ولادة ثورة الشعوب السودانية 

 


 

فيصل بسمة
1 August, 2022

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

يعايش العالم و يشاهد (ولادة) ثورة الشعوب السودانية تتكشف أمام ناظريه حدثاً فريداً يوثق قوة التصميم و جرأة البسالة و عظم التضحيات...

و يبدوا أن العالم أصبح و غدا و أمسىَٰ في شوق شديد و لهفة عظيمة إلى مشاهدة النهايات و رؤية لحظة ميلاد (جنين) الثورة السودانية ، خصوصاً و أن تقارير فحوصات و إختبارات الحمل و ما قبل الولادة الأولية قد أوضحت أن الجنين يحمل جينات و صفات وراثية متفردة بمقدورها تحقيق الحرية و صنع السلام و تطبيق العدالة و إحداث التغيير و إنفاذ الإصلاح و البنآء و التعمير...

عموماً لا تختلف آلية ولادة الثورة السودانية عن بقية الولادات من حيث توالي أحداث مراحل الولادة الأربعة و كذلك حدوث الصعوبات ، في المرحلة الأولى من آلية الولادة يبدأ المخاض و تتنامىَٰ وتيرة و قوة إنقباضات الرحم (الزخم) و الأوجاع المصاحبة ، و في المرحلة الثانية يلفظ رحم الأم الحامل (الوطن) الجنين (الثورة) إلى الوجود ، و المرحلة الثالثة هي مرحلة تنظيف جدار رحم الأم الوالدة (الوطن) و داخله مما علق به من توابع الحمل ، و في المرحلة الرابعة تعود أنسجة رحم الأم المرضعة (الوطن) و بقية أجهزة الجسم تدريجياً إلى طبيعتها...

كل مراحل آلية المخاض و الولادة الثورية مصممة على الإنسيابية الطبيعية و النهايات السعيدة المتوجة بولادة الجنين (الثورة) و سلامة الأم الحامل/الوالدة/المرضعة (الوطن) ، لكن أحياناً قد تتعوق و تتعثر هذه الإنسيابية بسبب مصاعب مختلفة تتطلب معالجات و تدخلات لا تخلو من التعقيدات و المضاعفات ، كما أن النهايات قد تأتي على خلاف التوقعات ، و ربما تنتهي أحياناً بفقدان الجنين (الثورة) أو الأم (الوطن ) أو كليهما بسبب الإختناق أو النزف أو الإلتهابات أو نتيجة التدخلات الغير مبررة (جرآئم: قمع المتظاهرين و المحتجين و الإعتقالات و التعذيب و الإختفآء القسري و القتل و فض الإعتصامات و التطرف الديني و التعصب المذهبي و المزايدات و التدخلات الأجنبية و الإنقلابات) ، و أحياناً و نتيجة لقصور المعالجات و أخطآء التدخلات يولد الجنين حياً لكنه يخرج مسخاً مشوهاً أو معاقاً أو الإثنين معاً (ثورة أكتوبر ١٩٦٤ و إنتفاضة إبريل ١٩٨٥ و المخرجات الأولية لثورة ديسمبر ٢٠١٨)...

المرحلة الأولى:

و هي أهم مراحل آلية المخاض و الولادة ، و قد تستغرق زمناً ، و هي الأحرج و الأكثر تعقيداً من بين كل المراحل ، و هي مرحلةٌ مختلفٌ حول تعريفها و تصنيفها ، و تعاني من كثرة الأرآء و المدارس و النظريات التي ما زالت قيد البحث و الدراسة ، و تتسم بالإختلافات و تضارب المصالح و غياب الوفاق على مباديء و أسس و أطر معالجة الصعوبات التي تعترضها ، و لهذا فكثيراً ما يتخلل هذه المرحلة الجدل و الإنقسامات (التحالفات و الإختراقات و الصراعات و المناورات) بسبب تفاوت المعايير (تعدد الإنتمآءات و تباين المواقف و إزدواجية الولآءات) ، و في هذه المرحلة تكثر و تتكاثر الوصفات المهدئة (المبادرات و الوساطات و المباحثات و المفاوضات) و المناقشات العلاجية التي لا تخلو من العقم و الجدل (الورش و المؤتمرات و المنابر و الإعلانات و المواثيق و الإتفاقيات المرتبطة بأجهزة المخابرات و أسمآء العواصم و المنتجعات و الأشخاص)...

