تسليم الدكتور عبد الله حمدوك للمهام، رئيسا للوزراء ومفوضا لإدارة شؤون الدولة

 


 

 

لم تصدق عقول السودانيين في داخل السودان وخارجه، باستيقاظهم من نومهم، ورؤية صباح يوم جديد يوحي بالإطاحة برئيس الوزراء الحاكم (موقتا) وطاقم حكومته بأكمله. الشيء الذي أدى إلى الإحباط النفسي لهذا الشعب الغني عن التعريف وذكر حسن الخصال. لقد أشرقت شمس ذاك اليوم، وكأنها لم تشرق. أشرقت في ذلك اليوم بلون آخر، وكان لليوم طعم آخر. وقتها بدت لنا قصور المستقبل التي تم تشييدها، وكأنها قصور هدمت. وخرجت المظاهرات في شتى أرجاء البلاد، مدعمة بمظاهرات في شتى بقاع الأرض. وكانت كلها تنادي بعودة الحكومة الانتقالية إلى موقعها الأول، لحكم البلاد ومتابعة وتسهيل الانتقال الديمقراطي الموعود.

الآن نحن في واقع حساس ونقطة انتقال مهمة. تأتي هذه الأهمية ليس فقط بمعناها للسودان، بل أيضا بدورها في إحلال السلام واستتباب الأمن في المنطقة ككل – ونظرا لوقع السودان بشقيه، كقطر استراتيجي هام سياسيا واقتصاديا وإنسانيا. بتعثر التحول الديمقراطي، لا يمكن الإيفاء بدور السودان كدولة وفي جوانب كثيرة. هنا على سبيل المثال دور السودان الفاعل في الحد من الإتجار بالبشر والهجرة إلى دول العالم الغنية على الصعيد العالمي، كدول الإتحاد الأوروبي، وأيضا الدور المحلي في إيواء مئات الآلاف من اللاجئين من دول الجوار بسبب الحروب الأهلية، كما هو الحال في مدينة القضارف على الحدود الشرقية المتاخمة للجارة "أثيوبيا".

هنا لا بد لنا وباختصار من الاحتكام لصوت العقل: لا بد من تسليم الدكتور عبد الله حمدوك المهام كرئيس للوزراء، وفي أقرب وقت ممكن. لقد وصل أول اعتذار من قبل جيش السودان بقيادة الفريق البرهان، لرئيس الوزراء وشعب السودان، بأن الأمر لم يكن انقلابا، بل كان تصحيحا لمسار الثورة. هنا نقبل أيضا الاعتذار كشعب، ولكن لا بد من عدم تضييع كثير وقت، وهذا حتى لا نفقد النجاحات التي حققناها حتى الآن بوجود الدكتور عبد الله حمدوك، كقبطان لسفينتنا المبحرة في عرض محيط عاصف برياحه وهائج بأمواجه. الرجل الذي رضي ليعمل من أجل الوطن. وهذا ليس فقط بتكليف ثقيل، بل أيضا تفويض شعبي، وواجب وطني.

لقد كلف الأمر أرواح كانت بالأمس تهتف بسلمية، من أجل مستقبل زاهر وعيش كريم. فإذا كنتم أنتم الأولياء على أمر هذا الشعب، ولم تهتموا بمستقبله وعيشه، فمن يكن وقتها المسؤول عنه؟ أبرياء من مواطنين وموظفين ومسؤولين ووزراء في السجون، كانوا يشاركونكم بالأمس الجلسات والرأي. هل كان ذنبهم هو أنهم قالوا الحقيقة، وعملوا من أجل وضع حدود للفساد المتفشي، الذي أسس له طغاة النظام البائد؟ من العدل أن نستقبل لجنة إزالة التمكين بكامل طاقمها بالقبول التام. وهذا بسبب الخطوات الثابتة التي تسعي بها هذه اللجنة، من أجل إرجاع الأموال المنهوبة من ثروات وموارد وخزينة الدولة، حتى تعود بالفائدة على كل مواطن.

من علامات آخر الزمان، أن يتسلط شخص واحد على أمر شعب بأكمله. أن يعطل شخص بمفرده، صادرات وموارد دولة كاملة. كان الأولى أن يتم سجن هذا الشخص الذي تعدى على إغلاق أكبر مواني السودان "بورتسودان" – محاولا صنع البؤس والشقاء عبر تجويع الشعب السوداني، وتعطيل مرافق الدولة – ونتساءل هنا: أهي انعدام الإنسانية المتزعمة، تجاه المرضى والجوعى والفقراء والمساكين؟ نقول هذا، والغصة تطعن في الحلق "لا"، لأن مثل هذه الأفعال لا تليق بالإنسان، ولا تناسب من يسمى زعيم قبلي، أو ناظر على قبيلة. هنا تنعدم في مثل هذه التصرفات، المروءة والإنسانية، وفي أبسط الصور، فكيف يجوز التكليف بالزعامة والنظارة؟

يحمد للدكتور عبد الله حمدوك كرئيس للوزراء، عبوره السليم بالبلاد حتى الآن. لقد أفلح وفي وقت وجيز بمقوماته المختلفة، من جعل السودان دولة مقبولة بين دول العالم. الرجل الذي يذكرنا بالزعيم الراحل إسماعيل الأزهري في عقله، تفكيره، مزاجه، طلعته، وحرصه على الديمقراطية - معناها للبلد بأهله - لا بد من أن نفرش البساط الأحمر للدكتور عبد الله حمدوك من جديد، ونتلقاه بترحاب، وتقدير (من دون بديل آخر). ليمسك بعجلة سفينتنا المبحرة عبر المحيط الهادر – وهذا حتى إذا بدأ لنا في الأفق البعيد جبل من الجليد. ولنترحم على أرواح الشهداء من شبابنا، الذين سفكت دمائهم بدون ذنب، وأن يلهم أسرهم الصبر في فقدهم، بخروجهم السلمي للشوارع.


hassan_humeida@yahoo.de

 

آراء