تعليقات فى السياسة الداخلية (3): العداء للحزب الشيوعى من حكومات ما بعد الاستقلال
فى العام 1958 اعلنت الولايات المتحدة عن قيام عدد من الاحلاف العسكرية مع عدد من البلدان من بينها حلف جنوب شرق اسيا و حلف بغداد، (مشوع ايزينهاور) الذى يمثل تهديدا مباشرا للسودان. فجاء نائب الرئيس الامريكى ريتشارد نيكسون الى البلاد ليسوق ذلك المشروع، فقام الحزب الشيوعى بتعبئة الجماهير ضد تلك الزيارة. و خرجت المظاهرات الهادرة ساعة و طات اقدامه ارض السودان هاتفة (عد الى بلادك يا نيكسون) و (لا للمشروع الاستعمارى) و (يسقط مشروع ايزينهاور) ..الخ. فاصدرت الحكومة بيان تهديد اتهمت فيه (حفنة من الشيوعيين بتهديد الامن و الاستقرار). كان ذلك الوصف (حفنة) مجافيا للحقيقة بدليل ان نيكسون شعر برفض شعب السودان للمشروع، فعقد اجتماعا عاجلا مقلقا على مضض مع بعض الوزراء و عاد مسرعا الى بلاده.
هناك ايضاموقف الحزب الشيوعى المعارض للمعونة الامريكية و المطالب باسقاطها فى البرلمان. حيث اصدر العديد من البيانات ضد اجازتها فى البرلمان. الا انها اجيزت فى جلسته المنعقدة فى يونيو 1958 و صوت لها 104 ضد 57 . وقف بجانبها حزب الامة و الشعب الدمقراطى و عارضها الوطنى الاتحادى و انقسم النواب الجنوبيون بين الكتلتين.
و بما ان قوى المعارضة بدات تتجمع ضد الحكومة لاسقاطها، فقد تم تجميد البرلمان بمنحه اجازة مفتوحة. وكان ذلك تمهيدا لانقلاب 17 نوفمبر1958 بتسليم عبدالله خليل السلطة لجنرالات الجيش بقيادة الفريق ابراهيم عبود.
• عداء نظام عبود للحزب الشيوعى:
بعد يوم من الانقلاب اصدر المكتب السياسى للحزب الشيوعى السودانى بيانا شهيرا جاء فيه ((17 نوفمبر انقلاب رجعى سنناضل ضده حتى اسقاطه. فما حدث هو تسليم و تسلم للسلطة من حكومة عبدالله خليل الى جنرالات الجيش. و قد تم الانقلاب تحت القيادة الرسمية للجيش و لم تقم به هيئة مناوئة من الضباط. و تلك القيادة الرجعية للجيش هى فى الواقع نتاج عمل منظم منذ تسليم عبدالله خليل الحكم فى منتصف 1956 و اشرف على وزارة الدفاع. انه انقلاب رجعى باشره الجهاز الذى كونه حزب الامة داخل الجيش)).
و جاء فى كلمة صحيفة الميدان الناطقة باسم الحزب الشيوعى:
((اليوم و قد انتقلت سلطات الحكم الى ايدى الجيش فى بلادنا، فسنبقى كما كنا واضحين فى اهدافنا و وسائلنا... تعزيز علم جمهوريتنا و الابقاء عليه نظيفا شريفا و سنناضل لتعود ثمار الاستقلال الوطنى لجماهير شعبنا - لن نفرط فى هدف منها و لن نتراخى فى دفاعنا عنها...ستبقى الميدان سلاحا حاسما فى ايدى كل الوطنيين و النصر و العزة و المجد لشعبنا.))
اغلق النظام العسكرى صحيفة الميدان بعد هذه الكلمة.
و صرح الفريق عبود لصحيفة الاخبار المصرية الصادرة فى 23 نوفمبر 1958 قائلا(ان الشيوعية هى عدوى الاول و ان الحكومة السودانية وضعت خطة للقضاء على الشيوعية فى السودان.))
الا ان ذلك العداء لم يكن قاصرا على الحزب الشيوعى، بل قامت الحكومة بحل اتحاد العمال و الغت العمل بقانون العمل و العمال لسنة 1948م. و حلت كافة التنظيمات الديمقراطية. ثم اعلنت حالة الطوارىء و تعطيل الدستور و حل البرلمان و حل الاحزاب و منع الاجتماعات و التجمعات و المواكب و المظاهرات و وقف اصدار الصحف و تعطيل النقابات و الاتحادات و على راسها اتحاد نقابات عمال السودان، و صدور قانون دفاع السودان الذى يعاقب بالسجن و الاعدام كل من يقوم بتكوين او بدعو للاضراب او الكراهية ضد الحكومة، و صدور لائحة دفاع السودان التى تعطى وزير الداخلية سلطات بوليسية واسعة فى التفتيش و الاعتقال و وضع قيادات الاحزاب و الوزراءتحت الحراسة المنزلية. و بهذه الاجراءات محت المؤسسلت الديمقراطية التى بناها الشعب عبر نضال سنوات من التضحيات فى لحظات و حل محلها نظام ديكتاتورى عميل. و هذا يؤكد ما ذهبنا اليه عن ان العداء للديمقراطية يبدا بالهجوم على الحزب الشيوعى تغطية للممارسات الشمولية ثم تنداح دائرته لتعم كل ما هو ديمقراطى.(يتبع)