ترحيب الدول بالاتفاق لا يعني نجاحه، ترحيب الشارع السوداني به هو النجاح!

 


 

 

* دخلت قحت بحراً هائجاً بغرض تحقيق (تسوية) ما بينها وبين شركائها السابقين، جنرالات اللجنة الأمنية، لحسم الخلاف الذي نشب بينهما حول السلطة والثروة والتسلط.. وانتهى بالانقلاب المشئوم..

* ولا تدري قحت أنها ألقت بنفسها فِي متاهة فيها ما فيها من غيوم وإبهام "... كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ" (سورة النور- 40)

* إنها في هرولة غشيمة نحو الشراكة مع جنرالات لا يؤمن جانبهم رغم خياناتهم المتكررة للثوار في يوم 3 يونيو وتلاعبهم بها في 25 أكتوبر وغدرهم لرب نعمتهم، البشير، بالإنقلاب عليه في أبريل؛ ويظن ربابنة قحت أن التوقيع على الاتفاق الإطاري سوف يحل الخلاق بينهما، وينتهي المطاف بتشكيل حكومة مدنية من كفاءات تابعة لقحت وحلفائها، وتأتمر بأمر الربابنة، وتمهد الطريق لهم، بعد انتهاء الفترة الانتقالية، لاكتساح الانتخابات، ومن ثم تسهِّل لهم إستلام السلطة وتقسيمها في ما بينهم..

* يقول فولكر أن تشكيل الحكومة ضروري لاستئناف الدعم الدولي.. كما يقول ممثل الاتحاد الأوروبي أن تشكيل حكومة جديدة بقيادة مدنية مطلوب لاستئناف المساعدات الدولية، والتعاون مع الشركاء الدوليين..

* إذن، يجب تشكيل الحكومة، بأسرع ما يمكن، للحصول على المساعدات الدولية.. وكل كيان من الكيانات الموَّقِعة على الاتفاق الإطاري تطمع في كعكعة من المحاصصات الدستورية في الحكومة.. وربما أظهرت الأيام شداً وجذباً مريراً بين الكيانات يؤدي إلى تصدع التحالف وإلى خروج بعض الكيانات منه مغاضبةً، اعدم حصولها على مرادها من المحاصصات.. هذا أمر لا يُستبعد..

* تلك مسألة لها ما بعدها، كما لما بعد الاتفاق الإطاري مسائل شائكة أكثر من ما في تشكيل الحكومة.. فالاتفاق الإطاري يحمل الكثير مما هو إيجابي، في النصوص على الأقل؛ وتزعم قحت أن التعديلات التي قدمها الجنرالات قد تم التوافق عليها بنسبة 90%.. وتندرج معظم المتوافق عليه من تلك التعديلات ضمن مصفوفة أهداف الثورة؛ وهي أيسر مطلوبات الثورة لموافقة الجنرالات عليها؛ أما المطلوبات المعقدة والعويصة فقد تم إرجاؤها إلى أجل لم يتم تحديد تاريخه بعد.. ربما انتظاراً لجذب عدد من الكيانات السياسية بما يكفي لتشكيل حكومة تقنع المجتمع الدولي بجدية الموقعين على الاتفاق الاطاري..

* ثم إن نسبة ال10٪، من التعديلات التي لم يتم حسمها هي، من حيث النوع، قضايا جوهرية.. وتشكِّل أهداف الثورة الأكثر أهمية؛ ولأنها كذلك، فقد تم إرجاؤها، وتم حسم الأمور الأسهل ( نظرةً إلى ميسرة) للجنرالات الذين ما كانوا لَيرتضوا التوقيع على الاتفاق الإطاري ما لم يُعطُّوا النور الأخضر على تمرير ما يرضيهم من التعديلات التي دفعوا بها..

* ويبدو أن قحت شاءت أن تُظهر جزءاً من الاتفاق الإطاري الجاذب لكثير من المغيًِبين في الشارع السوداني، مستهدفة ًتخدير الجميع للتعلق بما هو ربما ليس سوى (سرابٍٍ بقيعةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْـَٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمْ يَجِدْهُ شَيْـًٔا)..

* وشاءت إخفاء الحقائق الشائكة حول قضايا العدالة الإنتقالية، وإزالة التمكين وتفكيك النظام البائد وإتفاقية جوبا، وإصلاح المؤسسة العسكرية..

* فقحت لا تجرؤ على منح العفو عن قَتَلة الشهداء، فحق العفو مكفول لأولياء الدم فقط، ولا لدى قحت القوة اللازمة لفرض العدالة بالقانون الطبيعي او الانتقالي، ولا قدرة لديها لتعديل، ولو شولة من بنود اتفاقية جوبا، كما صرَّحت الحركات المسلحة،.. ومن سياق ما جاء في بنود الاتفاق الاطاري، نفهم أن قحت تتكلم عن إزالة التمكين وتفكيك نظام البشير بلغة تختلف عن إزالة تمكين حقيقية وتفكيك حقيقي لنظام الثلاثين من يونيو 1989، ولا استرداد فعلي للأموال العامة.. أما موضوع إصلاح المؤسسة العسكرية فقد حسمه خطاب البرهان، يوم التوقيع على الاتفاق الإطاري، بالتأكيد على عدم تدخل المدنيين في المسائل الفنية العسكرية.. وبذلك التأكيد كفى البرهان شركاءه المدنيين التفاوض!

* تلك القضايا الأربع هي بحرٌ لجيٌّ ربما ألقت قحت بنفسها فيه، فخسرت قوى الثورة الحية، وفي مقدمتها لجان المقاومة (الحية).. لكنها كسبت زَبَداً طافياً من الفلول وعدداً لا بأس به ممن كانوا عضداً لإنقلاب البرهان.. ولن يعوضها هذا الكسب عن ما خسرته في الشارع العام..

* التسوويون في سعادة غامرة أتاحها لهم الترحيب الإقليمي والدولي بالإتفاق، لكن الترحيب لا يعني نجاح الإتفاق، فترحيب الشارع السوداني به هو النجاح!

oh464701@gmail.com
//////////////////////////////

 

آراء