تعويض ضحايا الخريف الماضي أهمّ من الانتخابات

 


 

 

 

هاشم بانقا الريح*

hbrayah@yahoo.com

 

أصابني حزنٌ شديد وأنا أقرأ قي صحيفة (الرأي العام) في عددها الصادر يوم 25 أبريل 2010م أن اللجنة المكلفة بتعويض ضحايا الخريف الماضي في ولاية الخرطوم قد فرغت من صياغة تقريرها النهائي الخاص بأعداد الضحايا والمنازل التي انهارت، وأن التقرير سيتم تقديمه للسيد الوالي الأسبوع القادم. نعم.. فرغت الآن ونحن على مشارف شهر مايو، وتعلمون أن الخريف القادم بات قاب قوسين أو أدنى!!

ومبعث حزني – أيها السادة- هذه السلحفائية التي تعمل بها لجاننا واللجان المنبثقة منها، حتى وإن كان الأمر يتطلب الجدية والمثابرة ووصل الليل بالنهار، لحيويته وارتباطه بحياة الناس ومعاشهم، وربما نتج التأخير والتلكؤ في العمل والانجاز إلى إصابة الكثيرين بأضرار أكبر من تلك التي أصابتهم.

أريد أن أفهم شيئاً واحداً: ماذا كانت تفعل هذه اللجنة المكلفة بحصر أعداد الذين قضوا والمنازل التي انهارت بسبب الأمطار والسيول التي حدثت خلال خريف العام الماضي؟ ماذا كانت تفعل هذه اللجنة وقد أوشك خريف هذا العام على "مفاجأتنا"؟ لماذا لم يتم النص صراحة ضمن بنود قرار تكوين هذه اللجنة أن عليها أن تفرغ من عملها خلال مدة محددة، شهرين، ثلاثة – على سبيل المثال؟

المدهش أنه ورد في ذات الصحيفة أن التقرير سبق وأن سُلّم للوالي ولكنه أعاده للجنة المعنية في شهر فبراير متضمناً ملاحظاته على التقرير. إذن تعديل الملاحظات التي أبداها الوالي استغرق شهرين أو تزيد، فكم من الوقت إذن ستأخذه اللجنة حتى تسلّم التعويضات لأصحابها؟ أتأمّل حال الذين انهارت منازلهم، والذين حال ضيق ذات اليد دونهم والقيام بإعادة تشييدها، أو أولئك الذين تفاءلوا خيراً باللجنة الموقرة وتعويضاتها، وظلوا ينتظرون طيلة هذه الشهور.

في ظني أن العمل على إصلاح ما أفسدته أمطار وسيول خريف العام الماضي، ومن بين هذه الإصلاحات – بالطبع- دفع التعويضات للمتضررين، كان أولى حتى من قيام الانتخابات، التي إذا أُجلّت أو حتى أُلغيت ما كانت ستترك سلبيات أكثر من تلك التي تركتها عملية عدم دفع التعويضات. لكن المحزن أن سياستنا لا تأخذ بالأولويات، ولا تعير التفاتة لحال ذوي الحاجات، ولذا، وفي خضم السلبيات الكثيرة  واللامبالاة التي تتسم بها حياتنا، تظل أمورنا تسير سيرها الطبيعي وكأنّ كل شيء على ما يرام، أو هكذا يتوهّم القائمون على الأمر.

إذا كانت أمورنا تسير بعقلانية، وبضوابط مؤسسية، وبشفافية، وتخضع الجهات المختلفة المنوط بها إدارة الشأن العام للمحاسبة، لكانت – على سبيل المثال - لجنة تعويض المتضررين من الأمطار والسيول بولاية الخرطوم قد فرغت من مهامها في زمن قياسي ورفعت توصياتها، واستلم المتضررون تعويضاتهم، وبدأت الجهات المختصة العمل على تلافي أوجه القصور التي ظلت تصاحب أداء أجهزتنا خلال موسم الأمطار كل عام. لكن، ولأن هذا لا يحدث، تُقام الحفلات، والمناسبات الرسمية وتُدفع فيها الأموال، التي لا يعرف أحد كم تبلغ، ويأتي الخريف، وكل شيء على ما هو عليه منذ العام الذي سبقه، بل منذ عدة سنوات خلت، ويبقى الحال، يموت الناس وتنهار المنازل بسبب الإهمال في معالجة سلبيات الأمطار والسيول، ولا أحد يُحاسَب.. لا أحد يخرج على الملأ محمّلاً نفسه المسؤولية، ومتهماً نفسه بالتقصير، ومن ثم يستقيل من منصبه، ليعيش باقي عمره سائلاً الله ليل نهار أن يغفر له، وأن ينجيه من دعوة يرفعها الله فوق الغمام، ويقول لها: (وعزّتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين).

في أعقاب ما حدث من هلاك للحرث والنسل بسبب أمطار خريف العام الماضي، خرجت علينا ولاية الخرطوم باعتراف مفاده وجود خلل في تصريف مياه الأمطار. جميل هذا الاعتراف، لكن السؤال المطروح الآن: ماذا صنعت الولاية لتفادي تكرار ما حدث؟  ماذا فعل جيش المهندسين، والمستشارين الفنيين، والأكاديميين والتقنيين الذين تلقوا تعليماً نوعياً وحصل بعضهم على تأهيل عالٍ خارج الوطن والذين يتقاضون مرتباتهم الشهرية ومستحقاتهم الأخرى من دافعي الضرائب؟

أخشى أن يكون الإنجاز الوحيد هو تكوين هذه الجنة التي قرأنا أنها قد فرغت للتو من رفع تقريرها النهائي ولم يبق للخريف القادم سوي شهرين، وبالتالي أخفقت حتى في دفع تعويضات لمستحقيها الذين يعلم الله كيف تكون حالهم، وحال غيرهم إذا ما كانت معدلات الأمطار في الخريف المقبل مثل التي كانت في الخريف الماضي!!

 

 

* مترجم وكاتب صحفي يعمل بالمملكة العربية السعودية

  

 

آراء