ترتيب الأولويات ليس بأمرٍ اقتصادي لوحده، وإنما هو من صميم القدرات الإداري

 


 

 

صديق عبد الهادي،
رئيس مجلس ادارة مشروع الجزيرة والمناقل السابق

أعلنت دائرة الإعلام في مشروع الجزيرة عن بدء تدشين عمليةٍ لإنشاء طرقٍ زراعيةٍ لبعض المناطق داخل المشروع وبتكلفة مقدرة بحوالي 146 تريليون جنيه سوداني بضمانات مسنودة من وزارة المالية. لا شك في ان انشاء الطرق في مناطق الإنتاج أمر مهم ولا ينفصل عن تطوير الإنتاج نفسه. ويعتبر واحدة من وسائله ومطلوباته المتعددة. وهي مطلوبات تتفاوت في الأهمية من حيث تراتيبيتها، وذلك بمعني ان تسلل إنجازها هو الذي يحدد ذلك التفاوت في الأهمية ويؤكده، حيث إذ تعمد الثالثة على أنجاز الثانية والثانية على إنجاز الأولى، وهكذا.

وهنا ينهض السؤال الضروري التالي/ مع أهميتها للإنتاج والمنتجين، هل وفي الوقت الراهن كان من المفترض ان تكون الأولوية للطرق أم لقنوات الري، مثلاً؟! بالقطع، وبالنظر للأوضاع الماثلة أمامنا والمتمثلة في أزمات الري المتلاحقة وخروج مساحات مقدرة من من دائرة الإنتاج في كل المواسم، تكون الأولوية لتاهيل قنوات الري، ولو جزئياً. لأن الري هو أساس الإنتاج الذي نود أن نؤسس الطرق لأجل نقله!. فهذه بديهية لا تحتاج لعالم إقتصاد بقدرما أنها تحتاج لقدرة إدارية تساعد في الإنتباه لهذا المبدأ الأولي، أي مبدأ ترتيب الأولويات، وقد انتبه إلى ذلك معظم المزارعين وأشاروا إليه في نقدهم لمشروع الطرق. وهنا اود أن أشير إلى أنه وفي تفضيل تأهيل قنوات الري على تنفيذ الطرق ليس من الضروري التمسك بمبرر على منْ تقع مسئولية إدارة الري. إن الأمثلة التي تضع تأسيس الطرق، بالرغم من أهميتها، في مرتبةٍ أدنى من أولويات أخرى، لا حصر لها في مشروع الجزيرة، إذا كان على مستوى نياته الأساسية الأخرى او على مستوى مطلوبات الإنتاج او معيناته المعروفة، مثل مدخلات الإنتاج. إن الجهد الذي بُذل والموارد التي خُصصت كان من الممكن إستثمارها وبشكل إيجابي لو تم إتباع وتنفيذ ذلك المبدأ، أي مبدأ ترتيب الأولويات. إن الملاحظة الجديرة بالوقوف وبالتأمل هي عدم تردد وزير المالية في موافقته ومساندته لتنفيذ هذا المشروع وبتقديم ضمانات مالية كبيرة (146 ترليون جنيه سوداني)، في حين أن قمح المزارعين للموسم الماضي ما زال حبيس المخازن بسبب أنه، أي السيد الوزير، لم يكن بقدر كلمته حين وافق على شراء الإنتاج بسعر 43 ألف ومن ثم حنث بذلك. وهو موقف وبكل تأكيد لا يرقى فوق الشبهات. و إلى ذلك يضاف أيضاً عدم مساندته للمزارعين في أمر توفير مدخلات الإنتاج، ومن ثم تركهم عزلاً في الحالتين، شراء القمح وتوفير المدخلات، يواجهون جشع السوق، أي الشركات الخاصة. في يقيني وبمتابعة المواقف المتواترة للسيد وزير المالية أنه يتعامل مع السودان الحالي كأنه وطنٌ مؤقتٌ وجسر عبورٍ لوطن آخر!، وإلا ما معنى أن يتم التعامل مع قضايا أهم سند للاقتصاد الوطني، أي مشروع الجزيرة، وبذلك التبني المشبوه لسياسات مشبوهة "التخطيط"؟!. في الختام ما اود أن أقوله هو أن إنشاء طرق زراعية لمشروع الجزيرة أمر مهم، ولكن يبقى ترتيب الأولويات هو الأكثر أهمية. (وللوقوف على تأكيد ذلك أرجو الرجوع إلى برنامج التغيير الذي أجازه مجلس إدارة المشروع).
https://alyoumaltali.net/?p=20561

 

 

آراء