و يبدوا أن تزايد ألام المخاض المبرحة تقود إلى ضبابيات في التفكير و الرؤىَٰ ينعكس في كثرة و إختلاف المعالجات و التدخلات ، و الشاهد هو أنه و عندما: تتراكمُ ألام المخاض و تزيد حدتها تضجرُ الأم و تتعالىَٰ إحتجاجات و صراخ الزوج و الأهل و المرافقين و يدبُّ الفتور في العقول المعالجة و يبدأُ البحث عن الوصفات و التدخلات التي تخفف من ألام المخاض و تختصر المراحل و تسرع بالوصول إلى النهايات مما يهدد آلية الولادة برمتها ، و لهذا فإن هذه المرحلة قد تتسم أحياناً بالتسرع في إتخاذ المعالجات الغير جراحية (التحالفات و الإئتلافات و الإندماجات السياسية) أو التدخلات الجراحية الغير متفق عليها (جيوش و حركات التحرير المسلحة و الإنتفاضة المحمية) و (الإنقلابات العسكرية و مسرحيات البيان الأول و مبررات إنحياز قوات شعبكم المسلحة إلى جانب الشعب منعاً لإنهيار الدولة و حفظاً للأمن إلخ... إلخ... إلخ... ، و ما يلي ذلك البيان من قرارات: حل الحكومة و البرلمان و تعطيل الدستور و إعلان حالة الطواريء و إصدار الأوامر الجمهورية و المراسيم المقيدة للحريات و... و...)...

و من أجل نجاح الإنسيابية الطبيعية لهذه المرحلة و ضمان خلوها من المعالجات و التدخلات الغير ضرورية يجب توفر عوامل و مرجعيات أساسية تتضمن: الصبر و التأني و العلم و المعرفة و الحكمة و الخبرة ، و قد دلت التجارب على أن عدم توفر هذه العوامل خصوصاً عوامل : العلم و الحكمة و الصبر قد يؤدي إلى المعالجات و التدخلات المتسرعة الغير مدروسة و الغير ضرورية التي تثير الجدل و الخلافات ، و التي تجعل الوضع أكثر تعقيداً ، و قد ينتهي الحال إلى بروز مضاعفات (الهيمنة و الإقصآء و التعصب الديني و المذهبي و المزايدات و التمرد و التخريب) نتيجة الوصفات المحلية أو المستوردة (الدول الشقيقة و الصديقة) أو بسبب تنشيط و تفعيل التدخلات الجراحية المعلومة (الإنقلابات العسكرية) ، و الشاهد هو أن هذه الوصفات و التدخلات ، الغير مطلوبة ، قد تفسد جميع آليات المخاض و الولادة ، و أنها ربما تقود إلى المزيد من التعقيدات و المضاعفات (الإستبداد و الطغيان و الشمولية و القهر و الإعتقال و التعذيب و القتل و المحسوبية و الفساد و الإنهيار و الفوضى)...

المرحلة الثانية:

هذه المرحلة من آلية الولادة تتم بإنقباضات عضلات الرحم المنتظمة (الزخم) فيخرج الجنين (الثورة) إلى الوجود تصحبه الحركة و الصراخ ، و تكون النهايات السعيدة ، و قمة الفرح في إحتفال و إحتفآء الجميع بقدوم المولود الجديد ، و على الرغم من هذه الإنسيابية الطبيعية إلا أنه أحياناً و لأسباب عديدة قد تتأخر آلية خروج الجنين مما يستدعي المعالجات بالمنشطات (الوفاق) أو التدخلات الجراحية المتسرعة (الإنقلابات العسكرية) المفتقرة إلى الدراسة و الغير مستندة إلى مرجعيات: العلم و المعرفة و الخبرة...

المرحلة الثالثة:

في هذه المرحلة يستمر تقلص عضلات الرحم (زخم الإتصالات و المحادثات و المفاوضات المفضية إلى الإتفاقيات و التحالفات) ، و يفترض في هذه المرحلة أن يتم لفظ مخلفات الحمل من التوابع و تنظيف جدر رحم الأم (الوطن) مما علق به من شوآئب أنسجة الحمل (أعدآء الثورة و آثار النظام البآئد من: الفاسدين و المفسدين و المعوقين و المندسين و الأرزقية و الطفيلية السياسية من: الساقط الحزبي و الفاقد المجتمعي) و ذلك عن طريق الإنقباضات العضلية المنتظمة و المنضبطة التوقيت (المحاسبة و تحقيق العدالة و تنفيذ العقاب)...

و تتطلب المرحلة الثالثة إستمرارية فعالية إنقباضات عضلات الرحم (الزخم الثوري و العدالة الثورية) ، و الشاهد أنه قد تصحبها المشاكل و التعقيدات (التآمر و المكآئد و المزايدات) التي تعيق الإنقباضات و عملية التنظيف ، و أنها أحياناً قد تحتاج إلى التدخلات التي تتدرج من المنشطات (المصالحات و التنازلات و التحالفات و الوفاق) إلى المعالجات الجراحية البسيطة (المكاشفة و المراجعة و المحاسبة) وصولاً إلى العمليات الجراحية البالغة التعقيد و التي ربما تهدد الحياة و الوجود (الإنقلابات العسكرية)...

و في بعض الأحيان تكسل عضلات الأرحام و تتوقف عن الإنقباض فيحدث النزف نتيجة الإرتخآء (فقدان الزخم و الفتور الثوري) يتبعه الهبوط العام (إنسحاب القيادات و إنفضاض التحالفات) ، و ربما يلي ذلك الصدمة و الدخول في حالة الغيبوبة (الفشل) إن لم تتم عمليات نقل دم و معالجات و تدخلات أخرى ضرورية...

