تشاد …القريبة البعيدة … بقلم: أسماء الحسينى

 


 

 

alshareefaasmaa224@hotmail.com

 

 

كان الطريق إلى العاصمة التشادية إنجمينا طويلا، ورغم قرب تشاد الجغرافي من مصر، كان علي أن أقطع آلاف الأميال إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا، وأمكث فيها يوماً، قبل أن أغادر إلى تشاد القريبة منا البعيدة عنا، برفقة وفد من أطباء العيون المصريين فى إطار مشروع مكافحة العمى فى تشاد، والذي يأتي فى إطار حملة ينظمها الصندوق المصري للتعاون مع أفريقيا فى وزارة الخارجية بالتعاون مع اتحاد الأطباء العرب والبنك الإسلامى للتنمية.

كانت عواصف ترابية كثيفة قد عطلت الطيران إلى العاصمة التشادية لمدة أربعة أيام، حمدنا الله أن هدأت هذه العواصف الترابية عند وصولنا، ومثلها كانت قد هدأت عواصف أخرى سياسية، تمثلت فى حالة حرب وعداء بين تشاد والسودان الدولتين الجارتين اللتين تربطهما الكثير من الروابط والعلاقات.

كان أعضاء الوفد الطبي المصري أشبه ما يكونون فى مهمة فدائية، فلا وقت عندهم يضيعونه، كان يومهم يبدأ بعد صلاة الفجر، ولا ينتهون من عملهم إلا فى الثامنة أو التاسعة مساء، ويظلون فى عمل متصل، يسابقون الزمن لأنهم وضعوا هدفاً لهم، وهو إجراء 1200 عملية خلال فترة تواجدهم المحددة بعشرة أيام فى إطار خطة مدتها ثلاث سنوات لإجراء عشرة آلاف عملية وعلاج مائة ألف شخص. وتأهيل وتدريب أطباء العيون، حيث توجد حوالى مائة وعشرين ألف حالة عمى فى تشاد، التى لا يوجد بها كلية طب واحدة، كانت طوابير المرضى تصطف أمام المستشفى يومياً، وقد اكتسب الأطباء المصريون سمعة جيدة فى تشاد، وكان الترحيب الرسمي بهم كبيراً، لكن الدعوات لهم من أفواه البسطاء كانت هى المنظر الأكثر تأثيراً ، ولا أعتقد أن هناك كلمات يمكن أن تصف مشاعر هؤلاء البسطاء من المرضى الذين أتوا من كل مكان فى تشاد، بعد أن فقدوا البصر أعواما، وفقدوا معه الإحساس بالحياة والمشاركة الفاعلة فيها، ثم كان قدوم هذه القافلة الطبية المصرية بمثابة يد الرحمة الإلهية التى تنتشلهم من بحور الظلمات إلى نور الحياة والأمل وأيضاً القدرة على العمل والإنتاج من جديد، وتدخل البهجة والسرور على قلوبهم، هذه الحاجة عائشة التى جاءت إلى المستشفى تتوكأ يد ابنها ولم تغادرها إلا مبصرة، كان وجهها يتهلل من الفرحة والذهول، لم تكن تتخيل أن يعود إليها بصرها ثانية... كانت سنواتها الماضية فى الظلام رحلة طويلة من المعاناة، أما الآن فقد عاد إليها نور الحياة، ومثلها الشاب إبراهيم الذي لن يكون بعد اليوم معاقاً أوعالة على أحد، بل سيصبح قوة منتجة فى المجتمع، قال لي: إنه يتطلع إلى العودة للعمل والمساهمة فى إعالة أسرته الكبيرة «وأضاف سعيدا: «ومن يدري فقد أتزوج قريباً وأبنى أسرة صغيرة «....لكل مريض قصة ..... وخلف كل قصة رحلة من المعاناة والعذاب والألم....وكما للمرضى قصص فللأطباء هم الآخرون حكايات يجب أن تروى، فيها تضحية وتكبد للمشاق وبذل وعطاء، قال لي أحد الأطباء: أن لا شيء يعادل لدى الطبيب البسمة التى يراها على وجه إنسان عادت إليه نعمة البصر وأصبح يمشي وحده دون مساعدة، مؤكدا أن العمل الإغاثي يتخطى كل الحواجز والتباينات بين البشر.

وإن كان بعض التشاديين لم يخفوا مايشعرون به من لوم تجاه أشقائهم العرب، حيث يشعرون أن العروبة والإسلام والجوار المشترك كان يجب أن تحرك الدول العربية نحوهم بشكل أكبر. ومنذ أول وهلة وطأت فيها قدماي العاصمة التشادية شعرت أن تشاد كانت ولا تزال بحق أرض التلاقي العربي الأفريقي، وإحدى أقرب دول جوارنا لنا، وأنها تستحق عن جدارة أن تكون فى قائمة الإهتمام المصري والعربي فى المرحلة الراهنة لأسباب كثيرة، ولعل أكبر ما بعث السرور في نفسي، وقوبل بترحاب شديد فى تشاد هو دعوة السيد عمرو موسى لإنشاء رابطة لدول الجوار العربى، وتأكيده فى هذا الصدد على تشاد، التى أكد أن 70% من أهلها يتحدثون العربية.

 

."نقلا عن صحيفة "الحقيقة "

 

آراء