تزايد النفوذ الأُممي وتراجع الإرادة الوطنية..!! بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

ما أن قطع المبعوث الأممي القول بالفصل في شأن حضور فعاليات الحوار، بتصريحه المشحون ثقة عالية بالنفس (يبدأ الحوار بمن حضر)، تأكد للرائي أن النفوذ الأممي الذي يقوده فولكر بعد التجديد لبعثته الأممية يونتامس، هو الأكثر تزايداً من الإرادة الوطنية المتراجعة وراء تمسك العسكريين بسلطة لم يقدموا في سبيلها مهراً من الدماء، والمتوارية خلف النظرات غير الواثقة لممثلي القوى المدنية المناوئة للإنقلابيين، فخطاب البرير الحزين ومن خلفه الأعين البائسة للخلفاء الجدد للساسة الراحلين من زعماء سوح العمل العام، الشادّين من أزره بسواعد هدّها الترحال والتسفار بين عواصم الدنيا، بحثاً عن عنقاء الحرية والمدنية والتحول الديمقراطي، ولكأني أرى وأشتم رائحة ذات الخطابات التي كان يلقيها المرحوم أبو أم سلمة، والتي كان آخرها خطاب (بوخة المرقة)، ولكأنما هنالك مؤامرة دفينة تحت غبار الطاولة بين العسكر والمبعوث الأممي، إذ أن التناغم وتبادل الأدوار بينهما لم يبارح مكانه منذ الإنقلاب والإطاحة برئيس الوزراء، وخطّاهما المتوازيان اللذان يدينان ويشجبان بعضهما بعضا في العلن، وفي الخفاء يسوقان ثورة الشباب إلى العدم، لم تزد السنوات الثلاث الماضية الإثنين إلّا مضي قدماً في تكريس الأضواء حول نفسيهما، فالضعف والوهن لدى القائمين على أمر احتضان وليد ثورة ديسمبر هو الكابح الأوحد لجماح هياج الثائرين الكافرين بدين هؤلاء الإنبطاحيين القدماء.
التنافس السياسي بين الإنبطاحيين القدماء دائماً ما يصل مرحلة الفجور وهد المعبد على رؤوس الجميع، هذا ديدنهم جميعهم لا استثناء لأحد فيهم، يميني كان أم يساري، لقد فعلها من قبل النائب الأول للدكتاور المعزول مع البعثة الأممية المهجنة بالاتحاد الإفريقي في بروكسل، حينما وقّع معها تخويلاً بالدخول للبلاد في سريّةٍ أشعلت غضب الطاغية وزبانيته مرتكبي جرائم الحرب بالإقليم المنكوب، ومايزال هذا الفجور مستمراً سرّاً وعلانيةً بين القوى المنبطحة القديمة وبين كل من يملك سطوة سلطان دولي كان أم إقليمي، ولا عزاء للجهد الوطني الخالص الذي يقدمه اليافعون، بل ذهب هؤلاء الإنبطاحيون لأبعد مما يتصوره العقل المتزن، بأن شقوا صف المقاومين، ببذر بذور الاصطفاف الحزبي القاتل لبراءة الحراك المجتمعي التلقائي، أو كما جاء في معنى بيت من بيوت الشعر أن البنيان لن تكتمل أركانه إن كنت أنت تبني وغيرك يهدم، تراجع الإرادة الوطنية بدأ تراكمياً منذ العهود الماضية، وأصبح سلوكاً معتاداً لمن يمتهنون مهنة الذين لا مهنة لهم، يعرضون بضاعة الوطن في سوق النخاسة دون حياء ولا خجل، عسكريون ومدنيون. الآن آن الأوان لفولكر أن يمدد ساقيه ويشير بسبابته لهذا وذاك أن أفعل ولا تفعل، في وطن يساق إلى جحيم حتفه بعلم ودراية ابنائه المتشاكسين والمتنافسين حول كسب ود الأجنبي، لافرق اليوم بين بريمر العراق وفولكر السودان بعدما أصبح الأخير آمر ناهي.
إنّ إطلاق الحبل على غارب المبعوثين الأمميين دون حسيب ولا رقيب هو أم الكوارث، فالموفدون من قبل المنظمة الدولية القادمين من وراء البحار لهم خيرهم كما أن بهم شرهم المستطير أيضاً، فهم ليسوا رُسل للجمعيات الخيرية التي همُّها سقاية العطشى وإطعام الجوعى وتأمين الخائفين، وإن لم يكن هنالك طاقم حكومي يتمتع بالحس الوطني الصادق، وبالوعي والإدراك التامين لتقاطعات المصالح الوطنية بين أجندات منظمات الأمم المتحدة ورغبات الشعوب الحرة المشرأبة نحو الانعتاق، إن لم تحدث المواءمة بين الاثنين لن يكون هنالك منجز وطني يخدم المجتمعات التي قطّعت أوصالها ويلات الجوع ومآسي الحروب، حتّى ولو جاء الحوار الفولكري بحضور مكتمل النصاب، ولن يجدي صياح النادبين للحظ من شركاء العهد الأول للحكم الإنتقالي، مالم يصحب هذا العويل وذلك البكاء تصحيح للمسار القديم المعوج الذي أضاع الفرصة الذهبية، فلابد من أن تتمدد ألسنة لهب ثورة ديسمبر المجيدة إلى داخل مخابيء هذه الكيانات القديمة لتحدث تغييراً جذرياً فيها، يستبدل القيادة المتواطئة مع الخزلان بطواقم إدارية جديدة تضخ الدماء الحارّة في أوعية الهياكل التنظيمية التي بنى فيها العنكبوب بيته، فتراجع حماس الإرادة الوطنية لن تُوقِف زحفه إلّا مثل هذه الثورات الداخلية البينية العارمة والحاسمة، فالجين الكوروموزومي الذي لا يورث سوى الكساح والشلل، لابد من استبداله بجين غالب يبعث على الحيوية والنشاط والتغيير والتطور الإيجابي المستمر والمستدام.

ismeel1@hotmail.com
8 يونيو 2022

 

آراء