هذه المشاكل و ما يصاحبها من مضاعفات و تعقيدات قد تهدد حياة الأم و الجنين (الوطن و الثورة) و وجودهما خصوصاً في حالة غياب التدخلات الحاسمة و المطلوبة من المعالجين المختصين (تنظيمات قوى الثورة) أو بسبب التدخلات الغير مدروسة من الأدعيآء من غير أصحاب العلم و المعرفة و الخبرة من (مغامري العسكر و جماعات: الإنتهازية و الأرزقية و العملآء و المرتزقة و الطفيلية السياسية من: الساقط الحزبي و الفاقد المجتمعي) مما يؤدي إلى إرتكاب المزيد من الأخطآء المتفاوتة الدرجات ، هذا إلى جانب المضاعفات المترتبة على التدخلات المتسرعة و المهددة للوجود و الحياة (الإنقلابات العسكرية)...

المرحلة الرابعة:

و هي مرحلة عودة أجهزة و أنسجة جسم الأم المرضعة (الوطن) إلى طبيعتها ، و هي المرحلة الأطول زمنياً ، و في هذه المرحلة يتعاظم الفتور و يكون الركود و الإسترخآء و الكسل فتنشأ المصاعب مثل: مشاكل رضاعة الجنين و الإنسدادات في الأوعية (الأفق) و إنتشار الإلتهابات الضآرة و الإكتئابات النفسية (العسكر و جماعات: الفوضى و العبث السياسي و الإنتهازية و الأرزقية و العملآء و المرتزقة و الطفيلية السياسية من: الساقط الحزبي و الفاقد المجتمعي) التي ربما تفضي إلى تسمم الدم و الغيبوبة التآمة (العنصرية و العصبية القبلية و الجهوية و الفوضى و العبث و المزايدات و الإنتهازية و الأطماع و المصالح الشخصية و المحسوبية و الفساد و العمالة و الإرتهان للأجنبي و الإنقسامات) ، و رغم الحوجة المآسة إلى تضافر الجهود في المعالجات الناجعة و التدخلات السليمة المستندة إلى مرجعيات: العلم و المعرفة و الخبرة إلا أن هذه المرحلة تتفرد بطغيان الإنفراد بالرأي و بضيق الأفق و تجاهل الرأي الآخر مما يقود إلى الأخطآء و المضاعفات و التعقيدات المركبة المهددة للحياة و الوجود و المفضية إلى الموت و الفنآء (الإنقلابات العسكرية)...

حواشي:

في الكثير من الأحيان يتم تجاهل الأم (الحامل/الوالدة/المرضعة) و زوجها و أهلها و المرافقين و آخرين (قطاعات و خبرات وطنية: سياسية و إقتصادية و إجتماعية و أمنية) و لا يعتد بملاحظاتهم بل و كثيراً ما تزدرىَٰ أرآءهم من قبل أدعيآء المعرفة و الخبرة من المعالجين مما يؤدي إلى حدوث المضاعفات الكارثية...

الخلاصة:

جميع مراحل آليات المخاض و الولادة لا تخلو من المضاعفات و التعقيدات و المخاطر التي أُوجِدَت لها بعض من المعالجات (المصالحات و الوفاق و التحالفات و الإئتلافات) و كذلك التدخلات الجراحية (الإنقلابات العسكرية)...

و قد دلت التجارب أن أغلب هذه المعالجات و التدخلات غير متفق عليها ، و في أفضل الأحوال: مكررة و متسرعة و غير مدروسة و غير مبررة أو مطلوبة و لا سند لها و غير ناجعة ، و تنفذها جهات مدعية ينقصها العلم و المعرفة و الخبرة و الصبر...

الختام:

آلية مخاض و ولادة الثورة السودانية معقدة و مركبة و عسيرة ، و تتطلب الجهد و الصبر ، و تستغرق زمناً طويلاً...

الشاهد أن الثورة السودانية ما زالت في مرحلة المخاض الشآقة المصحوبة بالألام المبرحة...

و لن تتم الولادة و لن تبدأ عمليات البنآء في بلاد السودان قبل إكتمال جميع مراحل آلية الولادة بصورة طبيعية و من غير الحوجة إلى المعالجات و التدخلات الغير ضرورية...

و لن تتم عمليات الإصلاح و البنآء في وجود الإنتهازيين و الأرزقية و العملآء و المرتزقة و الطفيلية السياسية من: الساقط الحزبي و الفاقد المجتمعي ، و في غياب القيادات السياسية و الإدارية و المهنية الجيدة التأهيل و التدريب...

العناصر الثورية المؤهلة الواعية ذات الأهداف الواضحة هي المنوط بها قيادة مرحلة البنآء و التغيير: تحقق الإصلاح و العدالة ، و تنفذ السياسات و المهام ، تبني المشاريع و تشيد الصروح تسندها في ذلك قوة ثورة الشعوب السودانية...

و قد أثبتت ثورة الشعوب السودانية أن القوة ليست في السلاح و القهر و البطش و القتل ، و إنما في الإلتزام الوطني الخالص و التصميم على إكمال الثورة و إحداث التغيير مهما كانت التضحيات...

و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

FAISAL M S BASAMA

 

fbasama@gmail.com

 

آراء