و الأدب ، و أنه حريصٌ على الفعل الإيجابي و على الإقلاع و التوبة و التخلص النهآئي من جميع سلبيات الجهل و الحماقة ، و من ثم قطع الصلة بهما (الجهل و الحماقة) نهآئياً حتى يسقطهما من تاريخه و سيرته الذاتية فيقال:
(فلان كان جاهلاً و أحمقاً فَمَنَّ اللهُ عليه بالتوبة و العلم و المعرفة ، و أسبغ عليه نعمتي الرضا و القبول فَلَانَ طبعه و سمحت نفسه و حسن خلقه و استقام سلوكه و صلح فعله و عمله)
و يرجو صاحبنا أن لا يقود هذا التخريم و التبريم و ممارسة التجريب التمعني و النظر الفلسفي في معاني كلمتي القلة و العدم إلى خلط و إلتباس في المعاني و المفاهيم و الإدراك قد تفضي إلى مجاهل و إرتباكات معرفية و متاهات جدلية معقدة و عميقة و غير مرجوة أو مرغوبة...
و عموماً فقد ألقى هذا التمرين المعقد في المعاني بعضاً من الضوء على معنيي القلة و العدم ، و الذي ربما يقودنا إلى إستنتاج آخر يضاف إلى معرفتنا خلاصته أن عبارة عدم/عديم الأدب ربما هي ليست العبارة الصحيحة المطلوبة للتعبير عن القصد و المعنى المراد ، و أن الأصوب أن نقول مثلاً:
فلانٌ فاقدٌ للأدبِ...
أو
أن فلاناً لا يمتلكُ أدباً...
أو
أن فلاناً يفتقرُ إلى الأدبِ...
أو
أن فلاناً قد ذهبَ عنه الأدبُ و اختفى...
أو أن نصف الشخص قليل الأدب بأنه جاهل و أحمق ، أو إختصاراً (بليد) ، أو بالعربي:
فلان ما مربى...
و ما عندو أدب بتعريفة...
و يعتقد صاحبنا إعتقاداً جازماً ، و يشاركه في ذلك كثيرون ، أن غالبية أفراد و جماعات الإنقاذيين و المتأسلمين من الكيزان و الأذناب من الأرزقية و الطفيلية السياسية و الساقط الحزبي و الفاقد التربوي و المجتمعي ، إن لم يكن جلهم ، هم قطعاً من عديمي الأدب و فاقديه (و ما مربيين) و (ما عندهم أدب بتعريفة) و (ما عندهم التكتحة) بمعنى أنهم لا يمتلكون ذرة من الأدب و العلم و بالتالي فهم جماعة من الجهلة و الحمقى و (الناس البُلَدَة) ، و أنهم مسئولون مسئولية كاملة و تآمة عما ما مارسوه من سوء الأدب و الظلم و الفحش و الفساد و العبث و الفوضى تجاه خلق الله من الشعوب السودانية أبان فترة حكمهم البغيض ، و أنهم قد عملوا و فعلوا و (تركوا) و (ما خلو حاجة كعبة ما سَوُّاهَا) ، و أنهم قد فعلوا ما فعلوا حماقةً و سفهاً و جهلاً بحكمة الله في الخلق و الوجود و الخلافة و عمارة الأرض...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com

 

آراء